السعادة في زمن الفتن

  السعادة في زمن الفتن

 

إن راحة الضمير واطمئنانه، وهدوء البال وصفاء النفس وسرور القلب وزوال همومه وغمومه، هو المطلب الأعلى والهدف الأسمى، الذي يسعى إليه كل واحد في هذه الحياة، فالناس كلهم ينشدون السعادة، ويرغبون الخير والفلاح، ويرجون التوفيق في جميع أمورهم والنجاح، لذلك ابتغوا في الحصول على هذه الغاية أسباباً متعددة ووسائل مختلفة “ولكن !!” ولكن زلت في هذا المطلب أقدام وظلت من أجله إفهام وكثرت بسببه الخواطر والأوهام، حتى ظن الكثير من الناس لغفلة قلوبهم وضعف عقولهم وسطحية تفكيرهم، أن قمة السعادة والفلاح في الحصول على حضوض الدنيا العاجلة وشهواتها الفانية والأموال الوافرة والمساكن الفارهة والمراتب الوفيرة والترفّع والشهرة والتمتع بالملذات والتفنن في الشهوات في زمن كثرت في الفتن والمغريات.

ومن الناس من يتوهم بأن السعادة والفلاح تكمن في السبق في مجالات التقدم المادي والتحضر العصري وصرفوا لها جل اهتمامهم وفاضل أوقاتهم، وزعموا أن هذه الأشياء هي الضالة المنشودة وهي السبيل على القوة والعزة والطمأنينة والأمان، ولم يدركوا أنها كانت سبباً في هلاك أمم سابقة وقرون ماضية بل وشقاء أمم حاضرة.. وصدق الله عز وجل إذ يقول في محكم التنزيل ” فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى”.

وهكذا إذا لم يكن الإيمان هو الأساس والعقيدة الصحيحة هي القاعدة الصلبة، عند ذلك تفتقد البشرية مقومات الحياة الطيبة، وعندما يتحقق الإيمان والعمل الصالح تسعد البشرية قال تعالى ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” النحل: 97. فلا سعادة لهذه البشرية في زمن الفتن إلا تحت راية الإيمان ولا عزة ولا رفعة إلا في ضلال القرآن، لذلك هذه السعادة المنشودة لها وسائل وأسباب ومنها العمل الصالح ” فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ” ومنها التوبة الصادقة والإنابة الخاشعة ” وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” ومنها تقوى الله تعالى بفعل الطاعات وترك المحرمات والبعد عن الشهوات ” واتقوا الله لعلكم تفلحون “.