الرفق خلق كريم

الرفق خلق كريم

 

حديثنا اليوم عن خُلق عظيم من أخلاق الإسلام الراقية؛ مع صِفةٍ عظيمة جامِعة لمكارِم الأخلاقِ، ضابطة لحسن السّلوك. صِفةٌ طالما تحدَّث الناس عنها، واستحسنتها نفوسهم، وامتدحوها في منتدياتهم، ولكنّها السلوكُ الغائب، والخلُق المفقود لدى كثير من الناس، بل إنها غائبةٌ عند بعض الناس حتى في أنفسهم، ناهيكم بمن حولهم من الأهل والأقربين.

صفةٌ كريمة، وخلُق جميل، فيه سَلامةُ العِرض، وراحةُ الجسَد، واجتلابُ المحامد. خلُقٌ من أشهَر ثمارِ حُسن الخلق وأشهاها، ومن أظهر مظاهِر جميل التعاملات وأبهاها، خلُقٌ يقول فيه نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم: “مَا كَانَ في شيءٍ إلا زَانَه، وَمَا نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلا شَانَه”، إنه الرّفقُ..

فما أحوج المسلم إلى الرفق في قوله وفعله، في سلوكه ومعاملته، مع أهله وأقاربه، مع أصدقائه وأحبابه، مع الصغار والكبار، مع الذكور والإناث، مع الإنسان ومع سائر الكائنات… ما أحوجنا إلى الرفق واللين؛ في زمن كثرت فيه مظاهر العنف والقسوة والغلظة والجفاء، في البيوت والشوارع والأسواق والمؤسسات والملاعب، وغير ذلك من الأماكن العامة والخاصة…الرفق تحكُّمٌ في هوى النفس ورغباتها، وحَملٌ لها على الصبرِ والتحمُّل والتجمُّل، وكفٌّ لها عن العنف والتعجُّل، وكظمٌ عظيم لما قد يلقَاه من تطاوُل في قولٍ أو فعل أو تعامل. هو رأس الحِكمة، ودليل كمالِ العقل وقوّة الشخصية والقدرةِ القادرة على ضبطِ التصرّفات والإرادات واعتدال النظر، ومظهرٌ عجيبٌ من مظاهر الرشد، بل هو ثمرةٌ كبرى من ثمار التديُّن الصحيح.

الرفق في الأمور كلها من شأنه أن يُصلح ويعطي أفضل النتائج، بخلاف العنف فمِن شأنه أن يفسد ويعطي أسوأ النتائج، فمن أعطي الرفق فقد أعطي خيرا كثيرا، ومن حرم من الرفق فقد فقدَ خيرا كثيرا. وحسْب المسلم أن يعلم أن الرفق من صفات الله تعالى العليا التي أحبها لعباده في الأمور كلها: ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ”. فربّنا عزَّ شأنه رفيق بخلقِه، رؤوف بعباده، كريم في عفوه، رفيقٌ في أمره ونهيه، لا يأخذ عبادَه بالتكاليف الشاقّة، ولا يكلفهم بما ليس له به طاقة؛ قال سبحانه:  ” فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ”  التغابن:16، ” لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ”  البقرة: 286.