إن العيش الإنساني قائم على تبادل المصالح الحياتية التي تعين على بقاء النفس البشرية، وقضاء الحاجات المعيشية. فمن تلك المصالح: مصلحة البيع والشراء، التي يستفيد منها البائع والمشتري وغيرهما من شركاء الحياة الإنسانية. وهذه المصلحة قديمة قِدمَ الإنسان؛ فقد تعارف عليها الناس منذ قديم الزمان، ولا زالت في تطور مستمر في آلياتها ووسائلها، وكيفياتها، حتى وصل الإنسان المعاصر إلى ممارسة البيع والشراء عبر الأسواق الالكترونية. ولعظم الحاجة الإنسانية إلى هذه المصلحة فقد أباحها الشارع الحكيم، وحرّم منها أشياء قليلة محدودة؛ لما في تلك البيوع المحرمة من المضرة الدينية أو الدنيوية، العاجلة أو الآجلة. قال تعالى: ” وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ” البقرة: 275، وقال ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ” النساء: 29. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أطيب الكسب: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور” رواه احمد. إن على البائع المسلم أن يتعلم ويفقه الآداب والأحكام المتعلقة بالبيع والشراء؛ حتى يكون كسبه حلالاً، وقلبه مطمئنًا، وسمعته حسنة بين الناس.
وهذه الآداب التي سنذكرها للبائع منها الواجب، ومنها المستحب. فعلى من يتصدر للبيع أن ينوي بعمله التقرب إلى الله تعالى؛ لأنه بعمله هذا يكف نفسه عن الحرام، ويسعى على أهله وأولاده، وربما يتصدق، ويحسن على الخلق من ذلك الكسب. وعلى البائع أن يتحرى الحلال، ويحرص أشد الحرص على اجتناب الحرام في بيعه، فكل ما حرمه الله تعالى من المطعومات، والمشروبات، والملبوسات وغير ذلك يجب عليه أن يتجنب بيعه، ولا يسع المقام لذكر كل ذلك. كما أن عليه أيضًا أن يجتنب البيوع المحرمة؛ كبيوع الغرر، والربا، ونحو ذلك. وعلى البائع كذلك أن يتعلم ما يحل وما لا يحل في بيعه، والوسائل لذلك في عصرنا كثيرة: إما بدراسة، وإما قراءة، وإما سماع، وإما مشاهدة، وإما استفتاء وسؤال؛ لأن ذلك من العلم الواجب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة على كل مسلم” رواه ابن ماجه. فما أحسنَ أن يرى الناس بائعًا أمينًا لا يطفِّف في المكيال والميزان؛ بل يعطي المشتري حقه، ولا يأخذ منه إلا ما يستحقه؛ لأنه يعلم أن عقوبة المطفف شديدة، قال تعالى: ” وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ” المطففين: 5، 6. وما أجملَ أن يجد المشتري بائعًا لا يغش ولا يخدع، بل يكون ناصحًا للمشتري، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” خير الكسب: كسب العامل إذا نصح ” رواه احمد. والبائع الأمين صادق مع المشترين، فلا يكذب في وصف السلعة، ولا في سعر شرائها، وهذا يبارك له في بيعه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما” متفق عليه.