تأتي مهمة سيفي غريب على رأس الجهاز التنفيذي بالنيابة في ظرف حاسم يتقاطع فيه الاستعجال مع التطلعات الكبرى، حيث يجد نفسه أمام ملفات يومية تمس المواطن مباشرة وأخرى استراتيجية ترسم مستقبل الاقتصاد الوطني.
وبين الدخول المدرسي الذي يشكل أول امتحان عملي، وضغط غلاء المعيشة الذي يثقل كاهل الأسر، وبين رهانات الإنعاش الصناعي وضمان الأمن الغذائي، يبرز حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الوزير الأول بالنيابة، لإيجاد حلول واقعية وعملية، تجعل المواطن يستشعر أثر السياسات الحكومية في حياته اليومية، وتزيد الثقة في قدرة الدولة على مواكبة التحولات الداخلية والخارجية.
الدخول المدرسي والجامعي.. أول امتحان ميداني
يشكّل الدخول المدرسي والجامعي هذا الشهر أحد أبرز الملفات العاجلة التي تنتظر الوزير الأول بالنيابة، سيفي غريب، باعتباره الامتحان الأول الذي يواجهه ميدانيا في بداية مهامه. فالملايين من التلاميذ والطلبة يعودون إلى مقاعد الدراسة وسط تحديات متراكمة، بدءا من ايجاد حلول للاكتظاظ داخل الأقسام وما يرافقها من صعوبات في التمدرس، وصولا إلى توفير الكتاب المدرسي والأدوات المدرسية الى تعميم وسائل النقل المدرسي والجامعي في كامل الولايات مع تحسين خدماتها. إلى جانب هذه التحديات، يبرز الجانب البيداغوجي كأحد الرهانات المهمة، خاصة في ظل الإصلاحات المتواصلة التي يعرفها قطاع التربية والتعليم العالي. فالمطلوب ليس فقط توفير مقعد دراسي لكل تلميذ، بل ضمان جودة التعليم وربط البرامج الدراسية بمستجدات العصر ومتطلبات سوق العمل. ومن هنا فإن مسؤولية الحكومة تكمن في تحقيق التوازن بين معالجة النقائص الآنية وضمان شروط تعليم أفضل على المدى المتوسط، وهو ما يجعل هذا الملف بمثابة محك حقيقي لقدرة سيفي غريب على التعاطي مع المطالب الاجتماعية الملحة، وإقناع الرأي العام بجدوى السياسات التي ستعتمدها حكومته بالنيابة في هذه المرحلة.
إنعاش الاقتصاد الوطني.. من القرارات إلى التنفيذ

كما يمثل إنعاش الاقتصاد الوطني، أحد أعقد التحديات التي تواجه سيفي غريب في منصبه الجديد، لكونه ملفا يرتبط مباشرة بالاستقرار الاجتماعي والسياسي للدولة. فالجزائر، ما زالت تبحث عن الصيغة الفعلية التي تسمح بتحويل قدراتها إلى نمو حقيقي ينعكس على حياة المواطن. ويبرز في هذا السياق، دور المشاريع الاستثمارية الكبرى التي أعلنتها الدولة في مجالات الطاقة والمناجم، البنى التحتية والصناعات التحويلية، غير أن التنفيذ يحتاج الى انضباط أكثر في كثير من الأحيان. وهنا تبدو المهمة الأساسية للوزير الأول بالنيابة في ضمان متابعة صارمة لهذه المشاريع وتسريع وتيرتها، بما يحوّل القرارات والوعود إلى إنجازات ملموسة. إلى جانب ذلك، يُطرح ملف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بوصفه ركيزة لأي اقتصاد متنوع ومستدام. فقد أطلقت الجزائر خلال السنوات الماضية عدة برامج لدعم المقاولاتية وتشجيع المبادرات الشابة، إلا أن البيروقراطية وصعوبة الوصول إلى التمويل ما زالت تعيق الكثير من الأفكار. ومن ثم، فإن الرهان الأكبر أمام سيفي غريب يكمن في توفير بيئة أعمال مرنة، تعزز ثقة المستثمر المحلي وتفتح المجال أمام الشراكات الأجنبية، مع الحرص على خلق تنافسية حقيقية داخل السوق الوطنية. فالنجاح في هذا الملف سيكون مؤشرًا قويًا على قدرة الحكومة على الانتقال من منطق التسيير الإداري التقليدي إلى منطق الاقتصاد المنتج والفعال.
