الشائعات … أخطار وموبقات

الشائعات … أخطار وموبقات

الكلِمةُ عمارٌ أو دمار. مَغنمٌ أو مَغرم. هِدايةٌ أو غِواية. وما على وجه الأرضِ أقوى ولا أخطرَ من الكلمة إذا أُجيدَ توظِيفُها، فهي القوة المسؤولةُ عن كل حركات البناءِ والهدمِ في التاريخ. القرآن العظيم كلمة، ورسالة الأنبياء كلمة، وصروح العلم كلمة، وهذا المنبر كلمة، فكم هي عجيبةٌ والله هذه الكلمة: فهي ترتقي حتى تكون أفضلَ الأعمال، كما في الحديث الصحيح: “ألا أنبئكم بخير أعمالكم.. وفي آخر الحديث قال: “ذكر الله”. وتسفلُ الكلمةُ وتنحطُّ، حتى تكونَ شرَّ الأعمال، كما في الحديث الصحيح: “وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِم إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِم”. ومعلومٌ انَّ دخول الجنة بكلمة، ودخولُ النارِ أيضاً بكلمة. والشائعات: نوعٌ من الكلمات، ولكنها ظُنُونٌ وَتَخَرُّصَاتٌ، وأوهامٌ وتلفيقات، تتناقلها الأفواهُ والجوالات، فتتدحرجُ بينهم ككرة الثلج، تبدأ صغيرةً، لكنها كلما تحركت تضاعفَ حجمها، وتعاظمَ خطرها، حتى تفتك بكل ما يقع في طريقها، أولسنا نراها تُفسدَ في لحظات، ما يُفسدهُ غيرها في سنوات. الشائعات أوبئةُ مُهلكة، وأخطارٌ موبقة، تسري سريانَ النَّارِ في الهشيم، وتُفسدُ إفسادَ الوباءِ المعدي، كم خربت من ديارٍ وعلاقات، وكم قطعت من رحمٍ وصلات، وكم ولَّدت من خلافاتٍ وعداوات، وكم نَدِمَ الكثيرُ على تصديقِها، لكن بعدَ الفوات.

وصدق الله ” لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ” الأحزاب: 60. الإشاعات داءٌ دويّ، وبلاءٌ خفيّ، بسببِها يبرأُ المجرِّمُ، ويُجرَّمُ البريء، في الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: “سَيأتي على الناسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فيها الكَاذِبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ، ويُؤْتَمَنُ فيها الخَائِنُ، ويُخَوَّنُ فيها الأَمِينُ، ويَنْطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ. قيل: وما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: الرجلُ التَّافِهُ، يتكلَّمُ في أَمْرِ العَامَّةِ”. الشائعات من أقوى وأخطرِ وسائلِ التدميرِ للأفراد والمجتمعات. وكم من رسالةٍ مسمومة، قالت لمرسِلها دعني، وكم من تغريدةٍ ملْغومةٍ هوت بكاتبها في وادٍ سحيق، وكم من شَائِعَةٍ مُلفَّقة، تسببت في وُقُوعِ كَوارثَ محققة، في الحديث المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ”. ألا وإنَّ أعظمَ الشائعات ضرراً، وأشدُّها خطراً، ما كان منها مُستهدِفٌ أمنَ المسلمين في أوطانهم، وخلخلة عقائدهم وأديانهم، وإضعافَ صِلتهم بربهم وخالِقهم، وموهِنٌ لروابط الاخوّةِ فيما بينهم. ثم إنَّ الغالبَ على من ينشرُ الشَّائِعاتِ، أنهم حمقى مُغفلون، لا يَتَرَيَّثُون ولا يَتَثَبَّتُونَ، ولا يراجعون، ولا يتراجعون، فَكَمْ من خبر ٍكاذبٍ طاروا به وأذاعوه. فلمَّا تَجَلَّتْ شَمسُ الحقِيْقَةِ أَدْرَكوا أَنَّهُم كانوا مطيةً حمقاءَ للأعداء، وأنهم حَمَلُوا إِثْماً مبينا، وأَشاعُوا بهتاناً وزُوْراً عظيماً، وحتى إن ندِموا فبعدَ فَواتِ الأَوانِ، وصدق الله ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ” الحجرات: 6.

من موقع الالوكة الإسلامي