ابن طولقة الفيحاء، طبيب وشاعر، يهتم بالجانب التاريخي، ناشط في الميدان الثقافي بعاصمة الأوراس، إعلامي متميز مرّ بعدة عناوين إعلامية ميزت فترة من حياتنا كمراسل وكاتب وناشر لأعماله الأدبية، التقيناه في دار الثقافة بباتنة ودار بيننا الحوار التالي فتابعوه…
بداية مرحبا بك على صفحات جريدة الموعد اليومي؟
من الأشياء العجيبة في الحياة أننا لا نعرف الكثير عن أنفسنا بالقدر الذي يعرفه الآخرون عنا، إلا أنني وبالكم القليل من المعلومات التي امتلكها عن شخصي أقول بأنني من مواليد الفاتح من نوفمبر واسمي اختاره والدي رحمه الله تعالى تيمنا بأحد العلماء الذين كانوا يتوافدون بين الفينة والأخرى إلى الزاوية العثمانية بطولقة، والتي تعتبر إحدى المنارات الدينية البارزة في منطقة الزيبان والجزائر ككل.
يوم ميلادي وسبب تسميتي يبدوان لي كمحطتين هامتين لم تأتيا عبثا، لذا أجدني في أحايين كثيرة أقف عندهما حين أتأمل مساري الأدبي أو حتى العلمي وأرجعهما، مزاوجا في مخيالي بين ثورة التحرير والفكر الاصلاحي، وفي اعتقادي أن هاتين الإشارتين كانتا دوما دافعا للذهاب بعيدا في الحياة في كل مجالاتها. بدأت القراءة في البداية في كتاتيب بلدة طولقة ثم انتقلت إلى التعليم العام ولما نلت شهادة البكالوريا انتقلت إلى جامعة باتنة وبالضبط بمعهد الطب، وهناك بدأت شخصيتي الأدبية تتضح، فانخرطت بنادي أدبي كان ينشط في دار الثقافة ثم عملت محررا ببعض الجرائد التي بدأت تظهر في الساحة الاعلامية بعد أحداث أكتوبر 1988م فكانت جريدة “الجمهور الأوراسي” التي كان يرأسها الأستاذ علي بن بلقاسم ثم انتقلت إلى الأطلس مع العديد من أعمدة الصحافة في تلك الفترة وكانت تحت رئاسة الأستاذ سليمان سراوي ثم جريدة “الراية” تحت إشراف الأستاذ خليفة عقون (الراية تحولت بعد ذلك إلى يومية ولم تزل تصدر إلى اليوم)، كما كانت لي في جريدة “الأوراس” وهي جريدة عمومية تابعة لمؤسسة “النصر” بقسنطينة محطة أيضا، فكنت مراسلا من طولقة وكانت وقتها تحت رئاسة الإستاذ الشاذلي زقادة، بالإضافة إلى ذلك كنت أنشر بعض المواضيع والمقالات في العديد من الجرائد مثل “البصائر” لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وغيرها، بعدها كانت لي فرصة مغايرة تماما للأولى، حيث أنشأت وترأست تحرير أول مجلة طبية بباتنة وهي “Batna info médical” وكانت تصدر عن المؤسسة الأوراسية للفنون والعلوم والثقافة (FASAC) التي كانت تحت إشراف الأستاذ محمد الهادي عمامرة، بعدها أنشأت مع مجموعة من الأطباء المجلة الطبية الإلكترونية Batna Journal of Medical sciences، أما الآن فأنا أنشر بين الفينة والأخرى مقالاتي على صفحات جريدة “الأوراس نيوز” لصاحبها الأستاذ سمير بوخنوفة وآخر ما نشرت بحث حول تاريخ الحركة الاصلاحية بمنطقة طولقة والآن أعكف على بحث حول “المساجد العتيقة بمنطقة طولقة” أتمنى أن يرى النور قريبا.
كيف كانت بدايتك مع الحرف ووجع الكتابة؟
البدايات دائما يشوبها الانكسار والصعود والنزول ولا يمكن الاستقامة إلا بعد عدة انكسارات، تلك هي بداياتي وأيضا بدايات كل مبدع، إلا أن ما أتميز به دعني أقول تلك “الشطحة” بين الأدبي والتاريخي والعلمي، وحده اللاشعور الراسخ في تلافيف مخي يستطيع أن يفك طلاسمها، كانت البداية بمراسلة الجرائد الوطنية والأجنبية للظفر بمساحة ولو بسيطة لقصة أو خاطرة أو حتى رد عليها، ثم بعد أن استقام العود قليلا صرت أتدلل أن أنشر في هذه الجريدة أو تلك، فكتبت القصة والشعر إلا أن الشعر في الأخير أسرني لست أدري لماذا، لولا هذا المعكر لسطوة الشعر ألا وهي الكتابة التاريخية والطبية لكان للشعر الكلمة الفصل في تاريخي الأدبي.