احتياجات المواطنين اليومية.. معركة الغلاء والوفرة
ومن بين أكثر الملفات إلحاحا التي تضع سيفي غريب تحت المجهر، ملف احتياجات المواطنين اليومية، حيث أصبح غلاء المعيشة حديث الشارع الأول. فالأسعار المرتفعة لبعض المواد الأساسية تشكّل ضغطا متزايدا على القدرة الشرائية للأسر الجزائرية، خاصة ذات الدخل المتوسط والمحدود. ورغم الإجراءات الحكومية السابقة لدعم المواد واسعة الاستهلاك، إلا أن التذبذب في التوزيع واستمرار المضاربة يضاعف من معاناة المواطنين. التحدي الحقيقي هنا ليس فقط في التحكم في الأسعار، بل في خلق آلية دائمة تضمن استقرار السوق، وتكسر الحلقات الموازية التي يستفيد منها الوسطاء على حساب المستهلك. في هذا السياق، تبدو المسؤولية على عاتق سيفي غريب مضاعفة، ويتطلب منه تنسيقا محكما بين وزارات التجارة، الفلاحة، وقطاعات أخرى لضمان وفرة المنتجات وتوزيعها العادل، مع اعتماد الرقمنة كأداة لمراقبة الأسواق بشكل شفاف. كما أن استعادة ثقة المواطن تمر عبر إظهار إرادة سياسية واضحة في محاربة المضاربة والاحتكار، وهو ما سيجعل من هذا الملف معيارا رئيسيا لتقييم أداء سيفي غريب في الأشهر الأولى من توليه رئاسة الجهاز التنفيذي بالنيابة.
الصناعة الوطنية.. حلم التصنيع المحلي
ويظل ملف الصناعة الوطنية أحد أهم المحاور التي يعوّل عليها سيفي غريب لإرساء قاعدة اقتصادية صلبة تُخرج البلاد من التبعية للمحروقات. فالجزائر شرعت في السنوات الأخيرة في توطين مصانع السيارات بالتعاون مع علامات عالمية، إلى جانب مشاريع الصناعات الصيدلانية والميكانيكية، غير أن الطريق ما زال طويلا لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الاستيراد. ويُنتظر من الوزير الأول بالنيابة أن يمنح هذا القطاع دفعة جديدة من خلال تسريع وتيرة إنجاز المصانع، وضمان إدماج حقيقي للمنتجات المحلية في سلسلة الإنتاج، بما يخلق قيمة مضافة ويُحافظ على مناصب العمل. وفي السياق ذاته، فإن تطوير الصناعة لا يقتصر فقط على فتح المصانع، إذ يتطلب وضع استراتيجية شاملة تراعي نقل التكنولوجيا وتكوين الكفاءات البشرية القادرة على مواكبة التطور. كما أن تشجيع الاستثمار الخاص والشراكات مع الأجانب ينبغي أن يكون مشروطا بنسب ملموسة من الإدماج الصناعي، حتى لا يتحول الأمر إلى مجرد عمليات تركيب تفتقد للاستدامة. ولعل النجاح في هذا الملف، سيشكل علامة فارقة في تقييم المرحلة المقبلة، إذ لا يمكن الحديث عن اقتصاد قوي ومتوازن دون صناعة وطنية منتجة وذات تنافسية إقليمية ودولية.
حل أزمة السيارات.. بين الاستيراد والتصنيع
كما يمثل ملف السيارات واحدا من أعقد التحديات التي تنتظر سيفي غريب، نظرًا لارتباطه المباشر بالحياة اليومية للمواطنين وقدرتهم الشرائية. فالأزمة التي شهدتها السوق الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، نتيجة توقف الاستيراد لفترات طويلة وتعثر برامج التركيب، أدت إلى ندرة المركبات وارتفاع أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة. ومع عودة بعض العلامات إلى السوق عبر الوكلاء أو الشراكات، يبقى الطلب أكبر بكثير من العرض، ما يجعل التحكم في السوق وإيجاد حل متوازن بين الاستيراد والتصنيع مهمة عاجلة للحكومة الجديدة. نجاح الحكومة في هذا الملف، يتطلب رؤية مزدوجة تجمع بين الاستجابة السريعة لحاجيات السوق عبر تنظيم الاستيراد وضمان تنوع العلامات والأسعار، وبين بناء صناعة حقيقية للسيارات على المدى المتوسط والطويل. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تشجيع الاستثمارات الجادة، وفرض نسب إدماج حقيقية في مشاريع التجميع، إضافة إلى تحفيز الصناعات المغذية التي تشكل العمود الفقري لأي صناعة سيارات.
