السفير المصري بالجزائر عمر علي أبو عيش، يؤكد في حوار خاص لـ “الموعد اليومي”: نواجه جيلا رابعا من الحروب يقوم على هدم أركان الدولة من الداخل… التطرف المظلة الفكرية والمعنوية للإرهاب

elmaouid

الشعب المصري لفظ الإخوان لفظة كاملة ورُبّ ضارة نافعة

 

الشعوب العربية والإسلامية لا تحتاج إلى وسيط ليعلمها دينها

 

الاستثمارات المصرية بالجزائر في حدود أربعة ونصف مليار دولار

 

الجزائر ومصر على علم بالأطراف المعرقلة في ليبيا ونواياها الحقيقية

 

حجم الإنشاءات التي تمت في مصر خلال 3 و4 سنوات الأخيرة لم تشهده خلال 30 سنة

 

أكد سعادة السفير المصري بالجزائر عمر علي أبو عيش، متانة العلاقات المصرية الجزائرية، واصفا إياها، خاصة في الوقت الحالي، بأنها علاقات وطيدة أخوية ومتجذرة في تاريخ البشرية.

وأوضح أن هذه العلاقات لم تبدأ مع حرب التحرير والثورة الجزائرية المجيدة وإنما بدأت منذ آلاف السنين، مشددا على أن التاريخ وحده سيثبت للجميع (بما لا يدع مجالا للشك) بأن هذه العلاقات المميزة لا تشوبها أية شائبة، وأن أية سحابة صيف عابرة بين البلدين سرعان ما تنتهي داخل العائلة الواحدة وبين الأشقاء، حتى وإن كان الاختلاف في الرؤى لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة الخلاف نهائيا.

 

 

الدولة الجزائرية في ظل حكم بوتفليقة شهدت مراحل تطور كبيرة جدا

قال عمر علي أبو عيش السفير المصري بالجزائر، في حوار خاص لـ “الموعد اليومي”، إن الدولة الجزائرية في ظل حكم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قد شهدت مراحل تطور كبيرة جدا، فكان دورها فعالا ومسموعا في المحافل الدولية برغم الأزمة والتأثيرات الاقتصادية التي يعيشها العالم، مضيفا أن ما تشهده الجزائر من حراك سياسي يتعلق بالانتخابات التشريعية يعد مرحلة مهمة من مراحل التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجزائر التي استطاعت، بعد أن مرت بظروف صعبة خلال العشرية السوداء، أن تشهد انطلاقة جديدة.

وشدد سفير مصر بالجزائر على أهمية وضرورة المشاركة السياسية في الانتخابات التي فيها فائدة كبيرة للمواطن والوطن، مؤكدا أن دعوة الناخبين للتصويت أمر مهم، خصوصا وأن مصر شعرت بأهمية ذلك في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها وكيف يكون لصوت المواطن قيمة، مجددا تمنياته الأخوية للشعب الجزائري في هذه المرحلة الحساسة بالتوفيق والنجاح، على اعتبار أن ما يسر الجزائر يسر مصر وما يسوء للجزائر يسوء لمصر  -كما قال-.

 

علاقة مصر بالجزائر يجب أن تتخطى سقف الفائدة الاقتصادية

تحدّث عمر علي أبو عيش السفير المصري بالجزائر عن الشراكة الاقتصادية في العلاقات الجزائرية المصرية، وكشف أن الشركات المصرية المستثمرة في الجزائر أغلبها كان موجودا قبل وخلال العشرية السوداء، ما يجعلها – بحسبه – ميزة كبيرة تعكس إلى أي مدى هناك تفاعل إيجابي بين الشعبين الجزائري والمصري في وقت لم يكن هناك مستثمرون في تلك الحقبة نظرا للظروف الأمنية الصعبة.

