لا يختلف اثنان حول الدور المتميز الذي لعبته الرياضة في إسماع صوت الجزائر الثائرة عبر بقاع العالم، في الوقت الذي كان الاعلام الاستعماري يستعمل أبواقه المختلفة في تشويه صورة وسمعة المجاهدين، حيث أعطى فريق جبهة التحرير الوطني دروسا في الكرة وفي الدبلوماسية، بشكل مكنه من توسيع دائرة القضية الجزائرية إقليميا ودوليا، والكلام يقال عن رياضيين آخرين ساروا بنفس المسعى، على غرار بوقرة الوافي الذي يعد أول جزائري حائز على ميدالية ذهبية أولمبية، كان ذلك في دورة ستوكهولم 1923، وكذلك عبد القادر زعاف في رياضة سباق الدراجات والملاكم شريف حامية وغيرهم.
وإذا كانت تضحيات الجزائريين قد مكنتهم من نيل استقلالهم وتحرير وطنهم من جبروت الاستعمار الفرنسي بعد سنوات من الكفاح بلغة السلاح والميدان، فإن الكثير يجمع على المساهمة الفعالة للرياضيين الجزائريين في هذا المسعى، حتى أن البعض وصف دورهم بأنه كان دعما هاما للعمل السياسي والدبلوماسي، وهذا باعتراف رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة فرحات عباس حين خاطب لاعبي فريق جبهة التحرير الوطني، حيث يؤكد الكاتب فيصل شحات في كتاب “ملحمة الرياضة الجزائرية”، بأن الرياضيين الجزائريين عرفوا كيف يخترقون ظلمات الاستعمار، مؤكدا أن تاريخ التمثيل الجزائري في المنافسات الرياضية يعود إلى أوائل القرن الماضي، رغم أن الرياضة حسبه كانت حكرا على أقلية من النوادي والجمعيات التابعة للأوروبيين، لكن هذا التهميش لم يمنعهم من اقتحام الرياضة الدولية عن طريق الجيش الاستعماري والهجرة.
أسماء من ذهب
تعد ألعاب القوى الرياضة الأولى التي اقتحمها الجزائريون، وفي هذا الجانب، فقد توج محمد المامن أربيدي بطلا لفرنسا في العام 1922 وبطل العالم في 1923، كما احتل المرتبة السادسة في الألعاب الدولية عام 1924، ما فسح المجال لرجل نحيف وصغير القامة من مواليد أولاد جلال لصنع التميز، وهو الوافي بوقرة (خريج نادي ألعاب القوى في الشركة العامة بباريس) الذي توج بلقب بطل العالم في الماراطون، وبعد سنة واحدة فقط من بداياته في هذا الاختصاص، ما جعل مشاركته في الألعاب الأولمبية أمرا بديهيا، وقد هيمن بوقرة الوافي بين 1924 و1928 على المسافات الفرنسية بشكل لافت، بدليل أنه صنع التميز في 11 أوت 1928، حين أحدث مفاجأة مدوية في ملعب أمستردام، بعدما تفوق على المرشح الشيلي مانوال بلازا، ونال الميدالية الذهبية الأولمبية للجزائر المستعمرة.
من جانب آخر، فقد برز عديد الرياضيين الجزائريين في عهد الاستعمار الفرنسي، مثل حمود عامر الذي نال ذهبية سباق 10 آلاف متر بلندن، كما حقق علي براكشي الرقم القياسي في القفز الطويل بـ7.91 مترا الذي دام 26 سنة، أما الفتى بداري فقد كان بطل فرنسا في العدو لعامي 1927 و1929، واحتل المراتب الثانية والثالثة والعاشرة في العدو الريفي نهاية العشرينيات، وكذلك باتريك المبروك الذي يعد رائد المسافات المتوسطة، حيث حل خامسا في أولمبياد هلسنكي 1952 ونال فضية البطولة العالمية عام 1950 وذهبية ألعاب البحر المتوسط بالإسكندرية عام 1951، كما توج بتسعة ألقاب كبطل فرنسا في المسافتين، ويمكن أيضا ذكر بومعزة وعميروش، ووحش المضامير علي ميمون عكاشة الذي كان بطل فرنسا 5 مرات في مسافة 800 متر ونال 5 ألقاب في مسافة 1500 متر، وخمسة أخرى في سباق 5 آلاف متر و10 آلاف متر، وحقق 6 انتصارات في العدو الريفي، أما دوليا فقد فاز مرتين في العدو الدولي 49 و51 وفضيتان في أولمبياد هلسنكي في سباقي 5 آلاف و10 آلاف متر عام 1952، أما في الرياضات الأخرى فيمكن ذكر الملاكم شريف حامية بطل أوروبا لوزن الريشة وعبد القادر زعاف الذي كان أحد أفضل الدراجين الجزائريين رفقة أحمد قبايلي.
