يعد قطاع الصناعة التقليدية والحرف من القطاعات الاقتصادية الهامة في العالم، حيث يمثل للعديد من الدول المتقدمة محورا أساسيا للتنمية الاقتصادية وتزداد أهميته في الدول النامية، فهو يحتل مكانة هامة نظرا لدوره الفعال على مختلف الأصعدة الثقافية
والاجتماعية والاقتصادية، كما يعتبر أحد مقومات الشخصية الوطنية الأساسية لدى معظم الدول بما فيها الجزائر، فعن واقع هذا القطاع في الجزائر ومختلف التحديات التي يواجهها الحرفيون، إضافة إلى التجاوزات التي طالت التراث الجزائري ومحاولة البعض الاستيلاء عليه، تحدثنا مع السيدة نزيهة بن علي رئيسة اللجنة الوطنية للصناعات التقليدية، فكان هذا الحوار.
في البداية كيف تُقيم السيدة نزيهة بن علي واقع الحرف والصناعات التقليدية في الجزائر؟
رغم إدراك الجميع لكون الحرف والصناعة التقليدية من مقومات الهوية الوطنية
والمحافظة عليها تعني المحافظة على الانتماء والوقوف في وجه الانسلاخ الفكري و الغزو الثقافي وتربية النشء على الشعور والاعتزاز بموروثه التاريخي، إلا أن هذا القطاع يعيش معاناة دامت طويلا بسبب مشكليْ التسويق وغلاء المادة الأولية الناجمين عن سوء التسيير وعدم جدية المسؤولين السابقين عن القطاع، وفي الوقت الراهن زاد الظرف الاقتصادي الصعب وآثار جائحة كورونا من تعميق معاناة القطاع بسبب الغلق وما نتج عنه، إلا أن هناك من الحرفيين من أجاد استثمار الوضع واستغلال الظرف منذ توقيف الاستيراد، فتمكن من تسويق منتوجه.
تضرر بعض الحرفيين من آثار جائحة كورونا، فهل تم تعويضهم، وإن كان جوابك بنعم، كيف تم ذلك؟
أقر رئيس الجمهورية تعويضات مالية لفائدة الحرفيين لتخفيف الأضرار المترتبة عن توقيف النشاط جراء انتشار جائحة كورونا في شهر مارس من السنة الماضية، وهو ما عملت الجهات الوصية على تطبيقه واستفاد الحرفيون من منحة 30 ألف دينار جزائري الموجهة بالدرجة الأولى لقطاع الصناعة التقليدية والحرف، وهي التعويضات التي تخص الأشهر التي توقفوا فيها عن مزاولة نشاطهم بسبب إجراءات الوقاية من وباء كورونا في مارس، أفريل وماي 2020 بواقع 10 آلاف دينار جزائري عن كل شهر، لكن بلغنا أن هناك من الحرفيين من لم يتلق سوى 20 ألف دينار جزائري.
أما المرحلة الثانية فتعلقت بالتعويض الذي أقره رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في إطار المهن الحرة والمقدر بـ 30 ألف دينار جزائري للشهر الواحد، لمدة ثلاثة أشهر، وبما أن الحرفيين يعتبرون من هذه المهن فقد فُتحت التسجيلات على مستوى مديريات السياحة والصناعة التقليدية وغرف الصناعة التقليدية والحرف على مستوى محلي، وللاستفادة من هذه المنحة المقدرة بـ 90 ألف دينار لثلاثة أشهر، تم الاشتراط على كل حرفي يرغب في الاستفادة منها أن يكون منتسبا للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لغير الأجراء “كاسنوس” لسنة 2019، وأن يكون منتسبا لسنة 2020، وهو ما كان عائقا بالنسبة للكثير من الحرفيين الذين لم يدفعوا اشتراكاتهم ثم حاولنا إيجاد صيغة اتفاق وهي أن يقوم الحرفيون بدفع اشتراكاتهم في “كاسنوس” للثلاثة الأشهر الأخيرة بمعدل 10 آلاف دينار جزائري عن كل شهر، وهو ما سمح باستكمال ملفات الحرفيين واستفادتهم من منحة الرئيس.
كثيرا ما تحدث الحرفيون عن مشكلين رئيسيين هما التسويق وغلاء المادة الأولية، ماذا تُقدمون بهذا الخصوص؟
نحن على تواصل دائم مع الحرفيين، ونحاول قدر الإمكان دعمهم وخلق الفرص لهم من خلال تنظيم المعارض بهدف تسويق منتجات الحرفيين، كما نربط العلاقة بين الحرفي والتاجر من أجل بيع وتسويق منتجاته.
كما تمتلك الجمعية مكاتب في 12 دولة من بينها كندا، تركيا، المكسيك وأستراليا، نخطط من خلال برنامجنا القادم لتسويق منتجات الحرفيين عبر هذه المكاتب بعد فتح الحدود والمجال الجوي إن شاء الله.