وذكر السفير أن شركة كبيرة مثل شركة “المقاولون العرب” تواجدت وبدأت تعمل ولم يهمها ما يقال عن الوضع الأمني بالجزائر خلال العشرية السوداء، شأنها شأن شركة بتروجيت وشركة أوراسكوم التي بالرغم من بعض الأحداث العابرة، إلا أنها بقيت تمارس نشاطاتها الاستثمارية، بالإضافة إلى شركة أبناء حسن علام وكذا شركة السويدي للكابلات التي تصدّر جزءا من إنتاجها كمنتوج جزائري إلى أسواق في إيطاليا وإسبانيا، حيث تنتج ما يعادل حوالي 50 بالمائة من الإنتاج المحلي من الكابلات.

وأوضح المتحدث بأن هناك ميزة جلية وواضحة في حجم اليد العاملة الجزائرية التي تزيد على 70 في المائة مع الشركات المصرية بخلاف شركات أخرى التي ربما قد تأتي بعمالة كاملة معها، وأعطى المتحدث مثالا حيا بشركة أوراسكوم للإسمنت أين يتواجد حوالي 1700 عامل يشتغلون فيها، أقل من 500 عامل مصري و1200 عامل جزائري يعيشون مع بعضهم البعض فى ذات الموقع ويعملون ويسكنون ويأكلون في مكان واحد بكل انسجام وأخوة.

وأضاف السفير بأن المشروع المذكور سيصل بنسبة الاكتفاء الذاتي من إنتاج الإسمنت في الجزائر إلى 60 في المائة، وهي كلها قيمة مضافة على أساس أن التعامل ما بين الشركات المصرية والجزائرية هو تعامل أخوي في المقام الأول بمعنى وحدة الثقافة، اللغة والدين.

وأشار المتحدث إلى أنه في فترة ليست ببعيدة، استطاعت شركة “المقاولون العرب” أن تكمل مجموعة من المشاريع السكنية بالرغم من أنها عادة ما تكون غير مربحة مقارنة بمشاريع أخرى، لكن الفكرة ليست مسألة ربح بقدر ما هناك بعد سياسي، ولهذا فعلاقة مصر بالجزائر يجب أن تتخطى سقف الفائدة الاقتصادية والمالية.

كما أشار المتحدث إلى أن “الاستثمارات المصرية هي في حدود أربعة ونصف مليار دولار في الوقت الحالي”، متمنيا أن تزيد أكثر فأكثر، خصوصا وأن هناك مجموعة من الأفكار المطروحة قريبا سيتم الإعلان عنها وهي أفكار إيجابية، خصوصا وأن عددا من المستثمرين المصريين يسعون الآن لدخول السوق الجزائرية، حيث تعمل السفارة على ترتيب لقاءات لهم مع عدد من المسؤولين الجزائريين لتقديم أفكارهم ومشاريعهم.

 

دور مصر لم يتراجع ومن يدّعي العكس إنما يملك نظرة قاصرة للأشياء

من جهته، دافع عمر أبو عيش السفير المصري بالجزائر عن جمهورية مصر العربية الشقيقة وما تتعرض له من تحريف وتزييف للحقائق من طرف بعض المحللين الذين يعتبرون أن دورها قد تقهقر وتراجع في عدة مجالات لاسيما في المجال الاقتصادي والاجتماعي والحريات، حيث أكد أن الذين يرون أن دور مصر قد تراجع خلال السنوات الأخيرة إنما يملكون نظرة قاصرة للأشياء، لأنهم لم يأخذوا الأمور في مجملها العام على أساس أنه حينما تدرس ظروف بلد معين وتحكم على تطوره، لا بد أن تأخذ مختلف الظروف التي يعيشها هذا البلد، وما تتعرض له من حملة شرسة من جانب عدة دول، للأسف أحدها عربية من أجل تحجيم دورها السياسي الإقليمي. وما يحدث الآن يمثل استعادة حقيقية لهذا الدور الذي بدأ باختيارها عضوا غير دائم في مجلس الأمن بأغلبية كبرى، ورئاستها لبعض اللجان الهامة به وعلى رأسها لجنة مكافحة الإرهاب. كما أن الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس السيسي للولايات المتحدة ولقائه بالرئيس ترامب خير شاهد على ذلك، فضلا عن استعادة دورها الفعال في بعض الملفات السياسية والاقتصادية الهامة على الصعيدين الإقليمي والدولي تعد بدورها دليلا على هذا التطور. هذا بطبيعة الحال مع اتخاذ إجراءات وقرارات قوية لإصلاح وتحديث الاقتصاد الوطني.

