تحدث الدكتور عبد الرزاق بلعقروز لـ “الموعد اليومي” عن الظرف الاستثنائي الذي تعيشه الجزائر بسبب فيروس كورونا، ويجدر القول إن حالة هذا الوباء حاليا في الجزائر قد كشفت لنا، ليس عن نسبة الإصابات فقط، وإنما حجم الأمراض الاجتماعية والأخلاقية التي ظهرت فينا، خاصة ضمن هذا الظّرف، ونقصد هنا حالة خرق قواعد الحجر مثل البقاء في المنازل والالتزام بمواقيت الخروج والدّخول، هذه الحالة تعبير عن ضعف ثقافة الانضباط في قلوبنا، لأن الذي لا يتقن الانضباط لا يجد نفسه إلاَّ في التوحّش والتعدّي على حق الآخرين في الحياة. فالحياة قبل أن تكون مِلكا لأحدنا يتصرَّفُ فيها كما يشتهي، هي أمانة ومسؤولية.
وأضاف موضحا:”وبُعْدُ الأمانة فيها يفوق كل الأبعاد الأخرى، لذا وجب علينا أن نغيّر نظرتنا إلى ذواتنا وإلى العالم من حولنا. فنحن في ظرف تتقدَّم فيه قيمة الأمانة على قيمة الحرية، والتَّراحم الاجتماعي على الفردية البخيلة، فوجودي وذاتي وجسدي ليست مِلكا لي أتصرَّف بها كيفما تشتهي نفسي، كأن لا ألتزم بمطالب الصحة العمومية ولا أعير أهمية لعلاقاتي مع غيري ولا لحقهم في الاستمتاع بالحياة، كلا فأنا مُؤْتَمَنُ على جسدي وذاتي، أرعاهما بتوفير شروط الصحة وبتقوية ثقافة الالتزام بالقانون الأخلاقي، وأوسّعُ من النّظرة التَّراحمية مع غيري، فغيري ليس موجودا آخرا، غيري هو أنا وأنا هو غيري، فمصيرنا في ظل هذا الوباء مصير مترابط وبقدر ما أنظر بعين الأمانة بقدر ما أصرف دواعي المرض عن نفسي، وغيري يصرفه عَنّي عندما يكون هو الآخر ناظرا بعين الأمانة إلى ذاته وإلى غيره”.
وتابع محدثنا شارحا:”فالشُّعور بالأمانة كقيمة حاسمة يحفظ لنا وجودنا ويقوي التَّرابطات الاجتماعية ويبعث الأمل في المستقبل، فنحن الآن بسبب اختراقنا للحجر الصحي والتوهم بأن هذا المرض أسطورة أو ألعوبة في يدي السياسيين أو مشروع ربح اقتصادي لأيّ كان، يزرع في نفوسنا وبطريقة لاواعية إرادة خرق الحجر الصحي والتسبب في المعاناة لأنفسنا ولأقاربنا وللنَّاس من حولنا. صحيح قد يرافق هذا المرض بعض الأسطرة أو يقتات عليه السياسيون أو يتاجر به عديمو الضَّمير، إلا أن هذا ليس مسوغا كافيا لخرق الحجر أو الاستهزاء بالمرض، فالاستهزاء هو الخطوة الأولى نحو الوباء وإحلال الكارثة، وجلّ الذين أصابهم المرض كان الاستهزاء به وقد يكون عن نية حسنة، هو من قادهم إلى تسليم المفتاح للفيروس كي يسكن أجسادهم ويسبب لهم الضيق والألم والنّدامة” .
وختم الدكتور قائلا:”لنكن إذن، ضمن هذا الظّرف الحاسم شاعرين بقيمة الأمانة أكثر من أيّة قيمة أخرى، أجسادنا أمانة وجب علينا أن نرعاها، والأطفال وكبار السن والفقراء والمساكين والمرضي أمانات بين أيدينا لرعاية حقوقهم علينا. فروح الأمانة هي الرعاية والحفظ والتيقّظ، وعكس الأمانة هي الاختيان أو الخيانة لها، بأن نكسر الحجر الصحي ولا نرعى حقوق أجسادنا وأجساد غيرنا، فلا حرية بغير أمانة ولا نجاح فردي بغير نجاح اجتماعي. وإذ تعينت وبانت القيمة الحاسمة لقيمة الأمانة كأسلوب في الحياة وكرؤية إلى العالم، فالمطلوب منا في حال الحجر أن نستمر في شحذ ملكة الفهم لدينا، وأن نوسع من ثقافتنا عن طريق القراءة النوعية والموجهة، لترتيب الذات من جديد وإعمارها بالثقافة وتقوية ملكة الشعور بالقيم الأخلاقية من جديد”.
كلمته: حورية/ق