تقنية طبية ما تزال في أطوارها الأولى

الساعة الذكية… هل يمكنها تشخيص النوبة القلبية؟

الساعة الذكية… هل يمكنها تشخيص النوبة القلبية؟

لم تبلغ هذه التقنية ذروة أدائها بعد. ومع هذا، فإن رصد مجموعة من المشكلات المتنوعة في القلب باستخدام ساعة ذكية يمكن أن يصبح واقعاً في غضون عقد من الآن.

إمكانات واعدة

من أجل تشخيص نوبة قلبية، يبحث الأطباء عن نسق مميز من خلال متابعة النشاط الكهربائي للقلب، وذلك بالاعتماد على اختبار يعرف باسم المخطط الكهربائي للقلب، ويشار إليه اختصاراً باسم “إي. سي. جي” ECG. واليوم، توحي دراسة صغيرة أن قراءات اختبار “إي. سي. جي” التي يجري الحصول عليها من ساعة ذكية يمكن أن تتسم بالمستوى ذاته من الدقة لقراءات اختبار “إي. سي. جي” التقليدية المنفذة ضمن إطار طبي.

وفي الوقت الذي تكشف النتائج الجديدة عن إمكانات واعدة للساعات الذكية، فإن مسألة تحقق هذه الإمكانات على أرض الواقع ما تزال على بعد سنوات من الآن. في هذا الصدد، قال د. بيتر ليبي، طبيب القلب في مستشفى “بريغهام آند ويمين” التابع لجامعة هارفارد: “تعتبر هذه الدراسة إثباتاً لمسألة مبدئية أكثر من كونها مفيدة سريرياً”.

تحديات تسجيل القراءات

من بين الأسباب الرئيسية وراء ذلك أن الحصول على قراءة لمخطط “إي. سي. جي” باستخدام ساعة ذكية يتطلب الإمساك بالجزء الخلفي من الساعة بحرص ووضعه على الرسغ وعلى ثمانية مواقع محددة من الصدر والبطن.

في إطار تلك الدراسة، وضع أطباء، وليس المشاركون في الدراسة، الساعة في هذه الأماكن. ولدى عدد قليل من المشاركين، تسببت مشكلات صحية أخرى (منها مرض باركنسون والتعرض لسكتة دماغية في وقت سابق) في استحالة الحصول على إشارات واضحة، حسب ما أوضح د. ليبي.

وفي حال عدم استخدامها بدقة يمكن للساعة الذكية، كما هو الحال مع أجهزة تخطيط “إي. سي. جي” الشهيرة الأخرى التي تربط بالهواتف الذكية، أن تعاني من وجود مرجع أساسي متقلب. بجانب ذلك، فإنه حتى إذا تمكن شخص ما من الحصول على جميع قراءات “إي. سي. جي” من المواقع التسعة بنجاح، فإنه سيبقى بحاجة إلى طبيب لتفسير معنى القراءات.

وعليه، تظل النصيحة الموجهة إلى الجمهور العام دونما تغيير: “إذا شعرت بألم أو عدم ارتياح بمنطقة الصدر، لا تعبث بهاتفك الذكي، وإنما سارع للاتصال بخدمة الطوارئ”، حسب ما أكد د. ليبي.

دراسة إيطالية

لأغراض الدراسة، رصد الباحثون قراءات “إي. سي. جي” من ساعة معيارية وأخرى ذكية تخص 81 شخصاً سعوا للحصول على رعاية داخل إحدى العيادات الإيطالية لإصابتهم بنوبة قلبية محتملة، وذلك خلال الفترة من أفريل 2019 حتى جانفي 2020. وكان ثلثا عينة الدراسة من الرجال، وبلغ متوسط أعمارهم 61 عاماً. ولأغراض المقارنة، جرى تسجيل قراءات “إي. سي. جي” من النوعين، لـ19 شخصاً من الأصحاء.