 

الإخوان المسلمون يعتبرون من لا ينتمي لجماعتهم ليس بمسلم

وأوضح السفير أن مصر من 2011 إلى غاية 2013 و2014 حصل فيها تغيرات كبيرة جدا، حيث أفاق الشعب المصري على اختيار سلبي لفصيل سياسي أساء لها وللدول العربية والإسلامية وللإسلام نفسه، خصوصا عندما يأتي هذا الفصيل (جماعة الإخوان المسلمين) الذي أكدت الأحداث الجارية وما ارتكبه من أفعال مجرمة وصفه بالإرهابي. فإدعائه الصفة الدينية أمر غير حقيقي، يضيف السفير، فهو بعيد كل البعد عن مبدأ الدين المعاملة. فالرسول عليه الصلاة والسلام وصف الدين الاسلامي بأنه دين معاملة وذلك جنبا إلى جنب مع ركن العبادات، مؤكدا على ذلك بقوله “إنما أتيت لأتمم مكارم الأخلاق” التي هي من الصفات النبوية والتي يجب أن نهتدي بها. أما هذا الفصيل… فماذا فعل ..؟ -يتساءل السفير – ويؤكد في الوقت نفسه.. تخريب وقتل لمجرد أنهم أرادوا الاستئثار بالحكم واعتبروا أن المسلم هو فقط من ينتمي لجماعتهم ومن لا ينتمي للإخوان المسلمين ليس بمسلم.

واسترسل المتحدث وهو يتساءل مرة أخرى هل اليوم دولة كمصر منذ عهد الفراعنة لديها شعب بطبعه متدين على اختلاف دياناته وعلى اختلاف معتقداته. فعلى مدار التاريخ شكّل الدين عاملا مهما في وجدان الشعب المصري، وبالتالي هل يجوز لنا السماح لحفنة من الأشخاص أن يعلّموا المصريين كيف يكون الإسلام أو الدين بصفة عامة..؟.

 

الفكر الإسلامي ليس جامدا بل يحتاج إلى تطوير ومتابعة

ويرى المتحدث ذاته بأن الشريعة الإسلامية نشأت في الجزيرة العربية بحكم الأماكن والمدن المقدسة، مكة والمدينة المنورة، ولما ظهرت المذاهب الأربعة الاسلامية كان فيها اختلافات شكلية بسيطة وليست في المضمون، وكانت رحمة للعالمين لأن الدين انتشر في ربوع العالم بين مجتمعات مختلفة في تطورها الاجتماعي وفي طباعها وحتى في أماكن تواجدها وتأثيرها على الحياة العامة كان واضحا، وبالتالي -يضيف- أصحاب المذاهب اجتهدوا وخلقوا روافد جديدة من روافد الفقه الإسلامي بالاجتهاد والقياس، فتطور الفقه جاء في دول أخرى شهدت حضارات سابقة على مجيء الإسلام، في العراق، الشام ومصر. وتابع مشيرا إلى أن الإمام الشافعي نفسه أول مذهب له كتبه وهو في العراق وقام لاحقا بتعديله حينما استقر به الوضع في مصر، لأنه في هذا التوقيت بالذات ذهب إلى دول فيها حضارات متنوعة لم تكن معروفة في شبه الجزيرة العربية وكان لا بد أن يعمل العقل ويجتهد كي يستنبط أحكاما تليق بطبيعة المكان الذي هو فيه، ولهذا لما سافر بعد ذلك إلى مصر غيّر من مذهبه أي طبق حرفيا ما نشير إليه في عالمنا المعاصر بتجديد الخطاب الديني الذي يأخذنا نحو تطوير الفكر الإسلامي والذي يتسم بالمرونة وعدم الجمود، ومن ثم فهو قابل للتطوير مع الالتزام بقواعده ومبادئه الأصيلة، مشددا في هذا السياق بالذات على أنه لا يوجد صراع بين الإسلام والعلم، فالإسلام يتطور والعلم يتطور، وبالتالي المصريون وغير المصريين لا يحتاجون لفئة تعلمهم الدين. فجميع الشعوب العربية والإسلامية بطبعها شعوبا متدينة ومتطورة لا تحتاج إلى وسيط يعلمها الدين.

