الرضا في زمن الوباء

 الرضا في زمن الوباء

لَئِنْ أُمِرَ الناسُ في زمنِ الوباءِ بالحذرِ، وأمروا أيضًا بالأخذِ بالأسبابِ المشروعةِ من المحافظةِ على الأورادِ، وكثرةِ التضرعِ والاستغفارِ، وكلُّ ذلك حق واجبٌ، فإننا أيضًا بحاجةٍ إلى التذكيرِ بما هو أوْجبُ من ذلك، نحنُ بحاجةٍ إلى عملِ القلوبِ، بركونِها إلى اللهِ تعالى، والاعتصامِ بِهِ، والرِّضا عنْهُ فيما قَدَّرَهُ وقَضَاهُ، مِنَ الآلامِ والشدائدِ والخسائرِ. وهذهِ إشارةٌ لطيفةٌ إلى عملٍ من أعظمِ أعمالِ القلوبِ وأجلِّها، هو ذروةُ سنامِ الإيمانِ، لا يعرفُهُ إلا مَنْ ذاقَ طعمَ الإيمانِ، إنه الرِّضا، الرِّضا الذي يعني الاعتقادَ القلبيَّ بأنَّ اختيارَ اللهِ لنا هو الأفضلُ والأجملُ، وهو الخيرُ دائمًا، والرِّضا الذي يعني تركَ التَّسخُّطِ والهلعِ والتَّشَكِي والجَزَعِ.

نحنُ اليومَ بحاجةٍ إلى الرِّضا؛ لأنَّ الذي أنزلَ الوباءَ هوَ اللهُ تعالى، الملكُ الحقُّ، فلا اعتراضَ على المالكِ في مُلْكِهِ، والذي أنزلَ الوباءَ هوَ الحكيمُ الحليمُ الذي لا يجهلُ، والعالمُ العليمُ الذي لا يغفلُ، والرحمنُ الرحيمُ الذي لا يَطْغى، واللطيفُ الخبيرُ الذي لا ينسى، نحنُ بحاجةٍ إلى الرضا؛ لأننا نعلمُ أن تدبيرَ الله لنا خيرٌ من تدبيرِنا لأنفسِنَا؛ كما قالَ تعالى: ” وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” البقرة: 216. نتعاملُ أيُّها الإخوةُ معَ قدرِ اللهِ تعالى بلُغةِ الحبِ والرِّضا، فنحبُ اختيارَ اللهِ لنا، ولو كان مرًّا مُؤلِمًا؛ لأنَّ اللهَ إذا قضى قضاءً، أحبَّ أن يُرضَى به، واستمعْ إلى قولِهِ سُبحانه: ” مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” التغابن: 11؛ قال بعضُ السلفِ: “هي المصيباتُ تُصيبُ المرءَ، فيَعلمُ أنها مِن اللهِ، فيُسَلِّمُ ويَرْضى”، وعُلِمَ مِنْ هذا أنَّ مَنْ لم يُؤمنْ بالله ولم يَرْضَ بقدرِهِ عندَ ورودِ المصائبِ، بل وَقَفَ معَ مجردِ الأسبابِ، فإنَّ اللهَ لا يهدي قلبه، بل يَخْذُلُهُ، ويَكِلُهُ إلى نَفسِهِ، التي ليسَ عندَها إلا الجزعُ والهلعُ.

ومن ثمراتِ الرضا الفوزُ بجنةِ الدنيا ونعيمِها، فالرضا بوابةُ الأمنِ الكبرى، وهو طريقُ السعادةِ والراحةِ والطمأنينةِ والسكينةِ، الرِّضا يملأُ القلبَ لذةً وحلاوةً، ويُفرِّغُ القلبَ من كل شائبةٍ، قال صلى اللهُ عليه وسلم: “ذاقَ طعمَ الإيمان مَن رضِي باللَّهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمَّدٍ رسولًا”؛ رواه مسلم.