الرزق في الكتاب والسنة

الرزق في الكتاب والسنة

تعتبر قضية الرزق من القضايا التي تشغل بال الناس كثيرًا، وتُسبِّب لبعضهم همًّا وغمًّا، وخوفًا وجزعًا؛ وذلك لِما قد يحيط بهذه القضية من وهمٍ ولَبْسٍ في أذهانهم – لا في حقيقة الأمر – ولِما قد يكون لهم حولها من تصورات وتمثُّلات خاطئة؛ ما يورث عندهم ضعف الإيمان، وقلة الثقة واليقين في الخالق الرزاق سبحانه. لذا؛ فمن المهم جدًّا تسليط الضوء على جوانبَ من هذه القضية؛ لتبديد ما يحيطها من لبس، ودفع ما يكتنفها من أوهام؛ حتى تسكن وتهدأ النفوس المضطربة، وتطمئن وترتاح القلوب المنزعجة.

– الرزق مُقَدَّر ومضمون: إن الخالق جل وعلا قدَّر وقسم لكل مخلوق حظَّه ونصيبه من الرزق، ضمن مجموع ما كتب من مقادير الخلائق كلها، وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض؛ ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “كتب الله مقاديرَ الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة” مسلم. وإذا تمَّ الإنسان في بطن أمه أربعة أشهر، أرسل الله تعالى إليه الْمَلَكَ وأمره بنفخ الروح فيه، وكتابة ما قسم له من رزق وأَجَلٍ، وعمل ومصير؛ وهذا ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال: “يُجمَع خَلْقُ أحدكم في بطن أمه أربعين يومًا نطفة،ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسَل إليه الْمَلَكُ فينفخ فيه الروح، ثم يُؤمَر بكَتْبِ أربع كلمات؛ بكتب رزقه، وأجَلِه، وعمله، وشقي أو سعيد” مسلم. وبهذا فإن الرب الكريم سبحانه وتعالى قد ضمِن لكل إنسان – بل لكل مخلوق – رزقه؛ فلا يضيع ولا ينتقص؛ قال الله تعالى: ” وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ” الذاريات: 22، 23، وقال: ” وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ” هود: 6، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرُب من الموت، لأدركه رزقه كما يُدْرِكُه الموت” حسنه الالباني. فلا يليق بالمؤمن إذًا إلا أن يقوِّيَ يقينه في ربه الكريم جل وعلا، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه، ويهدأ باله؛ قيل لحاتم رضي الله عنه: عَلَام بنيتَ عملك؟ قال: على أربع؛ أحدها: علمتُ أن لي رزقًا لا يجاوزني إلى غيري، كما لا يجاوز رزق أحد إليَّ، فوثقت به، والثاني: علمت أن عليَّ فرضًا لا يؤديه غيري، فأنا مشغول به، والثالث: علمت أن ربي يراني كل وقت فأستحي منه، والرابع: علمت أن لي أجلًا يبادرني فأنا أبادره”

– رزق الله واسع:  يضيق مفهوم الرزق عند كثير من الناس؛ إذ يحصُرونه في المال فقط، والحقيقة أن مفهوم الرزق أوسع من ذلك، وما المال إلا جزء يسير منه، وصنف واحد من أصنافه العديدة. فالرزق هو كل ما يوصله الرزاق سبحانه لعباده من عطايا ومواهبَ كثيرة ومتعددة، لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، منها ما هو أعظم قيمة ونفعًا من المال؛ فالصحة والعافية، والسلامة من الأمراض رزق، والزوجة الصالحة رزق، والذرية الطيبة رزق، والجار الصالح رزق، والإخوان الذين يسندونك وتسندهم رزق، والصحبة الصالحة التي تنصحك وتعينك على دينك ودنياك رزق، والأمن والاستقرار رزق، وطمأنينة القلب وراحة البال رزق، والتوفيق للعمل الصالح رزق، والْخُلُق الحسن رزق، وقد ذُكِرَ الرزق في مواضع كثيرة من القرآن الكريم بمعانٍ متعددة؛ فجاء في بعض المواضع بمعنى الأموال والأولاد والثمرات، ونحوها من العطايا المادية، وجاء في مواضع أخرى بمعنى العلم والإيمان، والثواب والجنة، ونحوها من المواهب الربانية.

 

من موقع الالوكة الإسلامي