 

الجيش المصري جنّب البلاد الوقوع في براثن حرب أهلية…؟!

دعا السفير في معرض حديثه إلى وقفة كبيرة مع ما يحدث للشعب المصري الذي أفاق على كابوس كبير جدا مع الإخوان، مؤكدا بأن لا أحد يجب أن ينكر أعمال التخريب والعنف الذي مارسوه كي يثبتوا أنهم أحق بالسلطة، وبالتالي فقد لفظهم الشعب لفظة كاملة. وربّ ضارة نافعة، فلولا هذا العمل من حكم الإخوان، لما أمكن للكثير فهم نواياهم الحقيقية، وبالتالي تفهم ما حدث.

وأوضح السفير بأنه منذ البداية أي 2013 حتى 2014 تم ترك الباب مفتوحا لجميع القوى السياسية في مصر للنهوض بالوطن، بما فيها فصيل الاخوان المسلمين، إلا أن هذه الجماعة أبت الاستجابة إلى هذه المبادرة، بينما شاركت أحزاب السلفية التي سبق وأن تورط بعضها في أعمال ارهابية باسم الجهاد الإسلامي في مناطق بصعيد مصر خلال حقبة التسعينيات، إلا أنه بعد مرورها بمراجعات فكرية ومعالجات اجتماعية قرر الكثيرون منهم رفض اللجوء إلى العنف وانخرطوا في الحياة السياسية بموجب القانون وأصبح أداؤهم مشروعا، وهو ما نراه اليوم بنشوء أحزاب سياسية لهم ودخولهم في البرلمان دون أن يمنعهم أحد، حتى مع وجود خلاف حول أفكارهم أو مبادئهم. لكن – يشدد السفير – من يرفض القانون ويلجأ للعنف لا مكان له، خصوصا وأن فكرة الاحتواء كانت قائمة، لكن الإخوان المسلمين هم من بادروا باللجوء إلى العنف وحمل السلاح بعد رفض الشعب لهم بشكل كبير جدا، مشددا في السياق نفسه على أن الجيش المصري هو الذي حمى مصر من الوقوع في براثن حرب أهلية.

ويرى المتحدث في معرض حديثه أن سماحة الدين هي عرض للفكرة بمعنى لك الحق أن تأخذ بها أو لا تأخذ بها ولا يفرضها عليك أحد فرضا، لكن التطرف بعينه أمر غير مقبول على أي من الشعوب لأن نتائجه معروفة، والجزائر سبق وأن عايشت تجربة مريرة لمدة 10 سنوات وظلت وحيدة تواجه هذه الآفة في الوقت الذي اقتصر رد فعل دول كثيرة على انتقاد حقوق الإنسان على الرغم من أنهم تركوها جانبا – وباعتراف بعض مسؤوليهم – حينما مروا بذات الظروف، بل وقاموا بتطبيق إجراءات أكثر صرامة مما يطبق في بلدان أخرى ينتقدونها.