الأمن الغذائي.. من الحقول إلى المائدة
ويُعد ملف الأمن الغذائي، من أبرز أولويات الحكومة الجديدة، لارتباطه المباشر باستقرار المجتمع وقدرة الأسر على تلبية حاجياتها الأساسية. فالجزائر، رغم امتلاكها مساحات زراعية واسعة وإمكانات بشرية معتبرة، ما زالت تواجه تحديات في تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات الإستراتيجية مثل الحبوب والحليب واللحوم. وقد أظهرت الأزمات الدولية الأخيرة هشاشة سلاسل التوريد العالمية، وهو ما زاد من إلحاح الاستثمار في الفلاحة وتطويرها كخيار لا مفر منه. ومن هنا، فإن مسؤولية سيفي غريب تكمن في وضع هذا الملف ضمن الأولويات العاجلة، عبر تعزيز الإنتاج المحلي وتوفير الدعم الضروري للفلاحين، بما يحافظ على توازن السوق الوطني. كما أن تطوير الأمن الغذائي لا يقتصر على الإنتاج فقط، بل يشمل أيضًا تحسين أنظمة التخزين والتوزيع والتسويق، إضافة إلى تشجيع الصناعات التحويلية التي تساهم في خلق قيمة مضافة.
التجارة الخارجية.. نحو توازن في الميزان
التجارة الخارجية التي تشكل أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الجزائري، لطالما عانت من اختلالات مرتبطة بهيمنة الواردات وضعف الصادرات غير النفطية. ويجد سيفي غريب نفسه أمام تحدي إعادة التوازن إلى هذا الميزان، بما يضمن تخفيف الضغط على احتياطي الصرف وتقليص التبعية للمحروقات. ولعل تنظيم عملية الاستيراد بشكل أكثر صرامة، مع التركيز على المواد الضرورية والحد من السلع الكمالية، يمثل أولوية آنية يمكن أن تساعد في ضبط السوق، خاصة في ظل ارتفاع الطلب الداخلي على منتجات لا تُصنع محليا بعد. في المقابل، يبقى تعزيز الصادرات غير النفطية رهانا استراتيجيا طويل المدى، يتطلب فتح أسواق جديدة أمام المنتجات الجزائرية، خاصة في القارة الإفريقية التي توفر فرصا هائلة عبر منطقة التجارة الحرة القارية.
الرقمنة والخدمات الإلكترونية.. رهان الإدارة العصرية

ملف الرقمنة يكتسي أولوية قصوى ضمن مهام سيفي غريب. فالإدارة الجزائرية، رغم الجهود المبذولة خلال السنوات الماضية، ما زالت تعاني من بطء في إدماج الحلول الرقمية وتعميم الخدمات الإلكترونية. ويُنتظر من الوزير الأول بالنيابة أن يمنح هذا الملف دفعة قوية، عبر الإسراع في رقمنة القطاعات الحيوية مثل الجباية، العدالة، الصحة والتربية، بما يسهل المعاملات ويضمن الشفافية في التسيير. كما أن الدفع الإلكتروني، الذي يشكل أساس أي اقتصاد عصري، لا يزال محدود الانتشار مقارنة بالقدرات المتاحة، ما يتطلب خططا عملية لتعميمه في التجارة والخدمات اليومية.
العدالة ومحاربة الفساد.. ضمانة الثقة في الدولة
ويبقى ملف العدالة ومحاربة الفساد من أكثر القضايا حساسية التي تنتظر سيفي غريب، إذ يمثل هذا الملف ركيزة أساسية في إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. فقد شهدت الجزائر خلال السنوات الماضية محاكمات كبرى شملت مسؤولين ورجال أعمال بارزين، ما كشف عن حجم الاختلالات التي كانت تعرقل مسار التنمية. واليوم، فإن التحدي يكمن في استكمال هذه الجهود عبر ضمان استقلالية القضاء وتعزيز الشفافية في التسيير، مع توفير أدوات قانونية ورقابية تمنع عودة الممارسات السابقة. كما أن محاربة الفساد بات مطلبا شعبيا واسعا يُقاس بمدى فعالية القرارات والإجراءات على أرض الواقع. أمام هذه الملفات الثقيلة والمتشابكة، يجد سيفي غريب نفسه أمام مهمة دقيقة تتجاوز مجرد التسيير اليومي، لتتحول إلى اختبار حقيقي لمدى قدرة الجهاز التنفيذي على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية في وقت واحد. فالمواطن الجزائري لا ينتظر الوعود بقدر ما يبحث عن أثر ملموس في حياته اليومية. كما أن الرهانات الاستراتيجية، مثل دعم الصناعة الوطنية، تحقيق الأمن الغذائي، وتطوير التجارة الخارجية، تمثل أوراقا حاسمة لمستقبل الاقتصاد الوطني ومكانة الجزائر في محيطها الإقليمي والدولي. وإذا استطاع سيفي غريب أن يُحدث التوازن المطلوب بين هذين المسارين، فسيكون بذلك قد وضع أسس مرحلة جديدة، عنوانها تأكيد ثقة المواطن وترسيخ صورة الدولة القادرة على مواكبة التحولات.