يعد، تقليد السلع ظاهرة عالمية تمس مختلف أنواع المنتجات، وهي إبداع فئة من المصنعين في تقليد منتجات أصلية بصنع أخرى تشبهها أو مطابقة لها شكليا بتكلفة أقل وكمية أكبر، وذلك من خلال استعمال مواد أولية من نوع رديء، وإنتاجها في زمن قصير مع انعدام أية رقابة.
تعتبر الظاهرة تعديا على حقوق الملكية الصناعية، كما تشكل خطرا يهدد حياة المستهلكين، الذين يقتنونها لأن لا خيار لديهم نظرا لتواجدها الكبير في السوق وأسعارها المغرية بالمقارنة مع السلع الأصلية التي تباع بأثمان خيالية في بعض الأحيان، إذ أن هذه السلع المغشوشة أو المزورة -كما يسميها البعض- تنتج بكميات هائلة وإمكانيات بسيطة مما يؤدي إلى افتقادها للجودة والأمان، ورغم هذا نجد فئة من المجتمع تتجه إليها وتستهلكها بشكل دائم غير مبالية بالعواقب الوخيمة التي قد تنجم عنها. وقد انتشرت الظاهرة لتشمل مختلف قطاعات السوق الجزائرية، إذ لم يعد التقليد مقتصرا على قطاع المنتجات الإلكترونية والكهرومنزلية والأقراص المضغوطة كما كان الحال في بادئ الأمر، بل تعدى ذلك وانتقل مثلما تنتقل عدوى الفيروس ليشمل كافة القطاعات الأخرى كالأدوية والمنتجات الصيدلانية، المواد الغذائية، مواد ومستحضرات التجميل، السجائر، قطع غيار السيارات، ألعاب الأطفال، الملابس والإكسسوارات وحتى الأوراق النقدية التي تعرف بتبييض الأموال. ومن أسباب ظهور وانتشار مثل هذه الصناعات، العولمة التي أدت إلى فتح المجال الاقتصادي على التجارة العالمية، وحدة التنافس السوقي الدولي جعل الشركات تعمد انتهاج استراتيجيات تقوم على التقليد وخاصة في البلدان التي تسعى إلى تحسين اقتصادها مهما كانت الوسيلة المعتمدة لتحقيق ذلك، فالمهم بالنسبة لها النتيجة. فخلال السنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة استيراد الجزائر من الخارج وخاصة من دول شرق أسيا، فحسب ما كشفت عنه خلية محاربة الغش على مستوى إدارة الجمارك الجزائرية، هناك نوعان من المنتجات المقلدة في الجزائر، السلع المستوردة التي تمثل نسبة 60 بالمائة وتتصدر قائمة الدول المستورد منها الصين بنسبة 55 بالمائة تليها كوريا الجنوبية ودول من أوروبا، خاصة الشرقية منها، والسلع المصنوعة في الجزائر بنسبة 40 بالمائة. كما يعد انتشار الأسواق السوداء والتهريب عبر الحدود من العوامل المؤدية إلى إغراق السوق الجزائرية بالبضائع المزورة، فحسب ما صدر في تقرير أمريكي لسنة 2011، فإن الجزائر مصنفة على قائمة الدول الإحدى عشر في اللائحة الحمراء.
الإبداع في خداع المستهلك:
تعددت الجهات المتخصصة في التقليد وتفننت في اكتشاف حيل مبدعة من أجل خداع المستهلك وإيهامه بأن المتوج الذي يراه في السوق بأثمان مغرية هو منتوج أصلي لعلامة مشهورة، بحيث كان ولا يزال بعض المصنعين يقومون بإعادة صنع نسخة من المنتوج مع وضع علامته الحقيقية لتأخذ هذه السلع على أنها أصلية لأن التقليد ممتاز، إلا أنه في حال اكتشاف الخدعة تعاقب بشدة من طرف القانون، ولهذا تغيرت الطريقة وأصبح المقلدون يعملون وفق استراتيجيات ذكية لبيع المنتجات، فهناك من يأخذ تسمية علامة أو ماركة عالمية مع التلاعب بالحروف المكونة لها، وآخر يضع تسمية مخترعة مع المحافظة على الشكل واللون الرمزي للعلامة الأصلية المراد تقليدها، كما نجد مصنعين لا يضعون أية تسمية أو علامة على المنتوج المقلد ويتركون المشتري حائر يبحث عن أصل السلعة. فقد أصبح من الصعب على المستهلك بل ويستحيل عليه في بعض الأحيان التفريق بين ما هو أصلي وما هو مقلد، وخاصة إذا كانت الأسعار تتقارب أين تباع السلع المقلدة بسعر الأصلية، وهي حيلة أخرى تهدف إلى بعث الثقة في المنتوج. ومن النتائج السلبية التي ترتب عن تسويق منتجات مقلدة بتسميات تشبه تسميات العلامات الأصلية، إلحاق بهذه الأخيرة سمعة سيئة وبالتالي فقدان قيمتها في السوق. ففيما يصبو العالم إلى الاختراع والإبداع والتجديد، تبقى ثقافة هذه الدول والمصنعين ثقافة إبداع تقليد وليس إبداع تجديد، هذا ما خلق التنافس السلبي الذي يجوب العالم ويحط رحاله في الدول التي تنقصها المناعة الاقتصادية.