 

المؤشرات التي تمر بها مصر إيجابية وهذا ما يفسر محاولات الإرهاب المستميتة لتركيعها

ونبّه السفير في سياق حديثه عن مصر والتحديات التي تواجهها على جميع الأصعدة، كون بعض المحللين والباحثين يتعاملون مع الأمور بشكل نظري وأحيانا سطحي في تحليلاتهم للقضايا والأمور التي تقع دون معايشة الأوضاع والأحداث عن كثب، مشيرا، على سبيل المثال لا الحصر، إلى أن المحللين الجزائريين ممكن جدا أن يفهموا التجربة المصرية لأنهم عايشوا الأوضاع نفسها ولهم القدرة على تفهم ما يجري الآن، خصوصا وأن مصر حاليا -يؤكد السفير- أفضل مما كانت عليه بكثير.

ويؤكد المتحدث بأن الصعوبات الاقتصادية التي أشار إليها هؤلاء المحللون هي نتيجة تراكمات لسنوات طويلة باعتبار أن الاقتصاد المصري مر بمراحل مختلفة من التطوير وإعادة الهيكلة دون أن تكتمل، شأنه شأن المريض الذي لم يأخذ العلاج بالكامل مكتفيا بجزء منه حينما شعر بتحسن، وبالتالي النتائج لم تكن لتأتي بالصورة المطلوبة، واضطرت في فترة معينة أن تأخذ القرار بشكل مؤلم حتى تضمن استقرارا لاحقا وبشكل متكامل، وهي الفترة منذ نهاية العام الماضي. وهنا بالضبط نبه السفير بأن شهورا بسيطة لا تشكل فترة زمنية في تاريخ الشعوب، مؤكدا بكل ما تحمله الكلمة من معنى بأن المؤشرات التي تمر بها اليوم دولة مصر إيجابية وهذا ما يفسر حرص قوى الإرهاب والدول الداعمة له العمل بشتى الطرق على تقويضه من أجل تركيع مصر. فحجم الإنشاءات التي تمت فيها خلال 3 أو4 سنوات لم تتم خلال 30 سنة، وبالتالي الصورة الإعلامية المصطنعة بشأن مصر التي يريدون نقلها من خلال قنواتهم وبعض الصحف الغربية التي قاموا بتملكها لا علاقة لها بالواقع.

 

 

بذرة التطرف الأولى تبدأ مع السماح لشخص غير مؤهل بالتحدث في الدين

يرى سفير مصر بالجزائر أن التطرف هو المظلة الفكرية والمعنوية للإرهاب، لأنه حينما تسمح لشخص غير مؤهل بالتحدث في الدين، فهذه هي بذرة التطرف الأولى، وحينما تسمح لآراء أن تستمر داخل المجتمع تتعارض وطبيعته، هي أيضا بداية التطرف وحينما تسمح برفض الفكر الآخر أو التحاور معه هنا أيضا يبدأ التطرف.

ويعتقد المتحدث بأن التطرف امتد إلى الحيز الذي يدفع الارهابي لتفجير نفسه تحت تأثير معتقد معين ومن الضروري محاربة هذه المعتقدات المتطرفة وهذا ما تم في مصر مع موجة الإرهاب خلال التسعينيات وحصلت هناك مراجعات فكرية أيام كان المتطرفون في السجون. فالمعالجة لم تكن أمنية فقط بل كانت في فترة معينة وبعد ذلك في مراحل كانت معالجة نفسية واجتماعية ودينية وحتى الناس اقتنعوا من تلقاء أنفسهم، ولهذا هؤلاء رفضوا التمسك بالسلاح لتحقيق أهدافهم وهم اليوم أصبحوا مقبولين داخل المجتمع حتى مع اختلاف الآراء والأفكار فلا يوجد -يضيف – أي مشكلة وبالتالي قد نختلف في بعض الأفكار والتصرفات، ولكن هذا لا يعني أن نحتك ببعضنا البعض. وتؤكد الأحداث التي جرت مؤخرا احتياجنا مجددا لذات التوجه لاسيما مع الانتشار الكبير لهذه الظاهرة التي تعدت حدود الشرق الأوسط لتشمل جانبا كبيرا من الدول الغربية.