كيف استطعت أن تجمع بين مهنة الطب والشعر والكتابات التاريخية؟
الطب مهنة والكتابة هواية وكلاهما إحساس راق ومتغلغل في النفس، إذا لا يمكن أن تكون طبيبا وأنت متجرد من تلك الانسانية العالية والاحساس العميق والكتابة أيضا بذلك الرقي، وكل واحدة لها مكانة، وبالنسبة لي فكلاهما مكملتان بحكم أني أكتب كثيرا في مجال البحوث العلمية، وهذا شيء يساعدني في التوغل أكثر في مختلف النظريات، واكتساب خبرات أخرى. إن الطبيب يكون في أدق اتصال إنساني مع العقل والعاطفة والجسم، بتواصل يومي مع المرضى، فهذا الذي يعاشر النفس البشرية في أدق الظروف وأصعبها أليس بمقدوره أن يجيد الأدب بل يبدع به. وهناك أسماء كثيرة في التاريخ تؤكد امتزاج الطب بالأدب في الروح، فالطبيب والأديب الروسي تشيخوف يصف علاقته بالطب والأدب بأن “الطب زوجتي والأدب عشيقتي”، والطبيب المصري يوسف إدريس انسحب من مهنة الطب بشكل كامل ليكون كاتبا بجريدة الأهرام، وأيضا د. محمد المخزنجي طبيب متخصص في الأمراض النفسية والعصبية، اتجه للعمل الأدبي وهجر الطب وعمل محررا علميا لمجلة العربي الكويتية، و د. مصطفى محمود، طبيب وكاتب مصري معروف، درس الطب وتخصص في جراحة المخ والأعصاب، لكنه اتجه إلى الكتابة الأدبية، وغير هؤلاء الكثير.
ماذا تمثل لك الكتابة في هذا الزمن الذي أصبحت فيه القراءة شيئا غريبا وانحصرت بين فئات قليلة؟
صدقا الكتابة بالنسبة لي احتراق شديد الوهج وبلذة كبيرة كأنني أعاني من نفسية “المازوشيزم” أي كلما بدأت النيران التي تلتهب في جسدك الهدوء فضلت صب الزيت أو البنزين عليها لتزداد لهيبا، فالكتابة مرهقة لكنها ممتعة المذاق، وأنا مجتهد ومهووس بها، وهي عندي متعة لا تضاهيها أي متع أخرى، سواء نشرت أم لم انشر فتلك حكاية أخرى، وأدعو الله دوما ألا أشفى من هذا المرض الذي أصابني المسمى كتابة.
بماذا تنصح كل الكتاب المبتدئين والشباب؟
كلنا مبتدؤون ومهما بلغ الكاتب من “القدم” فهو لم يزل بعد في مرحلة التكوين، لذا أنصح نفسي وكل مبدع بالقراءة وبالبحث عن الجديد والسليم لأن الكتابة مسؤولية كبيرة وحمل ثقيل ويجب التحلي بالصبر الكبير للوصول إلى المبتغى.
كلمة أخيرة لقراء الموعد اليومي؟
أشكر الأديب المتميز والصديق الطيب حركاتي لعمامرة على الالتفاتة الطيبة وسعدت بالالتقاء به أول مرة في تظاهرة “بسكرة تقرأ” وأيضا في ملتقى النورين، كما أتمنى أن يلقي الضوء على كل مبدع مغمور في النسيان وكل التوفيق للقراء ومتابعي الحركة الأدبية في بلدنا.
هديتي لقراء الجريدة قصيدة “أجمل!”
أجمل
الآن فقط
بعض الأرض لك.
وكل السموات
والشموس
والبدور
والجنان لك
ولنا جمرة في الحلق
نمت وبرعمت.
——
نم يا “محمد” ساعة
لترتاح
وترتاح دروبك الأخرى من عطش البحار
نم ساعة
هي ساعة لميلادك الجديد.
في رحيلك الأخير
كانت العاصمة
كانت “القاصمة”
—-
لقد كان اسمك “محمد”
في كل الوجوه أجمل
لقد صار اسمك يا “محمد”
في كل السماوات أجمل
كنت أجملا
صرت أجملا
تبقى أجمل أجمل.
حاوره: حركاتي لعمامرة