الراحمون يرحمهم الرحمن

الراحمون يرحمهم الرحمن

الرحمة هي عاطفة إنسانية نبيلة وسامية، ويكفي المسلم فخرًا أن يتصف بالرحمة؛ اقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام ورجاء في أن يشمله عفوُ الله ومغفرته. ولو تتبعنا صُوَر الرحمة التي أودعها الله بين الخلائق، لأذهلتنا حقيقتها، فسبحان الله كيف نغفل عنها، ونحن المحتاجون إليها؟! وقد أمَرَنا الله أن نكون رُحَماءَ، وما اتَّصف بالرحمة إلا أصحابُ العقول والقلوب المبصرة، فتجدهم ينشرون الخيرَ بالكلمة الطيبة، وبالأخلاق السامية البعيدة عن الجفاء، وينثرون أريج المحبة والعطف والتسامُح أينما حَلُّوا أو ارتحلوا، قدوتُهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت حياتُه عليه الصلاة والسلام كلها دروس وعبر في الرحمة؛ حيث روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: “لن تؤمنوا حتى تراحموا”، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: “إنه ليس برحمة أحدِكم صاحبه، ولكنها رحمة العامَّة” رواه الطبراني. وقال: “من لا يرحم الناس لا يرحمه الله” رواه مسلم.

فلم تقتصر رحمته صلَّى الله عليه وسلَّم على البشر وحسب، بل شَمِلَت كلَّ المخلوقات؛ عن عبد الله بن جعفر قال: “أردفني رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خلفه ذات يوم، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من الناس، وكان أحبُّ ما استتر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم – لحاجته هَدَفًا – كل ما ارتفع من بناء وغيره – أو حَائِشَ نَخْلٍ – بستان فيه نخل صغار قال: فدخل حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا جَمَلٌ، فلما رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حنَّ وذَرَفَت عيناه، فأتاه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فمَسَح ذِفْرَاه – أصل أذنيه وطرفاهما – فسكت، فقال: “مَن رَبُّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟”، فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال: “أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ اللهُ إياها، فإنه شكا إلَيَّ أنك تُجيعه، وتُدْئِبه – تَكُدُّهُ وتُتعبه؟!”؛ رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه الألباني. أيُّ روعة، وأي قمة في الأدب والرقة والحنان ترسخه فينا يا رسول الله؟! وهل تحلو الحياة إلا بهذه الأخلاق السامية؟!.

الدكتور مسلم اليوسف