 

من يملك المال لا يملك الحكمة بالضرورة..!

في سياق آخر مرتبط بالواقع العربي، تحدث سفير مصر بالجزائر بإسهاب عن هذا الواقع الأليم، واعتبر أن هذا الواقع يواجه تحديات جسيمة تتمثل في “جيل رابع” من الحروب لا يقوم على النزاع أو المواجهة المسلحة بقدر ما يقوم على محاولة هدم أركان الدولة من داخلها وكان هذا تحت مسميات مختلفة، حاولت بعض القوى الدولية و الإقليمية فرضها على المنطقة العربية ككل، مرة تحت اسم الفوضى الخلاقة ومرة تحت اسم الحقوق والحريات، ومرة تحت مسمى التطوير والديمقراطية، وكأن الديمقراطية لا يجب أن تقوم إلا على أطلال الفوضى والهدم.

وأوضح المتحدث بأننا رأينا بأنفسنا دولا عربية تتهدم ورأينا دولا عربية تُقًسّم ورأينا دولا عربية تكاد تختفي من على الخريطة ورأينا دولا عربية قائمة على مشاكل اجتماعية كبيرة جدا ونزاعات، بل ورأينا محاولات لزرع بذور الطائفية بين أبناء البلد الواحد، ورأينا دولا أخرى تواجه تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، وبالتالي هذا الوضع – يتابع السفير- يفرض علينا ضرورة توحيد الكلمة والرؤية في ظل وجود مساعي عربية حقيقية لرأب الصدع في أمور كثيرة يقابلها (للأسف الشديد) دويلة تضمر الشر لكل الدول العربية تحاول من خلال توجيهات إعلامية معينة تصدير الفوضى بشكل أو بآخر، وهذا غريب – يعلق السفير – خاصة وأن البعض لا يعي أن من يملك المال لا يملك بالضرورة الحكمة، ولهذا نحن نحتاج أن نتحلى بالحكمة حتى نحافظ على ما تبقى لنا من إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

 

من يدعو إلى إلغاء الجامعة العربية مخطئ

شدد عمر علي أبو عيش سفير مصر بالجزائر على ضرورة تفعيل دور الجامعة العربية باعتبارها آلية عاكسة لإرادة الدول العربية وليست جهة تأخذ قرارات من تلقاء نفسها، مخاطبا تلك الأصوات النشاز التي تدعو إلى إلغاء دورها إلى التريث، سائلا إياهم بالقول: “إذا ألغينا الجامعة العربية بأي اسم نتحدث ويتحدث المواطن العربي في المحافل الدولية، هل نتكلم كأفارقة فقط أم كآسيويين فقط..؟”، مضيفا أن تفعيل الجامعة العربية ليس مرهونا بإرادة ساكنيها أو من يرأسها أو غير ذلك من الأمور. وأوضح السفير أن الجميع عليه أن يعي أننا نموذج معين تحكمنا ثقافة ووحدة ودين وتوجهات واحدة ومهم جدا أن نحافظ على بيتنا العربي بشكل يليق وأن نتحدث دوريا مع الدوائر العالمية بصوت واحد، وعليه حينما نهدم الجامعة العربية (بحسب الداعين لذلك) لن تكون هناك مجموعة عربية.

 

طرف خارجي يغذي الروح العدائية بين الفلسطينيين.. ومصر لن تتخلى عن القضية

الحديث مع السفير المصري حول الوضع العربي الراهن قادنا للحديث عن القضية الفلسطينية الشغل الشاغل للأمة العربية، حيث قطع السفير الشك باليقين مشددا على أن هذه القضية بالذات هي قضية مصر الأولى التي خاضت بشأنها 4 حروب منذ 1948 في 56 و67 و73، حيث راح فيها زهرة شباب مصر للدفاع عن القضية الفلسطينية والأرض المصرية.

