* التتويج وضع على عاتقي عبء الاستمرارية وثقل المسؤولية
توجت الروائية المبدعة نسرين بن لكحل بالمرتبة الأولى في مسابقة جائزة الدولة “علي معاشي” للمبدعين الشباب لعام 2019 في فئة الرواية بفضل روايتها المعنونة بـ “سيلفي”.
فعن مشاركتها في هذه المسابقة بروايتها “سيلفي” وتتويجها بالمرتبة الأولى وأمور أخرى، تحدثت الروائية المبدعة نسرين بن لكحل لـ “الموعد اليومي” في هذا الحوار.
كلّمينا عن مشاركتك في مسابقة جائزة رئيس الدولة “علي معاشي” للمبدعين الشباب.
أولا، أقدم نفسي لقراء جريدة “الموعد اليومي”، أنا كاتبة من تبسة من مواليد 1986 حاصلة على شهادة ليسانس في علوم الاعلام والاتصال، شاركت في عدة ملتقيات وأمسيات أدبية على المستوى الولائي، ونشرت عدة نصوص ومقالات عبر جرائد ومجلات وطنية وعربية.
ومشاركتي في مسابقة جائزة “علي معاشي” للمبدعين الشباب كانت تجربة ناجحة كللت بتتويجي بالمركز الأول. وفي الحقيقة كنت أتوقع منافسة كبيرة في ظل وجود مواهب إبداعية شبابية وأقلام تسعى لإثبات وجودها من خلال هذه المسابقات الدورية، فالغاية ليست الجائزة المادية بقدر ما هي التحفيز المعنوي، ذلك الدافع الذي يحتاجه كل موهوب ليستمر في إبداعه. فالتتويج يضع على كاهلك عبء الاستمرارية وثقل المسؤولية أمام نفسك وحرفك، فالتتويج رهان نجاحه يتطلب الاستمرارية بجد ومثابرة. ولا أخفي عليك كنت متحمسة جدا للمسابقة.. كانت لدي ثقة فيما كتبته، وفي الرسائل التي حملتها الرواية، لكن توقع التتويج كان حلما إلى أن أصبح حقيقة.
ماذا تقولين عن محتوى رواياتك الفائزة بالجائزة؟

رواية “سيلفي” هو العمل الذي شاركت به وجلب لي هذا التتويج، ولا يمكن حصر عمل روائي في فكرة واحدة، فبالتأكيد سنجده يطرح قضايا ومواضيع مختلفة سواء ما تعلق بالمجتمع أو بالنفس البشرية. في رواية “سيلفي” التي تعتمد على تعدد الأصوات أو بما يعرف بالرواية البوليفونية حاولت طرح قضية وجودية بداية بسؤال: من أنا؟ من الذي كتب كل هذا؟ لا ننهيها بعبارة وجودية: ماذا لو كنت أنا أيضا سطرا من كلام. هذا التساؤل الفلسفي لم يمنع العمل من الطرح الواقعي من خلال شخصيات شبابية: حسن (مصاب بالصرع)، مروان (حراق يائس) ويعقوب (طالب فلسفة). أبطال هذا العمل هم جزء من هذا المجتمع، لكل شخص معاناته وظروفه الخاصة وتصوراته التي تختلف عن غيره. لا يوجد رابط بينهم إلا أنهم يجتمعون في مكان مظلم ومجهول الزمان والمكان، كل ما عليهم فعله هو أن يجدوا طريقة للخروج ربما يلتقطون سيلفي لأجل ذلك.
