إنَّ اللهَ بِكَرَمِهِ العَظيمِ قَد جَعَلَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ المَرحُومَةِ مَوَاسِمَ خَيرٍ تُضَاعَفُ فِيهَا الحَسَنَات، وَتُغفرُ فِيهَا السَّيِّئَات، وَتُعَوَّضُ فِيهَا عَن قِصَرِ أَعمَارِها، مِنها هذهِ الأيامُ المباركةُ التي هِيَ أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، جاءَ في الحديثِ الصحيح: “ما مِنْ أيامٍ أعظمَ عندَ اللهِ ولا أحبَّ إليهِ العمَلُ فيهنَّ من أيامِ العشرِ, فأكثروا فيهنَّ من التسبيحِ والتحميدِ والتكبيرِ والتهليل”، فحريٌ بِالمُسلِمِ العَاقِلِ، الَّذِي يُوقِنُ أَنَّهُ في دَارِ عَمَلٍ وَاجتِهَادٍ، تَعقُبُهَا دَارُ حِسَابٍ وَجَزَاءٍ، جَديرٌ بهِ أَنَّ يُجَاهِدَ نَفسَهُ في استثمارِ هذهِ الفُرصَ الثَّمِينةَ، فالأَعمَارَ سُرعَانَ ما تُطوى، والأوقاتُ تَمرُّ مَرَّ السَّحابِ، وَكُلُّ يَومٍ يَمضِي فَهُوَ يُباعِدُنا عَنِ الدُّنيَا, وَيُقَرِّبُنا مِنَ الآخِرَةِ. فَالخَسَارَةُ كُلُّ الخَسَارَةِ، وَالغَبنُ كُلُّ الغَبنِ، أَن يَعلَمَ المَرءُ بِكُلِّ هَذَا، وأنَّهُ سَيُترَكُ وَحيدَا في لَحدِهِ، مُرتَهنٌ بعملهِ، ثم هُوَ مَعَ هَذَا مُستمر على حَالهِ، تَمُرُّ بِهِ مَوَاسِمُ الطَّاعَاتِ مَوسِمٌ في إثرِ مَوسِمِ، وَعُمرُهُ يَزدَادُ, وَأَجَلُهُ يَقتَرِبُ، وَجِسمُهُ يَضعُفُ, وَصِحَّتُهُ تَتناقَصُ، وَهُوَ مَعَ كُل هَذَا يُسوِّفُ وَيُؤَجِّلُ، وَيَتَبَاطَأُ وَيَتَكَاسَلُ، وَيُعرِضُ وَيَتَجَاهَلُ، زاهدٌ فيِ الحَسَنَاتِ، مُعرِضٌ عَنِ النَّفَحَاتِ وَالرَّحَمَاتِ. أَفلا نَتَّقِ اللهَ في هذهِ الفُرَصِ السَانِحةِ، فنَجتَهِدَ فِيها بمَا نَستَطِيعُهُ مِنَ الخَيرِ، وَنَتَقَرَّبَ إِلى اللهِ بما نَقدِرُ عَلَيهِ من الأعمالِ الصالحةِ، جاءَ في حَدِيثِ قُدسِيٍّ صحيحٍ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: “وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بِهَا، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِن استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ”. قال تعالى ” وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ” الحج: 27، 28.
موقع إسلام أون لاين