في مقال نشرته جريدة “رأي اليوم” الصادرة بلندن، كتبت الاعلامية الفلسطينية شوقية عروق منصور بمناسبة احتفالات ستينية استقلال الجزائر: “الجميع يعرف أن الشعب الفلسطيني في العالم وخاصة في الأراضي المحتلة، أن الجزائر والدول العربية التي كانت خاضعة للاستعمار، كانت تحيا على ضفاف الحلم بالحرية، لأن نيل الحرية والتخلص من الاستعمار يفرش طريق الفلسطيني بزهور التفاؤل، ويدفعه لحرث الذاكرة التي تحولت إلى سجن من البؤس والانتظار بدلاً من التمرغ بتراب العودة والاستقلال”.
وأضافت: “أذكر أن كلمة الجزائر كانت في بيتنا مسكونة بالفخر والشموخ واللهفة، مكللة بالتضحيات والأسماء، والمسافة بين الدموع ونشرات الأخبار كانت قريبة جداً، حيث تجلس جدتي تبكي على الشباب الذين تذهب أرواحهم عبثاً، ويستلم جدي منها الآهات ولكن يقوم بتفريغ حزنه في السيجارة التي يلفها بالدخان المهرب، وحين يلتصق بالراديو ويسمع أخبار ”صوت العرب” وتتطرق النشرة إلى مجزرة أو اعدامات في الجزائر كان صراخه ينطلق ويصل بيوت الجيران، وعندما كان يلعب الطاولة مع جارنا الأرمني أبو إسحاق، كان يؤكد أبو إسحاق أن فرنسا مجرمة مثل تركيا ويفتح صفحات المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن وكيف قتلت عائلته وكيف هرب مع زوجته أم إسحاق التي كانت عروساً إلى دمشق ومن دمشق إلى فلسطين، ويربت
”أبو إسحاق” على كتف جدي قائلاً له اطمئن الجزائر ستنتصر.. وكنت أرى عندها بريقاً من الرجاء يلمع في العيون” .
وتابعت سردها الرائع للأحداث: “كان ذلك في سنوات الستينيات، كان اسم الجزائر يسير ويتنفس بيننا، وبما أن بيتنا كان قريباً من بيت جدي، فكنت طوال الوقت إلى جانب جدي الذي كان يملك الحديث الشيق. أذكر في بيت جدي كان هناك غرفة للضيوف فيها خزانة كانوا يسمونها ”يوك” مخصصة لفراش الضيوف، يعني عندما يأتي الضيف يكون الفراش جاهزاً لكي ينام.. في هذه الغرفة رأيت صورة صغيرة مقصوصة من إحدى الصحف وقد أُلصقت على باب الخزانة.. سألت :سيدي مين هاي؟ نظر إليّ وحدق في الصورة وقال لي وقد امتلأت التجاعيد التي بدت تشق وجهه بفرح :هاي بطلة جزائرية اسمها جميلة بوحيرد ..”!!
بالنسبة للإعلامية الفلسطينية تاريخ الجزائر ليس حكاية شعب فقط، لكنه تاريخ إصرار على الاستقلال والتخلص من الاستعمار، حكايات المقاومة والصمود والقصائد والقصص والروايات، حكايات الجبال التي صارت العناوين لشموخ الرجال .. وحكايات الغموض والاختباء ثم الظهور في ميادين القتال كالأشباح..”.
وختمت شوقية عروق منصور مقالها: “كبرت وكبر معي حبي للجزائر، تابعت تاريخ بلد” المليون شهيد” وتابعت أسماء الأدباء والشعراء الذين استلهموا من الثورة الجزائرية الحكايات وطافوا حول كعبة المقاومة الجزائرية، ولم يتركوا طقساً ونفساً وروحاً جزائرية إلا دخلوا في محرابها”.
ب/ص