وتميزت قراءات “إي. سي. جي” التي جرى الحصول عليها من ساعات ذكية بنسبة دقة تراوحت بين 93 و95 في المائة في الرصد الصحيح لأنماط مختلفة من النوبات القلبية، وكذلك التمييز بينها. ولدى الأصحاء، حققت الساعة نسبة دقة بلغت 90 في المائة في رصد عدم وجود نوبة قلبية. وجرى نشر نتائج الدراسة عبر الإنترنت في 31 أوت 2020 في دورية “جاما كارديولوجي” الصادرة عن الجمعية الطبية الأمريكية.

في الدراسة، اعتمد الباحثون على ساعة “آبل ووتش” السلسلة 4 لتسجيل قراءات “إي. سي. جي”، التي يجري رفعها لاحقاً على جهاز “أيفون 11 برو”، وهما النسختان الأحدث من كلا المنتجين وقت إجراء الدراسة. إلا أنه مثلما أوضح د. ليبي، فإن أول الابتكارات التكنولوجية التي مكنت باحثين من تسجيل أول تيارات كهربائية ضعيفة للقلب يعود تاريخها إلى مطلع القرن العشرين.

توجهات مستقبلية

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بالفعل على أداة “إي. سي. جي” بحيث تدمج في ساعة “آبل ووتش” لرصد الرجفان الأذيني، وهو حالة لضربات قلب سريعة غير منتظمة تزيد من خطر الإصابة بسكتة دماغية. إذا كانت الساعة الخاصة بك ترصد مثل هذه الضربات غير المنتظمة بالقلب، فإن طبيبك بإمكانه استخدام صيغة بسيطة كي يأخذ في الاعتبار السن والنوع ومشكلات صحية أخرى لتقييم مدى مخاطر تعرضك لسكتة دماغية، حسب ما شرح د. ليبي. وإذا كانت مخاطر تعرضك لسكتة دماغية كبيرة بما يكفي، بينما لا تواجه مخاطر كبيرة للإصابة بنزيف، فإن طبيبك قد يصف لك عقاقير مضادة للتجلط بهدف الحد من مخاطر التعرض لسكتة دماغية.

ومع ذلك، حتى الآن من غير الواضح ما إذا كان رصد الرجفان الأذيني باستخدام تطبيق في ساعة ذكية يمكن أن يترجم لنتائج أفضل (بمعنى حدوث عدد أقل من السكتات الدماغية). أيضاً، يساور أطباء القلق بخصوص التعرض لطوفان من قراءات “إي. سي. جي” المسجلة عبر “آبل ووتش” القادمة من المرضى يساورهم القلق إزاء إمكانية وجود مؤشرات على الرجفان الأذيني، حسب ما قال د. ليبي.

أما فيما يخص رصد النوبات القلبية، فقد رسم مقال رافق نشر الدراسة الجديدة صورة لـ “طبيب قلب يعكف على تفسير قراءات رصدتها ساعة ذكية”، ومنهمك في تقييم مدى خطورة الشعور بألم في الصدر وذلك في مكان عام، مثل أحد المطاعم أو على متن طائرة. وأضاف المقال أن توافر أجهزة قراءة “إي. سي. جي” في المنزل للمرضى بدأت تلوح بالفعل في الأفق.

من جهته، أعرب د. ليبي عن اتفاقه مع هذا الرأي بقوله: “هذه تقنية تتميز بمستقبل عظيم، ذلك أنه من شأن الجمع بين أجهزة يمكن ارتداؤها والذكاء الصناعي إحداث تحول في قدرتنا على مراقبة والتنبؤ بأمراض القلب”.

في هذا الإطار، سيعتمد الذكاء الصناعي على التعلم الآلي في تحليل كميات هائلة من البيانات من قراءات “إي. سي. جي” المنتظمة. وربما تصبح الرموز الكمبيوترية الناتجة عن ذلك يوماً ما قادرة على التوقع بحدوث الرجفان الأذيني والنوبة القلبية والسكتة القلبية، ربما لسنوات مسبقاً. أما المسائل المتعلقة بالسيطرة على الجودة ومسائل أخرى تنظيمية فستحدد الجدول الزمني. ومع ذلك، يتوقع د. ليبي أن هذه الساعات الذكية المتطورة ستطرح في الأسواق في غضون أقل عن 10 سنوات.