عقد، بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية قسم التاريخ بجامعة البليدة 2، الملتقى الدولي الأول للسيرة النبوية في الكتابات الاستشرافية عبر تقنية التحاضر المرئي عن بعد، وقد نشطه ثلة من الدكاترة والعلماء وأساتذة الجامعات وطلبة الدكتوراه من عدة تخصصات بما فيها التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وعلوم الإعلام والاتصال.
كما شارك في الملتقى 77 أستاذا من 42 جامعة بما فيها 7 دول عربية على غرار السودان، العراق، تونس، الإمارات، مصر وموريتانيا….
وقد تميز الملتقى بمداخلات نوعية تنوعت في مقاربة الموضوع من زوايا مختلفة أبرزها كشف اللثام عن نفائس الكتب التراثية التي قدمت السيرة النبوية، بالإضافة إلى تحليل الكتابة الاستشراقية من المدارس المختلفة والتي تراوحت بين الإنصاف والإجحاف على سبيل المثال كتابات فولتير وغاستون لوبون وباتريسيا كرون ومايكل كوك.
كما تناول الملتقى أيضا، حسب ما أفاد به الدكتور مراد بوشحيط، عضو في اللجنة العلمية ومحاضر بالملتقى “الموعد اليومي” قائلا: الأعمال الجديدة التي تجاوزت حدود الكتابات لتدخل عصر إنتاج الصورة من خلال مداخلة تحت عنوان “الإسلاموفوبيا الإعلامية.. قراءات تحليلية في المحتويات الاستشراقية الجديدة على الفضائيات والمنصات الرقمية خاصة برنامج “مختلف عليه” لإبراهيم عيسى على قناة “الحرة”، وبرنامج “الإسلام المبكر” على قناة “الحياة”، والفيلم الوثائقي المثير للجدل “مكة المفقودة” للمستشرق دان جيبسون والذي شكك فيه في الوجود التاريخي لنبي الإسلام ولمكة المكرمة انطلاقا من مناهج جديدة تعتمد على الآثار المادية.
وقد خلص الملتقى في اختتامه إلى جملة من التوصيات الهامة والتي تؤيد عملية إسهام الدراسات المتخصصة في تحليل تلك الرؤى الاستشراقية وتقديم برامج تلفزيونية وإذاعية تعري المؤامرات التي تستهدف السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بشكل عام.
وأبرز هذه التوصيات تثمين مثل هذه الملتقيات التي تعود على المجتمع والدارسين بالفائدة العلمية، التأكيد على أثر وتأثير السيرة النبوية الشريفة في تقويم سلوك المجتمع ودورها في بناء الشخصية السوية وفق مبادئ وقيم وأخلاقيات ما يزال يتمتع بها المجتمع الجزائري والعربي والإسلامي، تسجيل اهتمام المدارس الاستشراقية بكل أجيالها بالتراث والحضارة الإسلامية وبالأخص السيرة النبوية التي أخذت من أبحاثهم الجهد الكبير في دراستها والنظر فيها.
غير أننا – يقول الدكتور مراد بوشحيط- نسجل بعد هذه الأبحاث المقدمة في مؤتمراتنا وأن أغلب الدراسات الاستشراقية كانت غير موضوعية، حيث تميزت بعدم الانصاف، وذلك راجع للعائق اللغوي وفهم سياقات الكلام، بالإضافة إلى الخلفيات الدينية والعقيدة وتحكم المؤثرات العاطفية والميولات الذاتية في دراساتهم.
وأضاف شارحا: “يحاول المستشرقون إظهار الإنصاف والموضوعية في أعمالهم ولكن المتمعن المهتم يلاحظ أن أغلبهم قد وقع في الشطط والإجحاف في بحوثهم، وأن تعدد الأخطاء في هذه الكتابات يمكن تقسيمه إلى قسمين: أخطاء متعمدة تحاول ضرب المرجعية الدينية للمسلمين والمتمثلة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم، والقسم الثاني يعود إلى المناهج التي اعتمدها هؤلاء في قراءة السيرة النبوية وتفسيرها وفق خلفيات وأحكام مسبقة والانطلاق من مسلمات ذهنية لديهم يحاولون تصديقها وترويجها، ولذا فإن مشكلة الاستشراق هي مشكلة المنهج الذي أدى إلى أحكام صادمة للمسلمين ومحرفة للسيرة النبوية ولا تتساير والبحث العلمي الموضوعي” .
وتابع موضحا: “لذا فإن الدراسات الاستشراقية حتى تصير إلى مرحلة العلمية ومبتغى الأكاديمية، وجب على هؤلاء التبحر في الحضارة الإسلامية مع التجرد من كل الخلفيات للوصول إلى رؤية أوضح حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتراث العربي الإسلامي، ومن الواجب على المهتمين بالتاريخ في بلادنا العناية بالسيرة النبوية وتراث الحضارة الإسلامية وذلك بإعادة قراءة ودراسة وتحقيق المخطوطات والتعمق في الدراسات السابقة – نقدا وتقييما- لأجل كشف الأخطاء”.
واستطرد قائلا: “إن العناية بالدراسات الاستشراقية وما كتبه الآخر بعدة لغات يتطلب منا تفعيل عدة آليات منها إنشاء مخابر وفرق ومراكز بحث أكاديمي لخدمة التراث والرد على هذه الدراسات بمنهج علمي قويم وإعادة قراءة ما كتبه وحققه المستشرقون من مخطوطات لما وجد فيها من أخطاء مقصودة وغير مقصودة والعناية باللغات التي كتبت بها السيرة ومجموع التراث وهي لغات شرقية قديمة ولغات عصرية كتب بها المستشرقون، وهذا للتمكن من فكرهم ومناهجهم وتوجهاتهم وأيضا إقامة المزيد من الملتقيات للتعمق في فكر المدارس الاستشراقية وأجيالها وتفعيل الدراسات الاستشراقية من خلال مشاريع الدكتوراه وعروض الماستر ومذكرات المتخرجين سواء في تخصص التاريخ أو ما مسه الاستشراق كاللغات والأدب والشريعة وبذلك دراسة فكرهم أو ما يعرف بـ “الاستغراب”، الى جانب تفعيل وسائل الاعلام المتعددة في هذا المجال باعتبار أن الإعلام وسيلة تواصل وشرح ونقاش وبما يملكه من تأثير مباشر في المجتمع والفكر. وهذه الجهود تصب في إطار صناعة الصورة الصحيحة والحقيقية عن النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام وحضارته، ولابد أن تتضافر الجهود في هذا الاتجاه بتسويق الصورة على نحو أفضل. كما نقترح إيجاد قسم خاص بالتاريخ والحضارة الإسلامية بجامعاتنا والجامعات الأخرى لأجل التعمق في هذه الدراسات وسد الفراغ الملاحظ”.
ونقترح أيضا طبع أعمال الملتقى بعد مراجعة مداخلاته لأجل شر أبحاثه على مجال أوسع، وبذلك تتحقق الاستفادة والاستمرارية وضرورة السير في دراسة الفكر الاستشراقي تخص التاريخ والحضارة والتراث الإسلامي من أدب ولغات وتشريع وقضايا المجتمع التي مسها الاستشراق.
حاء/ ع