الرقمنة… تحدي صعب ترفعه وزارة الثقافة

الرقمنة… تحدي صعب ترفعه وزارة الثقافة

تسمح عملية الرقمنة بصفة مدروسة وجدية بحفظ التراث الثقافي الجزائري من الضياع والتعريف به وجعله في متناول الباحثين والمهتمين، والأهم من هذا صون ذاكرة الجزائريين وهويتهم، وقد برزت في السنوات الأخيرة العديد من المشاريع في هذا المجال، بين حكومية وخاصة، غير أنها تبقى محدودة ولا تلبي حجم وثراء وأهمية هذا التراث والإهمال الذي يعانيه.

وتتنوع حاليا مشاريع الرقمنة بتنوع هذا التراث غير أنها تتعلق عادة بميادين ثقافية أكثر من غيرها كالمخطوطات والمؤلفات القديمة (التاريخ والدين والأدب) والتراث المادي والمسرح، بالإضافة إلى الأعمال السمعية البصرية من أفلام سينمائية وغيرها.

وأطلقت وزارة الثقافة منذ عام 2016 بوابة إلكترونية مخصصة للتراث المادي واللامادي كالسينما والمسرح والأدب ومختلف التعابير الفلكلورية كالقصائد الشعبية والأغاني والأناشيد، وكذلك المهن المتعلقة بالفنون بالإضافة إلى المتاحف والمواقع التاريخية والأثرية.

وتهدف هذه البوابة لرقمنة أكبر قدر ممكن من مكونات الثقافة الجزائرية بغية إبراز ثرائها وتنوعها وجعلها في متناول أكبر عدد من الجمهور، غير أن البوابة لا تزال إلى اليوم محدودة وغير مفعلة في الكثير منها.

وللفن الرابع نصيب أيضا من الرقمنة، حيث أطلق المسرح الوطني الجزائري منذ خمس سنوات عمليات في هذا الإطار لريبرتواره من المسرحيات البالغ 192 عملا (منذ تأسيسه في 1963)، حيث تتنوع أعماله المرقمنة بين “فيديوهات ونصوص مسرحية وصور ومطويات وأفيشات”، وهذا لتلبية الطلب على هذه الأخيرة من طرف الطلبة والباحثين والمخرجين وأيضا منظمي المعارض والقنوات التلفزيونية، كما يقول رئيس مصلحة الأرشيف والتوثيق بالمسرح أغيلاس مصادي.

وليس التراث المادي بمنأى عن الرقمنة وخصوصا “الوقائية” منها، حيث يبرز مشروع الباحث في علم الآثار فريد إيغيل أحريز الذي أشرف في 2015 على حفريات بالمعلم الجنائزي لملكة الطوارق تينهينان بتمنراست وأجرى حينها “مسحا تصويريا” (مسح ثلاثي الأبعاد) “سيسمح مستقبلا بإعادة إصلاح المعلم عند أي ضرر يصيبه”، مثلما ذكر إيغيل أحريز.

وإضافة إلى الجانب الوقائي، أوضح الباحث أن للرقمنة فوائد أخرى أهمها “تثمين المعالم الأثرية والتعريف بها افتراضيا وبخصائصها الهندسية والمعمارية وكذلك الأرشفة والسماح بعمل مجسمات حقيقية عنها، بالإضافة إلى تسهيل الدراسة والبحث فيها والمساعدة حتى في إعادة بناء معالم شبه منهارة”.

“الرقمنة الوقائية” هي أيضا في صميم أبحاث مخبر الهندسة المعمارية المتوسطية لجامعة فرحات عباس بسطيف الذي انتهج بدوره منذ سنتين طريقة عمل تعتمد أخذ بصمات رقمية ثلاثية الأبعاد للممتلكات الأثرية، بهدف الاحتفاظ بها في قاعدة بيانات لاستغلالها في ما بعد في الترميم في حال ما إذا تعرضت للتخريب بفعل عوامل طبيعية أو بشرية.

وتعتبر المخطوطات من أهم الدعائم المعرفية المحتاجة للرقمنة نظرا إلى قدمها وقابليتها الشديدة للتلف، وخصوصا المخطوط الديني الذي تحوزه الزوايا المنتشرة عبر مختلف المحافظات الجزائرية الداخلية الشرقية والغربية، ويعتبر تراثا مهما ونادرا وشاهدا على تاريخ وأصالة الجزائريين.

وفي هذا الصدد، يشير رئيس مصلحة الدراسات والبحث بالمركز الوطني للمخطوطات بأدرار بايشي عبد الله إلى وجود 153 عملية رقمنة للمخطوطات. ويلفت إلى أن المركز يمتلك أيضا قرصا مضغوطا به 18 ألف مخطوط مرقمن قدم له كهدية من طرف جامع مخطوطات، وكذلك 86 مخطوطا مرقمنا آخرا هدية أيضا من جامعة أدرار بالإضافة إلى 36 وثيقة مرقمنة على مستوى المركز.

ويعتبر الفن السابع من المجالات الثقافية المعنية مباشرة بالرقمنة، حيث يقول مديره سليم أقار “لقد قام متحف السينما الجزائرية (سينماتيك) التابع لوزارة الثقافة، والذي يعد الأقدم والأكبر في إفريقيا والعالم العربي، برقمنة 15 فيلما قصيرا (16 ملم) من الأعمال الجزائرية النادرة التي تعود للستينيات”.

ويوضح أقار أن عمليات الرقمنة هذه “انطلقت في 2016 وتمت بالجزائر وبالشراكة مع التلفزيون الجزائري”، مضيفا أن مؤسسته تمتلك “60 ألف شريط (بكرة) فيلم تخص أكثر من 5000 عنوان فيلم بين جزائري وأجنبي.

من جهته، قام المركز الوطني للسينما والسمعي البصري -التابع أيضا لوزارة الثقافة- برقمنة 16 فيلما روائيا طويلا من كلاسيكيات السينما الجزائرية وهذا من أصل 120 فيلما مرشحا للرقمنة، يقول مديره مراد شويحي، موضحا أن “جميع عمليات الرقمنة تمت بفرنسا وأيضا بإيطاليا لوجود النسخ السالبة هناك”.

وتتميز أيضا في هذا الإطار المبادرة الفردية للمخرج نبيل جدواني الذي أطلق صفحة على الفايسبوك واليوتيوب بعنوان “الأرشيف الرقمي للسينما الجزائرية”، وتضم الكثير من الوثائق الأرشيفية بين أفلام وفيديوهات ومجلات وأفيشات وصور وسيناريوهات وغيرها، “رغم الصعوبات التي واجهها بسبب الملكية الفكرية”، يقول جدواني.

ب/ص