يثير كتاب “الراجح في أصول اللغة الفرنسية” للباحث والكاتب الجزائري بن عيسى درياسة، الكثير من الجدل لتضمنه أطروحة تؤسس لأصول عربية شامية للغة الفرنسية، عكس كل النظريات القائلة بالمصادر الإغريقية واللاتينية للغات الغربية الحديثة.
ويحيل بن عيسى درياسة، القارئ إلى شيء من الغرابة الممزوجة بالجد والدهشة، كونه أعاد إحياء مسألة تتداول على نطاق ضيق وبشكل خجول وذلك عبر عقد من الزمن قضاه في البحث والتقصي، عن علاقة مفترضة مما يسميه بـ “الأصول العربية الشامية للغة اللاتينية والفرنسية على وجه التحديد”.
وخاطبه الأستاذ حبيب مونسي بالقول: “أنت تمتلك حاسة لغوية في غاية الطرافة والجدة.. وإن سبلك في تخريج الكلمات وردها إلى أصولها، مستعينا بالتاريخ والفنولوجيا والنصوص الدينية وغيرها، يكشف عن طاقة كبيرة في التحليل والتأويل وإرجاع الأصوات إلى أصولها، وربما سيخرج المتتبع لدراساتك أن أصل اللغة واحد لجميع الألسنة وأن اللغات اليوم هي تفريعات عن لغة أم واحدة يسهل الوصول إلى أصلها الصوتي والجغرافي كذلك”.
ويتابع مونسي “هنا سيفتح عليها واحد مثلك في القرن الواحد والعشرين، أبواب تجديد السؤال، والانتقال من التسليم الفج إلى المساءلة العلمية التي ستعيد كتابة تاريخ اللغات، والاعتراف أخيرا أن الناس كانوا أمة واحدة، ثم تفرقوا في البلاد لأسباب بيئية ومعيشية وحروب وكوارث وغيرها من الأسباب التي تفرق الجماعات، وتدفع بها إلى الهجرات بعيدا عن محاضنها الأولى”.
وعن سؤال حول كيفية التوصل إلى هذا الاستنتاج المنافي لما هو متداول، يرى الباحث والكاتب بن عيسى درياسة، أن الخلاصة التي توصل إليها جاءت من خلال البحث في أصل الكلمة اللاتينية ومخارجها، التي تلمح إلى أصولها العربية الشامية، وتحيل الباحث إلى استنباط المصدر.
ويعتقد بن عيسى درياسة، ذو التكوين الأكاديمي الفرنكفوني، أن “تفرع اللاتينية، إلى اللغات الأربع، جاء وفق حركات اللغة العربية، فاستعملت اللغة الفرنسية السكون، الإسبانية الفتح، والبرتغالية الضم، والإيطالية الكسر”.
وقال “عملي تركز على اللغة الفرنسية، للعلاقة الوثيقة بينها وبين اللغة العربية الشامية التي تتضمن 12 لهجة، ولم أعمد إلى انتهاج النظريات الأكاديمية المتداولة، وإلا لما توصلت إلى هذه الخلاصة”.
وأضاف “المسألة تكمن في تقصير الكلمة، وتعديل في بعض الحروف، واللغة الأصلية للغرب الراهن لم تكن لغة علم ومعرفة، والإثراء من اللهجة الشامية كان بغرض اكتساب معارف وعلوم جديدة، والتحكم في حضارة ذلك العصر”.
ويعترف الباحث بأن “المراجع العلمية والأكاديمية لا تعترف بمثل هذا الطرح الجديد، لأنها منغلقة ومنحصرة وفق خطوط مرسومة، لكن المهم هو طرح الأسئلة المثيرة، وإثارة الحيرة، فكل الإنجازات الكبرى للإنسانية انطلقت بعيدا عن الترف العلمي”.