السينما.. السلاح السري للمقاومة الفلسطينية

السينما.. السلاح السري للمقاومة الفلسطينية

يقف الفلسطينيون في كل بقعة في مواجهة الاحتلال والنسيان والصمت، فيثقبون الذاكرة المغلقة على صور زائفة صنعتها سيطرة المحتل على مقدرات الإنتاج السينمائي ويلهمون الحالمين بالحرية ويبحرون بخيالهم إلى آفاق تتجاوز الواقع إلى خيال لا يصل إليه سوى أولئك الذين تجاوزوا الخيال، فصنعوا ملحمة “طوفان الأقصى”.

وينتمي محاربو الصمت والنسيان إلى أجيال فلسطين التي تلد الحلم والإرادة، وبين الممثل والمخرج محمد بكري إلى دارين سلام مرورا بإيليا سليمان ورشيد مشهراوي وهاني أبو أسعد وغيرهم، يولد الصمود في مواجهة الصمت والإنكار.

وتظهر بصمات المخرج الفلسطيني إيليا سليمان من اللحظة الأولى لانطلاق عملية “طوفان الأقصى” في غلاف قطاع غزة، إذ تستدعي المناطد التي نقلت أبطال العملية إلى داخل المستعمرات الإسرائيلية المشهد الشهير في فيلم “يد إلهية” لبالون ضخم يطير في الهواء ويحمل صورة الرمز الفلسطيني ياسر عرفات، فيما كان الرجل في واقع الأمر -حينها- محاصرا في مقره برام الله في الضفة الغربية.

وحرر إيليا سليمان الزعيم الفلسطيني عام 2002 بخياله السينمائي، ليصل إلهامه في 2023 إلى المقاومين الذين حولوا الخيال إلى واقع.

وأشهر أفلامه هو فيلم “يد إلهية”، ويحكي قصة حب بين فتى فلسطيني من سكان أراضي فلسطين التي احتلت عام 1948 وفتاة فلسطينية من سكان الضفة، يلتقيان في سيارة فارهة على حاجز إسرائيلي (نقطة تفتيش)، ويراقبان ما يحدث خلف حواجز الاحتلال الإسرائيلية من قهر للفلسطينيين وإساءة معاملة.

من جهته، استطاع هاني أبو أسعد في فيلم “الجنة الآن” أن يشرح للعالم الغربي بتكوينه الثقافي المغاير لماذا يلجأ الأشخاص إلى العمل الفدائي، وصوّر تلك الحياة التي تشبه الجحيم على الأرض في ظل انعدام الخيارات وموت الأمل في تغيير الواقع السجين داخل قرارات احتلال لا يرحم.

وحصل فيلم “الجنة الآن” على جائزة “غولدن غلوب” عام 2006، كما شارك في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي ووصل إلى التصفيات النهائية.

وفي مخيم الشاطئ بقطاع غزة اضطر رشيد مشهراوي ابن الـ14 عاما للعمل لمساعدة أسرته، ورغم أنه لم يحصل على فرصة لدراسة السينما، فإنه وصل إليها عبر اهتمامه بالفن التشكيلي، وفي الـ24 أخرج فيلما قصيرا بعنوان “جواز سفر”.

ورشيد هو أول سينمائي فلسطيني يصنع أفلاما في الأرض المحتلة، حيث قدم بالإضافة إلى “جواز سفر” أفلام “الملجأ” و”دار ودور” و”أيام طويلة في غزة”.

وأنشأ رشيد البنية الأساسية للسينما الفلسطينية من خلال شركة أيلول للإنتاج السينمائي، وقدم من خلالها فيلمه الروائي الأول “حتى إشعار آخر” 1993، ثم “حيف” 1996، وهو أول فيلم فلسطيني يعرض في مهرجان كان، كما أنشأ مركزا للإنتاج السينمائي في رام الله، وهو مؤسس مهرجان سينما الطفل الذي أنتج عددا كبيرا من الأفلام، ثم قدم في عام 2008 فيلم “عيد ميلاد ليلى” الذي فاز بأكثر من عشرين جائزة عالمية.

وفي عام 2013 أنجز فيلمه الروائي الطويل السادس بعنوان “فلسطين ستيريو” الذي افتتح في مهرجان تورنتو للعام نفسه، وقدم الفيلم الوثائقي الطويل “رسائل من اليرموك” 2014 عن حصار مخيم اليرموك في سوريا.

وأحدث أعمال رشيد مشهراوي فيلم “يوميات شارع جبرائيل” الذي صنعه مضطرا بعد أن منعه الإغلاق العام بسبب كورونا من تصوير فيلمه الروائي الجديد في باريس.

ويفيض “يوميات شارع جبرائيل” بالشجن الذي يربط بين الإغلاق العام وحظر التجول الذي يفرضه الاحتلال على الفلسطينيين بشكل شبه دائم.

اسم آخر لافت هو المخرج والمؤلف والممثل محمد بكري الذي لم يغادر فلسطين مهاجرا أبدا، ورغم ذلك فإنه واحد من الممثلين البارزين على مستوى العالم منذ اختاره المخرج الفرنسي العالمي كوستا غافراس بطلا لفيلمه “حنا ك” عام 1983، ليضيف إلى المخرج والمؤلف ممثلا متميزا.

وينتمي بكري إلى جيل يعشق كتابات الروائي إميل حبيبي وأشعار محمود درويش، وقدم رواية “أبي سعيد المتشائل” لإميل حبيبي في صورة مسرحية لسنوات طويلة داخل فلسطين وخارجها، وهو مطارد بأبيات درويش المتسائلة دائما عن حب البلاد الأسيرة.

واستفزته مذبحة جنين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية، اندلعت الانتفاضة الثانية فواجهتها إسرائيل باجتياح الضفة الغربية بالكامل، وبينها مخيم جنين، لتدمر البيوت وتقتل العشرات من الفلسطينيين بين طفل وامرأة ورجل عجوز وشاب وحتى الجنين في رحم أمه.

وقدّم بكري وثيقة إدانة للضمير الإنساني كله عبر فيلمه “جنين”، لكن إسرائيل وقفت بالمرصاد لفيلمه وحاربته على مدى أكثر من 20 عاما، وأصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا حكما بمنع عرضه، ورغم ذلك وصلت صورة وكلمة بكري إلى كل صاحب ضمير.

كما تمثل دارين سلام جيلا جديدا من مقاتلي الشاشة، قدمت 5 أفلام قصيرة، وفي عام 2021 أنجزت فيلمها “فرحة”، لتعيد سرد حكايات النكبة الفلسطينية بمنظور مختلف وتسرد وقائع وآثار النكبة على الفتاة الفلسطينية “فرحة” التي تطمح لاستكمال دراستها في الخارج، لكن النكبة تؤجل كل مشروعات الحياة، فيحبسها والدها خوفا عليها.

ق\ث