أنجز رفيق سليمان نيبيا بحثه الموسوم بـ “أدب الترحال الألماني المكتوب عن الجزائر من 1830 إلى1871. دراسات عن صورة الجزائر، وصف رحلاتها وتقاريرها” سنة 1979 في لايبتسيغ بألمانيا، وهو في الأصل رسالة تقدم بها المؤلف لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة من جامعة لايبتسيغ سنة 1978.
يعطي الكاتب مدخلاً تاريخياً للعلاقات الألمانية الجزائرية قبل وبعد الغزو الفرنسي للبلد الذي شكل قبلة ووجهة لسفر الألمان بعد 1830. فقد عرف البلد عند الفرنسيين “بالجزائر”، لكنها عرفت في أدب أوروبا أكثر “ببلد البرابرة”. وأعلن الباحث في دراسته هذه عن الغاية منها، وهي تحقيق وظيفتين: الأولى هي عرض حقيقة البلد وجهة السفر وعلاقته ببلد الانطلاق مع ذكر دواعي سفر الألمان إليه. والوظيفة الثانية هي تحليل أدب الترحال الذي كتبه الألمان عن الجزائر. وخصص النصيب الأكبر في دراسته لتحليل مؤلفات الرحالة شيمبر وفاغنار ومالتسان وهيرش والأمير بوكلار والمرأة الرحّالة فون شفارتس.
ووضع المؤلف مجموعة من الجداول المبيّنة والملخصة والشارحة لأهم الرحالة الذين زاروا الجزائر، وخطاطة تلخص أنواع وأهداف وغايات الأدب الرحلي قيد التحليل في الدراسة، ودوافع السفر ونتائج هذه الرحلات، حيث نميز بين الرحالة من خلال الأصل التكوين والدوافع، ومن خلال رسالة هؤلاء الناتجة عن خطابات كتاباتهم، وهي تؤثر بوعي أو دون وعي في القارئ، فهي تمتعه كما لو كان شارك في الرحلة بنفسه، وتخبره بمعلومات علمية أو تجمع بين المتعة والعلم. وقسّم الكاتب الأدب الرحلي إلى أربعة أقسام، أدب ينتمي إلى الوصف الرحلي وهدفه علمي، وأدب ينتمي إلى الوصف الرحلي وهدفه نقل التجارب والمعايشات، وأدب رحلي جمع بين الصنف الأول والصنف الثاني، إضافة إلى نصوص لمستوطنين وضباط حرب واستعماريين.
ويُبرز المؤلف في دراسته لأدب الرحلة مدى ارتكاز هذه الكتابات على”التبليغ” و”الفهم”. فلم يهتم المؤلفون بالأسلوب أو بالشكل، أي إن المؤلفين لم يهتموا في مؤلفاتهم بالمجال الفني للكتابة.
ويقول المؤلف بأن الرحالة الألماني الذي يزور الجزائر لأول مرة يواجه في كل مكان ثقافة شرقية. وكان الحكم على هذا العالم وتقييمه مختلفاً. فبعضهم اعتبر البلد لا ثقافة له، ويصف بهذا المعنى الجزائر ببلاد البرابرة. وجعل آخرون من الثقافة الجزائرية موضوع بحثهم ودراستهم.
ويقول المؤلف إن أغلب الكتابات الرحلية التي ظهرت عن الجزائر تهمل الجوانب الأدبية، لأن هدف مؤلفيها ليس أدبياً، باستثناء كتاب الرحالة الأمير بوكلار-موسكاو والرحالة هاينريش لاوبه اللذين نلمس فيهما التأثر بهاينريش هاينه وكتابه الأدبي الهام جداً “صور رحلية”. ولهذا حاول الكاتبان أن يركزا على إظهار روح “ألمانيا الفتاة” في كتابهما.
وركز الباحث على ما تحتويه الكتابات الألمانية عن الجزائر من معلومات عن المجتمع الجزائري وتنظيمه وطريقة عيش المحليين. وعلى المستوى التاريخي والسياسي قدم الرحالة الألمان كشهود عيان الكثير من الوثائق الثمينة التي تدين الإستعمار الفرنسي في الجزائر، مثل ما قدمه (فاغنر) من شهادات عن حملات الفرنسيين ضد القسطنطينية وشهادات أخرى كثيرة عن المعاملات التي تمت بين الأمير عبد القادر والفرنسيين. ويخلص المؤلف إلى أن الكتابات الألمانية التي اعتمدها في دراسته هذه لها قيمة توثيقية أكثر من كونها قيمة أدبية، لأنها تؤدي وظيفة تبليغية وإخبارية. واختار الكاتب نصوصاً تواجهت مع الثقافة الجزائرية، فشكل عرض العادات والتقاليد للمحليين الجزء الأكبر والأهم من هذه الكتابات. وتناولت هذه الكتابات أيضاً الأوضاع السياسية وأوضاع الحرب في أول مستعمرة أوروبية في شمال إفريقيا. وظلت صورة الجزائر صورة مستمرة متواصلة تعيد صياغة ما عايشه ولاحظه هؤلاء الرحالة.
ب/ص