هناك العديد من الروايات التي حازت على جوائز في عدة تظاهرات أدبية وكان بالإمكان تحويلها إلى أعمال تلفزيونية، لكن هذا لم يحدث، لماذا؟
بالفعل، هذا ما نلاحظه من كثرة الأعمال الروائية المتوجة وقلة تحويلها إلى أعمال تلفزيونية وسينمائية، هناك عدة أسباب يمكن إيجازها على حسب وجهة نظري في عدة نقاط منها صعوبة تحويل عمل روائي إلى فيلم وتقديم سيناريو جيد له. وعدم الترويج الكافي لهذه الأعمال يجعلها بعيدة عن الشاشة واهتمام المنتجين والمخرجين، كما أن تدخل المخرج في تغيير مجريات الأحداث (إضافة، حذف، تعديل) مما يضعه في خلاف مع المؤلف، إضافة إلى عدم ملاءمة العمل الروائي لسوق الانتاج، ففي النهاية العمل التلفزي تجاري، والمنتج يبحث عن ربح قد لا تجلبه كثير من الأعمال مهما ذاع صيتها.
هل ترين أن الرواية لها شعبية وسط الأجناس الأدبية المتعددة؟

طبعا للرواية صيت كبير وحضور قوي أدبيا منذ قرون، وزاد الاحتفاء بها تأكيد على تصدرها للأصناف الأدبية من خلال عدة مسابقات وطنية، عربية وعالمية على جائزة البوكر وكتارا وغيرها مما يؤكد أن الرواية جنس أدبي لا يمكن أن يتلاشى على الرغم من أننا في عصر الرقمنة والفايسبوك والكلمة السندويتش إن صح التعبير.. لأن الرواية تحفز بعمق في النفس البشرية وتخوض في تفاصيل كثيرة عميقة ومعقدة لا يمكن أن نوجزها في كلمات.
ما رأيك في محتوى الروايات التي تكتب خاصة من طرف الجيل الجديد؟
الجيل الجديد يكتب ويقتحم مجال الإبداع بقوة وهذا ما لاحظناه من خلال مؤلفات كثيرة وأسماء تبرز للمرة الأولى خاصة في معرض الكتاب، فالأسماء الكبيرة كانت صغيرة في البداية. فالكتابة حق لا يمكن أن يصادر بغض النظر عن جودة هذه الأعمال أو رداءتها، فالناقد يحدد ذلك من خلال دراسات نقدية والقارئ أيضا، لكن هذا ما لا نجده إلى جانب قلة القراء وقلة الطرح النقدي، مما حول الكتاب إلى سوق تجاري جعل دور النشر تنشر دون خضوع العمل للجنة قراءة وتقييم أو حتى القيام بمراجعة لغوية.
كلمينا عن مشوارك الأدبي وما هي أبرز ما ألّفت في هذا الميدان؟
كما يقال مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. في مجال الكتابة لا وصول للقمة لأن ميدان الكتابة منعرج لا نهاية له، والعمل الإبداعي ليس عملا ديناميكيا روتينيا لأنه مرتبط بالحواس والإدراك والشغف. هذا الأخير الذي يفتر أحيانا مما يجعل بعض الاعمال تستغرق وقتا طويلا لترى النور، فالكتابة مثلا لا يمكن أن تمارس عند البعض كنشاط يومي بل تخضع للمزاج أحيانا ولانعدام الوقت الكافي للتركيز وإعطاء العمل حقه.
بالنسبة لي كان العائق في بعض الحالات هو الملل مع أن بعض أحداث الرواية توحي بالملل حتى أني كتبت الملل سيطول موعدكم معه، لكن تذكروا أن الملل يصنع المعجزات، فالملل كان دافعا لرفع التحدي والمثابرة لإكمال العمل، فلا أحد يفضل البقاء عالقا في الفراغ.
لو طلب منك تحويل روايتك الفائزة بجائزة “علي معاشي” إلى عمل تلفزيوني، كيف سيكون ردك؟
فكرة تحويل روايتي “سيلفي” إلى عمل تلفزي أو سينمائي فكرة واردة جدا في مخيلتي بل أتمنى تحقيقها فعلا لو أتيحت الفرصة، حين كنت بصدد كتابتها كنت أتخيل الشخوص والأحداث أمامي فأراها ماثلة كمشهد سينمائي فألبسها ثوب اللغة! الفكرة بدأت كصورة في الذهن ثم أخذت طابعا مكتوبا.. هكذا أكتب !