الربح السريع وراء إقبال التجار عليها:
هناك العديد من التجار ورجال الأعمال من اتخذوا من تجارة التقليد مكسب لهم وغايتهم الوحيدة من وراء ذلك هو تحقيق الربح، حيث لا يضعون أهمية لمصدر تلك السلع ونوعيتها، ولا يقدرون مسؤولية الأضرار التي قد تنجم عنها. وحجتهم في ذلك أنه لا خيار لهم سوى التوجه نحو ممارسة هذا النشاط ، فمن جهة يعيلون عائلاتهم بالفائدة التي يجنوها من بيع هذه السلع، كما يساعدون فئة كبيرة من المجتمع على اقتناء حاجياتها بمدخلهم المتواضع من جهة أخرى. سألنا “عماد” تاجر بضواحي العاصمة عن رأيه في تجارة التقليد والذي كانت إجابته “حقيقة أنا أعارض فكرة تجارة التقليد مهما كانت مزاياها لأنني على يقين تام بأنها تحمل عدة أضرار، ولكن معطيات السوق تتطلب منا نحن التجار بيعها، كما تلقى رواجا كبيرا لدى الزبائن من مختلف المستويات، إلا أنني عندما أعرضها في محلي أصرح لزبائني بطبيعة السلع ليبقى عليهم الخيار”.
غلاء السلع الأصلية يقود إلى المقلدة
تعرف السلع المقلدة إقبالا كبيرا من قبل المواطنين، فمنهم من وجدوا فيها ملجأ يحفظهم من غلاء المعيشة، حيث سعر المنتجات الأصلية المرتفع يضطرهم للتوجه نحو السلع المقلدة غير مبالين بكل ما يقال حولها فالمهم عندهم هو ملاءمتها ودخلهم الضعيف، وهذا ما إلتمسناه من خلال ما أبداه لنا بعض المستهلكين الذين تقربنا منهم، حيث قال لنا “سي صالح”، “لولا منتجات (تايوان) لما استطعت إعالة عائلة من ثماني أفراد ومثلي كثيرون، فمتطلبات الحياة لا تنتهي والأجر لا يكفي”. أما “حميد” يصرح لنا بـ”سبب غلاء المعيشة ليس لدينا من سلاك سوى استهلاك هذه البضائع” وعن أضرارها يقول “لن يصيبنا إلا ما كتبه لنا الله ومن يخاف لا يعيش في هذا الوقت”.
كما أن انخفاض ثمن المنتجات المقلدة يجعلها مطلوبة بكثرة وتباع بسهولة بحيث تنفذ بسرعة من السوق وهذا ما يعزز صناعتها وتجارتها. فحسب رأي الشابة “سارة” التي التقيناها بأحد أسواق العاصمة “بسبب كثرتهم أصبحنا نلبس (شينوي) ونتجمل (شينوي) وحتى الطعام يأتينا من الصين، وأسعار هذه السلع في متناول الجميع، ففي الكثير من الأحيان أتوجه إلى السوق لشراء شيء واحد حتى أجد نفسي أشتري عدة أشياء بنفس الثمن” كما تقول، “أتجه إلى مستحضرات التجميل التي تباع على الطاولات مع علمي أنها ليست سلع أصلية إلا أنني أفضلها لأن ثمنها اقل بكثير من تلك المعروضة في كبار المحلات”. كما أن هناك سبب آخر يجعل هذه السلع تباع بسهولة وهو عدم التفريق بينها وبين السلع الأصلية، وكذلك جهل الأشخاص لوجود سلع مقلدة في السوق، فحسب “فلة “، “أصبحنا لا نفرق بين ما هو مقلد وما هو أصلي، فكلها تتشابه خاصة الألبسة والأحذية والهواتف النقالة، وهذا ما يجعلنا نشك في كل منتوج نجد ثمنه منخفض”. ويرجع الإقبال على هذه السلع أيضا، بسبب المظهر والشكل الذي تعطيه وكأنها منتجات لماركات عالمية، حيث يقول لنا “سفيان”، “لما لا أشتري ملابس بثمن بسيط وأتباهى بها وكأنها منتوج عالمي، أنا فقط الذي يعرف كم اشتريتها ومن أين”.