أما بخصوص المادة الأولية فنقوم في جمعيتنا التي تجمع بين التجار والحرفيين بتوصيل الحرفي بالتاجر الذي يبيع له المادة الأولية مع مراعاته في السعر.
للصناعة التقليدية والحرفية دور في ترقية السياحة، كيف ترون الوضع في الجزائر؟
العلاقة بين الصناعة التقليدية والحرفية بالسياحة علاقة وطيدة وهما قطاع واحد وكلاهما مكمل للآخر.
والحرف الجزائرية لديها قيمة كبيرة لدى السائح الأجنبي لكنها تعاني من بعض الإهمال وعدم الاهتمام في الداخل.
وما لاحظناه مؤخرا مع إقرار تدابير الغلق وغلق الحدود أن الجزائري عاد للاهتمام بالسياحة الداخلية، لكن ما نعيبه على الوكالات السياحية الجزائرية أنها تهتم فقط بنقل المسافر دون الالتفات لجانب الموروث الثقافي وإرفاق الرحلة السياحية بكل ما له علاقة بالحرف الجزائرية والصناعة التقليدية لدينا، لكن يجب الذكر أنه تم الانتباه مؤخرا إلى ضرورة دمج الصناعات التقليدية مع كل القطاعات كالتكوين المهني والمؤسسات الصغيرة والناشئة، حيث بدأ الاهتمام بجدية بالقطاع السياحي وربطه ربطا وثيقا بالصناعات التقليدية، وهو ما لمسناه خلال زيارتنا الأخيرة لولاية بسكرة الزاخرة بالموروث السياحي ليس البسكري فقط وإنما جمعت تقاليد كل المناطق الجزائرية.
رغم غنى الموروث الثقافي الجزائري، إلا أن المغاربة يواصلون استيلاءهم عليه، في رأيك لماذا يتجرأون على ذلك؟

الجواب بكل بساطة هو أن تهاوننا وتخلينا عن تقاليدنا وعدم التمسك بها والعمل على تطويرها سهّل الطريق أمام المغرب، الذي يواصل تعديه على الموروث الجزائري سواء المادي أو اللامادي، فبعد أن استولى على القفطان وصل به الأمر إلى الحايك الجزائري والادعاء أنه من التراث الوجدي، لكن ونظرا للسرقات المتواصلة من قبل المغرب، أطلق نشطاء جزائريون على شبكات التواصل الاجتماعي حملات مختلفة كان آخرها “_ألبس_جزائري” يدعون من خلالها الشباب إلى لبس اللباس التقليدي الجزائري في كل المناسبات خاصة الدينية بهدف المحافظة على الموروث الثقافي الذي بدأ يعرف طريقه إلى النسيان بفعل ما سموه التقليد والتشبه بثقافة الآخرين.
وحقق هذا الهاشتاغ تجاوبا وتفاعلا بشكل إيجابي بعدما نشر المتفاعلون صورهم في العيد وهم يرتدون اللباس التقليدي، وهو ما أكد أننا عائدون إلى تقاليدنا لا محالة.
ماذا ينقصنا كجزائريين حتى نحافظ على تراثنا، وماذا ستعملون بهذا الخصوص؟
من جملة ما ينقصنا في الجزائر الإيمان بتراثنا، والعمل دون كلل من أجل استعادة موروثنا الثقافي، ومن أجل هذا لابد من الجلوس مع أهل الاختصاص والقيام بجلسات تشاورية بهذا الخصوص من أجل الحفاظ على هذا القطاع الحيوي، كما ينبغي تنظيم مهرجانات ومعارض خارج الجزائر من أجل إيصال الموروث الجزائري لدول العالم، وبهذا الخصوص أود الإشارة إلى ضرورة منح الفرصة لجميع الحرفيين لأننا لاحظنا احتكار بعض الأسماء القديمة في المجال للمعارض، كما نُنوه بالدور الكبير للإعلام من أجل التعريف بالثقافة والتقاليد الجزائرية، من جهتنا نعمل على جعل الحرفي يعمل في ورشته ونحن من نعمل على تسويق منتجاته لأنه بهذه الطريقة سيتمكن من تطوير حرفته والإبداع أكثر في منتوجه، هذا الإبداع والتطوير الذي تفتقده صناعتنا التقليدية والتي بفضل الالتفاتة الجادة للسلطات سنتمكن من النهوض بها وإيصالها إلى العالمية والمحافظة على كل ما يخصنا، كما أؤكد على الدور الكبير للوكالات السياحية والفنادق في هذا المجال وهو الدور الذي ننتظر منها القيام به لأن للوكالات السياحية والفنادق القدرة على إبراز الموروث الثقافي وصناعتنا التقليدية بشكل كبير من خلال مختلف الأغراض، فالفنادق مثلا يُفترض أن تعتمد في ديكوراتها وأفرشتها وحتى أوانيها على الحرف الجزائرية الزاخرة بكل شيء جميل.
ل. ب