ولفت السفير الانتباه إلى أن الوضع العربي المتأزم بالإضافة الى التدخلات الاقليمية السلبية كانت عائقا أساسيا أمام المصالحة الفلسطينية، وإلى أن هناك طرفا خارجيا يدعم فصيلا فلسطينيا ضد فصيل فلسطيني آخر، ويغذي الروح العدائية بين الطرفين وبالتالي عدم تدخله سيولد طاقة إيجابية كفيلة بتفعيل المصالحة وهنا عاود ليشدد “نحن لم نتخل أبدا عن فلسطين حتى الجزائر لديها ما شاء الله جهود كبيرة وتعتبرها قضية أولى ومحورية، ولهذا لا نقول اليوم إن هناك غيابا عن هذه القضية فتعدد المشاكل في العالم العربي هو الذي أدى إلى شيوع هذا الانطباع”.

 

أطراف لا علاقة لها بالوضع الليبي هي من تعرقل كل ما يتم التوصل إليه

الحديث عن القضية الفلسطينية ساقنا بشكل منطقي للحديث عن الوضع الليبي لما يحمله من تحديات لمصر والجزائر، حيث أكد السفير المصري بالجزائر أبو عيش بأن الأزمة الليبية تعتبر أحد المحاور الهامة في العلاقات السياسية بين الجزائر ومصر، خاصة وأن كلا البلدين عضوان في دول الجوار الليبي، وأيضا عضوان في الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية، وبالتالي مشاورتهما مع مختلف الأطراف الدولية بشأن الملف تجعلهما دائما في تنسيق مستمر بدليل الاتصالات بين وزيري خارجية البلدين متميزة وقوية لدرجة أنهما أحيانا لا يحتاجان لسفراء (يضحك السفير… ).

ويؤكد السفير بأن مصر قد بذلت على مدار الأشهر الماضية جهودا كبيرة للتوصل إلى توافق بين الأِشقاء الليبيين على أجندة وآلية للخروج من حالة الانسداد السياسي التي تواجهها ليبيا. وقد لمسنا خلال الأشهر الماضية بوادر توافق متنام يقوم على التزام جميع الفرقاء الليبيين، الذين تتواصل معهم مصر طوال الوقت، بمرجعية الاتفاق السياسي الذي تم برعاية أممية، مع الاتفاق على عدد محدود من القضايا التي تحتاج للمزيد من النقاش، وبلورة آلية قوامها الحوار بين وفدين يمثلان كلا من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لإجراء هذا النقاش العام.

أضاف السفير أن هذه الآلية من شأنها توفير مناخ (ليبي ليبي) لحل الأزمة، ولهذا لا يوجد هناك حل عسكري بدليل أن التدخل العسكري الذي أدى لتفتيت هذا البلد في مرحلة سابقة، وهذا التدخل لم يأت إلا بالإرهاب وتسلل الدواعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، التي ليس لها وزن حقيقي على الأرض، مضيفا بأنه لو تمت انتخابات في ليبيا ستظهر حقيقة قوة كل طرف، وعليه فالجزائر ومصر على علم كاف بالتحديات الموجودة في ليبيا ومن هي الأطراف المعرقلة ونواياها الحقيقية على الصعيدين الإقليمي والدولي والتي ساهمت في استمرار الأزمة حتى وقتنا هذا. ولهذا فمن المهم أن نقتصر في توجهاتنا على الأطراف الحقيقية التي تريد ليبيا موحدة ومستقرة وعلى رأسها دول الجوار.

كذلك وإيمانا منا بأهمية تنسيق جهود الدول العربية لدعم الأشقاء الليبيين، فقد عكس بيان تونس الذي وقع عليه وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر هذا التوجه للتوصل لحل توافقي ينهي الأزمة الحالية، ويفتح الباب أمام مرحلة من الاستقرار وإعادة البناء في ليبيا حفاظا على مؤسسات الدولة الشرعية واضطلاعها بمسؤولياتها الوطنية خدمة لتطلعات الشعب الليبي والحفاظ على استقرار ووحدة وسيادة ليبيا.