التقليد.. خطر لا يستهان به
بالرغم من أن السلع المقلدة تساعد الكثير من العائلات على التصدي لغلاء المعيشة وانخفاض مستوى الدخل، إلا أن هذا لا ينفي مدى خطورتها على حياة المستهلكين، إذ تتباين درجات الأضرار التي تنجم عن استهلاك هذه السلع فيمكنها أن تتسبب في حوادث بسيطة كما يمكنها إن تؤدي إلى الموت.
ويحذر الأطباء من استعمال السلع المقلدة والتي لا تخضع للمعايير المعمول بها والمرخصة قانونيا، لأنها تمثل خطرا في كل الأحوال، وخاصة فيما يتعلق بالمنتجات التي تمس بشكل مباشر صحة الإنسان كالأدوية فقد تتكون من جزيئات كيميائية مضرة بالصحة ، أو استعمال مقادير خاطئة تكون أقل أو أكثر من اللزوم وبالتالي تؤدي لحدوث أزمات قلبية أو الغيبوبة وتصل إلى الوفاة. فقد تم إحصاء أكثر الأدوية المعرضة للغش وهي مضادات الحيوية ومستحضرات علاج الالتهابات، كما كشف مؤخرا عن تقليد الأنسولين. ولهذا ينصح المختصون بتجنب شراء المنتجات الصيدلانية من الصيدليات الغير مرخصة. ونفس الشيء بالنسبة لمستحضرات ومواد التجميل، فالغرض من استعمالها هو المحافظة على الجمال وليس العكس، إذ تعرض المغشوشة منها للإصابة بأمراض خطيرة، وهذا ما أكدته لنا، السيدة “فريدة بوحميدي” أخصائية في التجميل والتي تقول “يجب الحذر واليقظة من مواد ومستحضرات التجميل التي تباع في الأسواق وحتى في المحلات الكبرى، إذ يجب التمعن جيدا قبل شرائها وقراءة مكوناتها، والبحث عن ما يثبت الوجود الفعلي لمصنعها، فالآثار التي تخلفها هذه السلع لا يستهان بها، بحيث تخدش الجمال الطبيعي كما يمكن أن تتسبب في أمراض جلدية خطيرة فقد تحدث تهيج جلدي، فطريات، سقوط الشعر، ندوب، وحتى سرطان الجلد”. وتضيف “في العديد من المرات تقصدني زبونات حائرة، وعلى بشرتها علامات تهيج والعجيب في الأمر أنها تقول استعملت كذا ماركة عالمية ولم تسبب لي حساسية في السابق، فحتى العلامات الكبرى لم تسلم من التقليد، إذ يتم خداع المستهلك بالتغليف”. كما تتسبب المنتجات الكهرومنزلية والإلكترونية المقلدة في حوادث خطيرة وشهادة السيدة “نادية” إحدى ضحايا هذه المنتجات والتي تقول “أنها تعرضت لحادث منزلي خلال شهر رمضان الفارط، كاد أن يؤدي إلى كارثة، بحيث اشترت فرن من علامة مقلدة وبعد أيام من استعماله اشتعلت فيه النار، أين أصيبت هي بحروق على مستوى اليدين وكادت أن تحترق ابنتها ذات الخمس سنوات التي كانت بالقرب منه”. والأخ “شمس الدين” الذي يقول “اشتريت مأخذ كهربائي من علامة مقلدة وبعد ربع ساعة من استخدامه حدثت به شرارة كهربائية، لحسن الحظ كنت لا أزال أمامه ولم يحدث ذلك بالليل وإلا حدثت كارثة لا قدر الله”. وإذا اتجهنا إلى القطاعات الأخرى نجدها لا تخلو من الأضرار كالملابس والأحذية المقلدة التي يتم تصنيعها من مواد غير صالحة للاحتكاك مع الجسم وبالتالي تتسبب في حساسية. أما قطع الغيار المقلدة فتساهم بنسبة كبيرة في حوادث المرور، حيث يصعب تفريق الأصلية من المقلدة خصوصا أن قطع الغيار المغشوشة تمثل نصف الكمية الإجمالية المستوردة.
جهود مكثفة لكنها غير كافية
تخسر الدولة الجزائرية سنويا ما يقارب 30 مليار دينار بسبب التقليد، فبالرغم من الجهود المبذولة من طرف وزارة التجارة والجمارك في مكافحة السلع المقلدة، من خلال محاربة الغش والتهريب بأشكالهما وكذا حماية الاقتصاد الوطني، إلا أن هذا لا يكفي واستفحال الظاهرة يتزايد سنة بعد أخرى. ولهذا تعمل الجمارك الجزائرية على التزود بالوسائل العلمية للتفتيش والاعتماد على التكنولوجيات المتطورة، وكذا القيام بإصلاحات على مستوى مختلف مصالحها في إطار برنامج عصرنة إدارة الجمارك الجزائرية. ويقترح معظم الخبراء تشديد الرقابة على الباعة والمتخصصين في تجارة التقليد والمستوردين على الحدود البرية والموانئ والمطارات وفرض غرامات مالية على كل المزورين.