الدنيا … دار شقاء وعناء

الدنيا … دار شقاء وعناء

كثيرًا ما نغفُل عن حقيقة الحياة، وأنها دار شقاء وعناء، ومرحلة نَصَبٍ وتعب، متاعها قليل وكثيرها ضئيل، عيشها نكد وصفوها كَدَر، حلالها حساب وحرامها عقاب، لا تصفو لشارب ولا تبقى لصاحب، من استغنى فيها فُتِنَ، ومن افتقر فيها حزِن، من أحبَّها أذلَّته، ومن تبِعها أعمَتْه، سرورها غرور وغناؤها عناء. فهي لا تصفو لأحد، ولا تدوم لمخلوق؛ سمع الحسن البصري رجلًا يقول لآخر: لا أراك الله مكروهًا أبدًا، فقال له: “دعوت الله له بالموت؛ فإن الدنيا لا تخلو عن المكروه”. فكيف نثبُتُ عند هذه المكاره كما أمرنا بذلك ديننا؟ وكيف نتجاوزها ونتغلب على آثارها؟ وكيف نعيد للنفس توازنها واستقرارها، وهي تواجه أمواجًا من الفتن المتلاطمة، ومرارة الواقع، والابتلاءات المتعددة، والأحداث المختلفة التي لا تخطر على بالٍ، التي نعيشها يوميًّا، تارة في النفس، وتارة في الأهل والولد، وأحيانًا في وسائل العيش والكسب، ومع الناس من حولنا، ومع الصديق والقريب، ومع العدو وفي الأسرة والمجتمعات والأوطان؟ حروب وصراعات، وتفرُّق واختلافات، وأمراض وكوارث، ومصائب وابتلاءات، وظلم وبغي وفساد؛ قال الله سبحانه وتعالى ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ” البقرة: 155 – 157، وقال تعالى ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ” البقرة: 214. ولذلك؛ نحن محتاجون إلى تقوية الإيمان بالله في نفوسنا، وأن نتعاهَدَ هذا الإيمانَ بالقيام بالفرائض، وأداء الواجبات، وقراءة القرآن والعمل به، وإتباع السنة، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، والإكثار من النوافل وعمل الصالحات، والتفكُّر في مخلوقات الله وملكوته وقدرته، والشوق إلى جنة عرضها السماوات والأرض، وترك التنافس على هذه الدنيا وشُبُهاتها وشهواتها، نحن محتاجون إلى كل ذلك لنتذوق حلاوة الإيمان، التي بها نستصغر هذه الدنيا ومصائبَها وابتلاءاتِها، وتطمئن قلوبنا وتأوي إلى ركن شديد.

موقع إسلام أون لاين