العربي بن مهيدي وسويداني بوجمعة وآخرون
يشير بعض العارفين بتاريخ الحركة الرياضية بالجزائرية، إلى أن كرة القدم ساهمت بشكل أو بآخر في محاربة السياسة الاستعمارية الفرنسية المبنية على التسلط وتقزيم مكانة الشعب الجزائري والإساءة إلى سمعته وماضيه وهويته، فقد كان لتأسيس فرق ونوادي جزائرية ذات بعد وطني وإسلامي دور هام في بعث روح التفاؤل وتعزيز سبل النضال والتضحية بالغالي وبالنفيس بغية استرجاع السيادة الوطنية، فظهرت إلى الواجهة عدة فرق مسلمة تواجه الفرق الفرنسية بكثير من الندية، ورغم أن المباريات بينهما لها طابع رياضي إلا أن في ثناياها بعدا سياسيا عميقا، والكلام ينطبق على عدة أندية برزت في هذا الجانب على غرار مولودية الجزائر ومولودية وهران وشباب قسنطينة واتحاد سطيف وشباب باتنة واتحاد بسكرة والقائمة طويلة، حيث ساهمت هذه الأندية في تكوين شبان برزوا في مجال الرياضة وسرعان ما لعبوا دورا بارزا في التحضير لتفجير الثورة التحريرية، فتحولوا إلى قيادات هامة يضرب بها المثل في حسن التدبير والتضحية، بعضهم استشهد خلال الثورة، على غرار العربي بن مهيدي الذي تكوّن في فريق بسكرة لكرة القدم وعلي النمر الذي مرّ على شباب باتنة وديدوش مراد الذي برز في رياضة الجمباز وسويداني بوجمعة من ترجي قالمة، كما برز القيادي والرئيس الراحل أحمد بن بلة الذي كان بطلا في ألعاب القوى تخصص سباق 400 متر، مثلما تألق في كرة القدم مع فريق مغنية ونادي مارسيليا.
منتخب المجد الأبدي
ولا ينكر أحد ماذا فعل الفريق التاريخي لجبهة التحرير الوطني لكرة القدم مباشرة بعد تأسيسه ربيع العام 1958، وتشكل من نجوم كروية تخلت عن مكاسب مغرية وفضلت تلبية نداء الوطن، على غرار مخلوفي وزيتوني وكرمالي ولعريبي وعمارة والقائمة طويلة، ما جعل هذا الفريق يحول الجلد المنفوخ إلى أداة هامة وحاسمة في خدمة الثورة، حدث ذلك بعدما طاف 32 لاعبا جزائريا العالم من 1958 إلى 1962، باسم جبهة التحرير الوطني، للتعريف بقضية الشعب الجزائري المكافح من أجل استقلاله، أما صاحب فكرة تأسيس الفريق فهو محمد بومزراق، فيما يعد المسؤول السياسي محمد علام ومسؤول العتاد سلامي زامري.
وقد أجرت عناصر الفريق جولات حطت فيها الرحال بعدة دول أوروبية وإفريقية وآسيوية شرق أوسطية ما بين سنوات 1958 و1962، وقد حققت فيها 43 انتصارا و9 تعادلات ومنيت بـ5 هزائم فقط، وسجل خلالها فريق الأفلان 244 هدفا وتلقى فيها 67 هدفا فقط (فارق الأهداف +177)، وقد لعب رفقاء الهداف رشيد مخلوفي مباريات كبيرة ضد منتخبات معروفة، مثل التشكيلات الوطنية للاتحاد السوفياتي (4 مقابلات) ويوغسلافيا (5 مقابلات) وتشيكوسلوفاكيا (4 مقابلات) ورومانيا (4 مقابلات) والمجر (4 مقابلات) وبلغاريا (6 مقابلات) والصين (5 مقابلات) والفيتنام (4 مقابلات) والمغرب (7 مقابلات) وتونس (4 مقابلات) وليبيا (مقابلتان) والعراق (6 مقابلات) والأردن (3 مقابلات) وغيرها. وفي هذا الجانب، فقد فاز فريق الأفلان بنتائج عريضة، أبرزها أمام يوغسلافيا (6-1) والمجر (5-2) وتشيكوسلوفاكيا (4-1) والصين (4-0) وتونس (9-0) والأردن (11-0) والعراق (11-0) والفيتنام (11-0)، فيما انهزم في مناسبات قليلة، على غرار ما حدث أمام بلغاريا (4-3) ويوغوسلافيا (2-0) وتشكيلة روستوف من الاتحاد السوفياتي (2-1)، وهي نتائج تعكس قوة فريق الأفلان من جهة ودوره الفعال في رفع الراية الوطنية عاليا وعالميا من بوابة الكرة المستديرة.
ب\ص