 

لا يجب أن تكون المعارضة السورية في جنيف ذات توجهات دينية

وفي سياق ذي صلة بالوضع العربي المتأزم، اعتبر سفير مصر بالجزائر بأن الأزمة السورية تدار من خلال فاعلين دوليين خارج المنطقة العربية وكأن من يحدد مصير الشعب السوري هو هذه الأطراف، ولهذا يقول السفير “نحن الذين أوصلنا الوضع إلى ما هو عليه اليوم حينما سمحنا لتنظيمات إرهابية متطرفة بالتغلغل ومحاولة تفكيك الدولة، كان هناك حراك اجتماعي أدى إلى بعض التنظيمات المتطرفة بالسعي للسيطرة على مقاليد السلطة في ظل اجتياح ثورات الربيع العربي، وهذا الذي حصل في سوريا ودول أخرى. الفرق أن مصر تنبهت جيدا وبسرعة ولم تسمح لهذه التنظيمات بالتغلغل”.

وأوضح المتحدث بأن التطورات الجارية في سورية تنذر بمخاطر عديدة لاسيما بعد أزمة خان شيخون، التي ينبغي العمل بشكل عاجل وجاد على إنهاء الصراع العسكرى وتجنيب سورية والشرق الأوسط مخاطر تصعيدها. وترى مصر أن التزام كافة الأطراف السورية بالوقف الفوري لإطلاق النار والعودة لمائدة المفاوضات برعاية أممية هو السبيل الوحيد لحل الأزمة التي تفاقمت طوال السنوات الستة الأخيرة وما ترتب عليها من إزهاق أرواح عديدة وتشريد سكانها بخلاف الدمار الذي حل بكافة مناطق الدولة.

 

المليشيات المدعومة خارجيا أكثر ما يؤجج الصراع في اليمن

نبه سفير مصر بالجزائر عمر أبو عيش بأن الميلشيات المدعومة خارجيا من أطراف إقليمية ضد المكون الرئيسي للدولة تعد سببا رئيسيا لتأجيج الصراع وتزايد فرص تقسيم اليمن.

ومن هذا المنطلق تحرص مصر على تأكيد دعمها الكامل للحفاظ على وحدة واستقرار وسلامة اليمن ودعم الشرعية، وتشدد على أهمية العودة لاستئناف المفاوضات في أقرب وقت ممكن تحت رعاية المبعوث الأممي، إعلاءً للمصلحة الوطنية، ولوقف نزيف الدم واستعادة وحدة واستقرار الدولة اليمنية وتأمين أمن وسلامة الشعب اليمني.

 

تم الإمساك بقناة عربية مشبوهة في مصر تفبرك الصور لتأجيج الرأي العام العربي

أكد عمر علي أبو عيش السفير المصري بالجزائر بأن “الإعلام العربي يلعب أحيانا دورا سلبيا في معالجة بعض القضايا العربية، معتبرا أن الكلمة أمانة وبالتالي حينما أرى واقعا معينا عليّ أن أنقل الصورة بشكل حقيقي، لكن بعض القنوات وهناك قناة عربية مشبوهة (تذمر كل الشر لكافة الدول العربية ) تجدها تزيف الصورة وتظهرها بطريقة ما أو بشكل لا علاقة له بالواقع”، وتابع المتحدث بأن جهات الأمن المصرية سبق لها ضبط ممثلي هذه القناة أثناء إعداد صور مفبركة لإظهارها أمام الرأي العام بطريقة مغايرة، واسترسل قائلا: “دور الإعلام دور مهم جدا قد يساء استخدامه أحيانا وهذا ما يؤدي إلى كثير من المشاكل، ولهذا فالكلمة لا بد أن تنقل بكل أمانة بعيدا عن الأهواء الشخصية” يختم سفير مصر بالجزائر.

حاوره: خير الدين أبو يحيى

تصوير: عيسى صادمي