إنَّ زِيارةَ الأخِ لأخيه مُسْتَحَبَّة، وتتأكَّدُ إنْ كانتْ في فَرَحٍ أو عِيادَة في مَرَضٍ، أو عَزاءٍ أو موت؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ؛ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً” رواه الترمذي. وقال أيضًا: “إِنَّ المُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ” قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: جَنَاهَا” رواه مسلم. والزِّيارات أنواع؛ فمنها الواجِبُ، ومنها المُسْتَحَبُّ، ومنها المُباح: وهي حُقوقٌ يُجْمِعُ الخَلْقُ على الإقرار بها. وبسبب ضَغْطِ الواقع، والانْفِتاحِ اللاَّمِع، والضَّخِّ الإعلامي الهادِر ضُخِّمَتْ أمورٌ لا قِيمَةَ لها في الحياة، فالْتَبَسَتْ على كثير من الناس الأَوْلَوِيَّات، وأُهْمِلَتْ بعضُ الحقوق الواجبة والمُستحَبَّة، ولعلَّ من نافِلَةِ القَول: أنَّ زيارة الوالِدَين من بِرِّهِما، زيارة دائمة تشمل أداءَ حُقوقِهِما، بِتَفَقُّدِ أحوالِهِما، ومُساعدَتِهِما، والتَّلَطُّفِ معهما، ومهما بَلَغَت المشاغِلُ فلا عُذْرَ للأبناء في تَجاهُلِ الوالدين، وقد جعل اللهُ حَقَّهما عظيمًا ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ” الإسراء: 23. والزيارة للأرحام فيها صِلَةٌ للرحم؛ وتَفَقُّدٌ لأحوالهم، ومُساندتهم ماديًّا ومعنويًّا، وقد جعل اللهُ صِلَةَ الرَّحِمِ من صِلَتِه، وفي الحديث: “إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ؛ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، يَا رَبِّ. قَالَ: فَهْوَ لَكِ” رواه البخاري.
وعِيادَةُ المَرْضَى من حَقِّ المُسلمِ على أخيه المُسلم، ولها آثارٌ طَيِّبَةٌ على المريض؛ فهي تَشْرَحُ صدرَه، وتُنْسِيه مَرَضَه، وتُخفِّف آلامَه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ” رواه مسلم. ومن الزِّيارة: زِيارَةُ أهلِ المَيِّتِ لِتَعْزِيَتِهِم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ؛ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” رواه ابن ماجه. ومن الزِّيارات المُثْمِرَة: زِيارةُ العلماء، وأهْلِ الصَّلاح والتُّقَى، يَقْتَبِسُ فيها من عِبادتهم وزُهْدِهم ووَقارِهم؛ قال ابن المبارك رحمه الله: “كنتُ إذا نظرتُ إِلى الفُضَيل؛ جَدَّدَ لي الحُزْنَ، ومَقَتُّ نَفسِي” ثم بكى. ولك أن تتجول مع العلماء المتقدمين بزيارتهم في بطون الكتب التي حكت سيرتهم العطرة. ولا بأسَ أحيانًا من الإكثار من الزِّيارة -إنْ لم يَثْقُلْ ذلك على المَزُور، ولم يوجد مَانِعٌ شرعي-؛ لقول عائشة رضي الله عنها: “لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا” رواه البخاري. ولا بد من تَحَيُّنِ الوقتِ المُناسِبِ للزيارة؛ فلا تكون في الصَّباح الباكِر، أو في وقْتِ الرَّاحة ظُهرًا، أو بعد ساعاتٍ طويلةٍ من اللَّيل. والناسُ يختلفون في تَعْيين الأوقاتِ التي تُسْتَحَبُّ فيها الزِّيارة؛ باختلاف البيئات والظُّروف. ويدل عليه: زيارةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي بَكْرٍ ظُهرًا – على غَيرِ المُعْتاد– ، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: “فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ لَمْ يَرُعْنَا إِلاَّ وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا؛ فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لأَمْرٍ حَدَثَ!” رواه البخاري. فقدومُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في وقتٍ ليس بِوَقْتِ زيارةٍ – وهو وقْتُ القيلولة – وتعجُّبُ أبو بكرٍ رضي الله عنه من قُدومِه في هذه السَّاعة، دلالةٌ على أنَّ هذا الوقت ليس بِوَقْتِ زيارةٍ عندهم.
من موقع إسلام واب