الهامش له تأثيرات عميقة في مسارات الكتاب والروائيين والشعراء، قد تكون سلبية أو إيجابية ومنتجة أو قاحلة، لكن يبقى الهامش محمّلا بالموروثات والأساطير والحكايا، وهي أمور يعرفها الروائي الجزائري كمال بركاني وقد ثبتها وكشف عنها في جل ما أصدره من أعمال روائية.
وفي لقاء مع “العرب” شرح الروائي هذه التيمات والعلامات والفوارق وما قدمته له من معان أخرى يندر وجودها في متون روائية جزائرية معروفة.
وقال الروائي عن نفسه “أنا كاتب مشبع بثقافة الأوراس المتفردة، حيث أجدادي مروا من هنا، تلك الوجوه البربرية المصطفة في يقين وتكبر، تلك الطقوس العتيقة والأهازيج القديمة، تلك الحلي والثياب، تلك الجبال والبيادر، وأنا مدين جدا لكل الذين مروا من هذا المكان أشعر بفخر حين أكتب عن اختلافهم، ولا أجد فرقا بين الهوية والإنسان، الذي لا يملك خصوصيته، كائن آخر، يتعثر في خطوته وسرعان ما يتلاشى”.
وينظر كمال بركاني إلى اللغة على أساس أنها الأصل في كل شيء، فمنها تبدأ كل الأمور وكل الهواجس والرؤى، يقول “إذا كان رولان بارت، يقول: من أين نبدأ؟.. فأنا سأنفذ من اللغة التي أكتب بها، تلك التي تتكاثر وتتناسل، فاسحة المجال لولادات أخرى، تنطلق من المعقول إلى الهوس، ومن الذاكرة إلى الوجع، وتصعد من الأرض إلى السماء، مصدر السكينة والهدوء، ربما في هذا، تختلف نصوصي، قد أزيد أشياء أخرى، ذلك التوظيف المكثف للقرآن الكريم، والتركيز على الأمكنة باعتبارها حاملا ثقافيا وهوياتيا بامتياز “.
ويذكر الكاتب أن نصوصه وليدة الأزمة، أو الراهن المرتهن، وصدمة سقوط الدولة القومية، وانحسار اليسار العربي، أزمة السقوط في اللاصوت واللاعقل واللامشروع، وهي نصوص تطرح أسئلة دون أن تجد الأجوبة لذلك، موغلة في الرمزية، خشية القتل الجسدي أو المعنوي، بعضها جدير بالقراءة وبعضها لم يبلغ النضج بعد.
ويضيف “الشعر ميلادي الأول، حينما أكتب الرواية، أفكر شعريا، لذلك تجيء اللغة مترعة بالحنين، موغلة في الرمز والإيحاء والإحالة، لا أؤمن بقارئ كسول، أكتب لقارئ يفترض أن يبذل جهده للشعور بالمتعة وللوصول إلى المعنى”.
ويتابع الروائي ما يكتب في الجزائر، ويتلمس نقاط القوة والضعف في المشهد الثقافي، وما يمكن له أن يسهم في الثقافة العربية عموما، فمثلا يرى على مستوى الرواية أنها “أثبتت جدارتها وحضورها المميز على مستوى الوطن العربي، فالجزائري يكتب بقوة وجمالية، بعنف أيضا وقسوة، ولعل ما يميزها أكثر عن غيرها، الزخم الفكري والفلسفي “.
ويعدّد بركاني بعض المشكلات التي تحول دون التدفق القوي للرواية الجزائرية، منها ما تعلق بـ “مستوى الماركتينغ، صناعة الكتاب وتسويقه، غياب لجان القراءة على مستوى دور النشر التي تحولت إلى دكاكين للبيع، وأغرقت الساحة الأدبية بمنتجات مضرة بالصحة الإبداعية وسلامة الذوق الرفيع، كما أن غياب ثقافة تسويق الكتاب والمرافقة النقدية والتحفيز المادي، حوّل الكتاب الحقيقيين إلى متسولين، ما جعلهم يتوقفون عن الكتابة، لأنها تأخذ كل شيء ولا تبقيك على قيد الحياة، مقابل ذلك، أفرز هذا الواقع المريض كتبة مثل آلات الطبع والنسخ تماما”.
ب/ص