من غير هذه المسابقة، هل سبق وأن شاركت في مسابقات أخرى مماثلة؟
شاركت سنة 2018 في مسابقة نظمتها الدار المصرية: ببلومانيا للنشر والتوزيع
وفزت بالمركز الأول للرواية فئة الرعب مناصفة.. سبق وأن أشرت أن الغرض من مشاركتي في المسابقات هو إثبات وجود.. فالمسابقة تضعك في الواجهة الأدبية و الاعلامية من خلال تسليط الضوء على العمل المتوج والتعريف بالكاتب.. ففي النهاية يكتب الكاتب ليُقرأ ويصنع جمهورا ويوصل رسالته.
مَن مِن الروائيين تقرئين له باستمرار؟
القراءة عالم منفتح وشاسع جدا.. أحاول أن أقرأ أكبر عدد ممكن من الأعمال سواء الروائية أو في مختلف الأجناس.. وإن كانت تستهويني أكثر الكتب الفكرية الفلسفية.. فالقراءة بالنسبة لي ليست واجبا بل هي شغف ورغبة في الانزواء بين طيات المحتوى والنهل منه بمتعة.. ففي البيان حكمة للروح ترتجى وفسحة للروح تبتغى!
قرأت لأسماء كثيرة ومع هذا لم أقرأ الكثير ! هنالك دائما رغبة في التعرف على المزيد من الأنماط الفكرية والروائية والتوغل في عمق قصص كثيرة لم تروَ بعد !لكن أدين للفيلسوف الروماني الأصل: إيميل سيوران ” الذي قذفت بي شذراته نحو أفق شاسع من الفكر والتساؤل ! يقول: على الكتاب الحقيقي أن يحرك الجراح، بل عليه أن يتسبب فيها على الكتاب أن يشكل خطرا”.
من غير الرواية، أي الأجناس الأدبية الأخرى التي تستهويك؟
الأصناف التي تستهويني: أحب الشعر الحداثي وأقرأ كثيرا لمحمود درويش.. وأستمتع بصوته..
ماذا تقولين عن الحراك الشعبي؟
الحراك الشعبي هو صوت الرفض والاعتراض وطبعا أنا معه ومع كل صوت مناهض للفساد والاستغلال وتكبيل الحرية، فالرفض هو إثبات لوجود وأحقية الانسان في انتزاع حقوقه؛ فبعضها بل كثير منها ينتزع انتزاعا.. على حد قول مكسيم غوركي: خلقت لأعترض! فأنا ككاتبة مارست هذا الدور الرافض من خلال كتاباتي وبالأخص من خلال الرواية، وطبعا كان للوطن حضور قوي من خلال أحداث العمل ومحاوره، سواء عبر شخصية حسن الشاب الرافض لكل أشكال الانفصال والمؤمن بأن الانتماء للوطن ينتصر على أي هوية.. أو عبر مروان الشاب الحراق الذي يهاجر ليجد نفسه متخبّطا بين تطلّعاته وآماله والحنين إلى وطنه وكل تفاصيله… صور كثيرة طرحتها في العمل تعبّر عن رؤيتي ورؤى مختلفة تخص الوطن والمجتمع والفرد ..
أنا ككل مواطن حرّ يؤمن أن الارادة تنتصر دائما، فالشعوب التي تسعى للنهوض بأوطانها ستنهض ولكن هذا لا يحدث إلا بتكاثف الجهود ومحاسبة الجميع ومحاسبة المرء لنفسه، فالمسؤولية على عاتقنا جميعنا ومحاربة الفساد تبدأ من السلطة ومن الشعب عبر محاربة تلك المظاهر اليومية كالغش والاعتداء والاحتيال.. فالفساد هو الفساد قليله مؤذٍ وكثيره مظلمة..
وما نظرتك لمستقبل الجزائر في ظل هذا الحراك الشعبي؟
كلي أمل أن الشباب الذي أثبت بحضوره القوي في الحراك وعيه وحسّه الوطني أن يستلم المشعل ويقدّم ما لديه في سبيل منفعة هذا الوطن الذي يستحق منا الكثير من العطاء.
حاورتها: حورية/ ق