لا يختلف دور المثقفين عن أدوار النخب الأخرى إذا ما جاء وباء للإنسانية، بخاصة لحظة الوباء الذي نعيشه، فهو يتميز بالسرعة وتجاوز الحدود الجغرافية، ويضرب أقوى جهاز في الإنسان أي جهاز المناعة، لذا فإن التوعية الثقافية تتكامل مع أشكال التوعية الأخرى، لأنها تُعَرّف بهذا الفيروس وتلفت الناس إلى منهجية التعامل معه وتنشر سبل الوقاية منه.
إن الثقافة هنا، يجب أن تتجاوز المعنى المعرفي لكي توجه السلوك نحو قيم النظافة والجمال والسلوك القويم، وهذا الوباء هو زمن فارق في فهم الجسم الإنساني وفهم كيف تؤثر الأمراض وتصنع فضاء عاما خاصا، يصبح فيه التواصل متصلا أكثر بالفضاء الافتراضي، وتتواصل النقاشات والحوارات المعرفية بين النخب حول السبل لأجل رسم معالم ثقافية جديدة تعطي للجسد دوره وقيمته، وتربط بينه وبين ما يوجب الاعتناء به أو أخلاق العناية، كما يمكن للثقافة هنا أن تستثمر الشريعة الدينية في أهمية النظافة وملامسة الوضوء خمس مرات في اليوم، وأهمية الاستنشاق و الاستنثار وأثر هذا كله على تقوية الجهاز المناعي للإنسان. إن علاج هذا المرض ليس علاجا بيولوجيا خالصا، ولا إرشادات وقائية فقط، وإنما هو سؤال عميق حول هيئة الإنسان في الكون، ونحن من خلال هذا المرض نكتب جرحا رابعا للإنسان، فبعد الجرح الذي فكك بموجبه كوبيرنيكوس مركزية الإنسان من خلال الكشف عن أن الأرض ليست هي محور العالم والكون، وبعد فكرة داروين التي ادعى فيها أن أصول الإنسان من كائنات أدنى منه في القيمة، وبعد الجرح النفسي مع فرويد الذي كشف به تأثير دائرة اللاوعي أكثر من الوعي. ها نحن اليوم ضمن جرح نرجسي جديد هو جرح كورونا، الذي أبان عن هشاشة قدرة الإنسان أمام فيروس ربما يكون قد جاءه من كائنات يدّعي أنه أهم منها في القيمة. إنه جرح جديد للإنسان يعرف من خلاله أنه ليس إلها يحيط بكل الأشياء علما، ولا اكتشافاته العلمية كفيلة بالتصدي لما تأتي به صروف الدهر. بل هو إنسان قليل المعرفة ومتسرع كثيرا في الحكم على ذاته والحكم على العالم.
أما الإنسان الميتافيزيقي فيرى أن موت الإنسان بهذه الأشكال السريعة والمرعبة حتى في طريقة دفنها، يرى فيها انتقاما إلهيا أو تجل إلهي من خلال صفة المنتقم، لأن موت الأبرياء بسبب الحروب والقتال، وسكوت الإنسانية عن هذا مدعية بُعدها عن هذا الأمر، لا يحل المشكل، بل إن مكر التاريخ يجعل لتلك الأرواح البريئة حضورها ونظرها إلى حال الإنسان المعاصر.
وبهذا، فإن المثقف فضلا عن إرشاداته الطبية التي يشترك فيها مع الكثير، يكتشف المعاني الفلسفية والدلالات الثقافية حول قيمة الإنسان ومستوى وعيه، وهل يبقى بهيئته القديمة في هذا العالم أم أنه لابد له أن يجدد الطريق لأنه كما قال أفلاطون “لا يمكن لناقض الكمال أن يكون معيارا للكمال؟”.
كلمته: حورية/ ق