الزلازل تخويف وعظة من الله لعباده

الزلازل تخويف وعظة من الله لعباده

 

إن الله عز وجل قد حثَّ عباده على التفكر في آياته، ومخلوقاته، الدالة على عظمته وقدرته، قال العلامة السعدي رحمه الله: يخبر تعالى: ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ” آل عمران: 190، وفي ضمن ذلك حثَّ العباد على التفكُّر فيها، والتبصُّر بآياتها، وتدبُّر خلقها. ومن آيات الله التي أكثر من ذكرها في كتابه، ودعا عباده إلى النظر إليها والتفكُّر في خلقها: الأرض، قال الله عز وجل “أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ” الغاشية: 17-20.  ومن رحمة الله عز وجل بعباده أن جعل الأرض واقفة ساكنة، ليتمكَّن الناس من السعي عليها في مآربهم، ولو كانت متحركة لم يستطع الناس من قضاء مصالحهم وحوائجهم، فالحمد والشكر له الذي ألقى فيها الجبال الرواسي حتى لا تميد بالناس؛ قال سبحانه وتعالى: ” وأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ” النحل: 15. وإذا شاء الله جلَّت قدرته، جعل الأرض تضطرب وتزلزل، والزلازل تكثُر مع قرب قيام الساعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل” متفق عليه.

وزلزلة الأرض عبرة وموعظة، وآية من الله لعباده منذرة، فقد زُلزلت المدينة النبوية، في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخطبهم، ووعظهم، وقال ” لئن عادت لا أساكنكم فيها”. وقال كعب الأخبار رضي الله عنه: إنما تزلزل الأرض إذا عمل فيها المعاصي، فترعد فرقًا من الرب جل جلاله أن يطلع عليها. وقال بعض السلف وقد زُلزلت الأرض “إن ربَّكم يستعتبكم”. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومعنى استعتاب الله عبده أن يطلب منه أن يُعتبه، أي يزيل عتبه عليه بالتوبة والاستغفار والإنابة، فإذا أناب إليه رفع عنه عتبه. وزلزلة الأرض تخويف من الله عز وجل لعباده، ولها أسباب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الزلازل من الآيات التي يخوِّف الله بها عباده، كما يخوِّفهم بالكسوف وغيره من الآيات، والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده، هي من حكمة ذلك، وأما أسبابه، فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض، كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق، فإذا انضغط طلب مخرجًا، فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: ولما كانت الرياح تجول فيها، وتدخل في تجاويفها، وتُحدثُ فيها الأبخرة، فتختنق الرياح، ويتعذَّرُ عليها المنفذ، أَذِنَ الله سبحانه لها في الأحيان بالتنفس، فتُحدثُ فيها الزلال العِظام، فيحدثُ من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم. فحدوث الزلازل وإن كان له أسبابًا معلومة، فإن الله عز وجل يُحدثهُ لحكمة، وهي تخويف العباد، فينبغي لهم التوبة إلى الله، والإنابة إليه، وأن يتأثروا، ويخافوا؛ والواجب على المسلمين عند حدوث الزلزال التوبة إلى الله سبحانه؛ قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله: “لا شك أن ما حصل من الزلازل في جهات كثيرة من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد، ويسبب لهم أنواعًا من الأذى، كله بأسباب الشرك والمعاصي؛ كما قال الله عز وجل ” ومَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ” الشورى: 3، فالواجب على جميع المسلمين التوبة إلى الله سبحانه، والاستقامة على دينه، والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة.