الدكتورة فتيحة شفيري تفتح قلبها لـ “الموعد اليومي”: أسعى بمشاركتي في الملتقيات الدولية إلى رفع اسم بلدي الجزائر عاليا

elmaouid

 التظاهرات الخاصة بالطفل آنية ومناسباتية

 الكتابة عن الطفل وللطفل في الجزائر ما تزال في مهدها

 بسبب اتكال الطفل على الأنترنت في انجاز بحوثه المدرسية تراجع ذكاؤه

فتيحة شفيري أستاذة جامعية بقسم اللغة العربية والآداب بجامعة امحمد بوقرة ببومرداس، متحصلة على شهادة دكتوراه في تخصص قضايا الأدب ومناهج الدراسات، وكان عنوان الرسالة التي ناقشتها عام 2014

“فضاء قسنطينة في الرواية الجزائرية”، وهي متخصصة أيضا في أدب الطفل وشاركت في عدة ملتقيات وطنية ودولية، ولها بعض المؤلفات منها كتاب نقدي بعنوان “خصائص مسرج العبث في المسرح العربي” ومجموعة قصصية بعنوان “الجنون”.

وفي هذا الحوار الشيق مع “الموعد اليومي” تحدثت الدكتورة فتيحة شفيري عن مشاركتها في عدة ملتقيات وطنية ودولية، وعن اهتمام طفل اليوم بالوسائل التكنولوجية الحديثة وعزوفه عن المطالعة وأمور أخرى.

 

حاورتها: حورية/ ق

 

* من كتابة الخاطرة إلى القصة، ما دوافع هذا الإتجاه؟

** الإبداع عالم ساحر، فيه أجد ذاتي وإنسانيتي ووجودي، فيه أحلق بعيدا عن العالم المادي الذي أحياه وعن همومه ومصاعبه، عن عراقيله ومثبطاته، فيستفزني الورق الأبيض الناصع لأخط فيه كلمات أعيشها أو يعيشها غيري لأدفن الألم وأحيي كل مرة أملا متجددا.

كانت البداية مع الخاطرة، فنشرت بعضها في صحف عديدة مثل “الخبر” و”الشروق” اليومي سنوات العشرية السوداء، عبرت في هذه الخواطر عن ذاتي في وطن عانى موتا مجانيا،، عن بلد تمنيته عروسا يفرح رغم الألم الذي كان ينخره ويقضي على ذواتنا ساعتها.

ومع المطالعة الكثيرة للقصص والروايات المختلفة عربية كانت أم أجنبية، وبتشجيع من أستاذي الرائع والقاص أحمد منور، قررت الانتقال إلى عالم القصة القصيرة تحديدا، فبدأت أركز على الحدث وأحاول أن أنسجه مع شخصيات من الواقع المعيش راصدة صورا حية عشتها أو تلك التي أتقاسمها مع غيري وكانت النتيجة “المجنون”، وهي مجموعة قصصية صادرة عن دار فضاءات الأردنية لسنة 2017، لكن رحلة الإبداع لن تتوقف مسيرتها عند هذا الحد ما دام قلمي ينبض حياة وما دامت الأوراق البيضاء الناصعة تستفز كلماتي، لذا قررت ولوج عالم الرواية لأقدم تفاصيل ما أعيشه وما يعيشه غيري في وطن ما زال يئن وما زال يعيش ملامح فرح باهتة ترتسم فجأة في سمائه.

 

* كانت لك عدة مشاركات في ملتقيات وطنية ودولية، ماذا تقولين عنها؟

** مشاركاتي في الملتقيات المتعددة سواء هنا في الجزائر أو خارجها جعلتني أطور معارفي العلمية وأشق طريق البحث بكل ثقة وحماس، ساعية في الوقت ذاته لخدمة لغتي العربية والتأكيد على أن الجزائر ليست قطعة من فرنسا ولن تكون، وأقول هذا ردا على إخواننا المشارقة الذين يعدون الجزائر فرنسية بسبب المغالطات الإعلامية التي تحاول تعتيم صورة اللغة العربية ببلادنا.

كما أسعى من خلال الملتقيات الدولية خاصة إلى رفع اسم بلدي الجزائر عاليا وأدبها المتنوع ثانيا، أما ثالثا فهو الإشهار باسم جامعتي التي أعتز كثيرا بالانتساب إليها وهي جامعة امحمد بوقرة ببومرداس، فهي من احتضنت الأستاذة فتيحة شفيري وشجعتها وأخذت بيدها لتدرس أجيالا ستحمل بدورها مشعل العلم والمعرفة.

 

* حدثينا عن ملتقى اللغة العربية وآدابها الذي كان في الهند؟

** كيرالا هذه المنطقة السياحية الجميلة الواقعة جنوب الهند متميزة في ترحابها وفي عشق مسلميها للغة العربية، وقد وقفت على هذا العشق للغة العربية مع أساتذة وطلاب قسم اللغة العربية وآدابها، فهم يحرصون على التكلم بها دون أخطاء وهذا الأمر أسعد كل من شارك في الملتقى الأول حول أدب الطفل، واهتمامهم بهذا الأدب شجعني على تقديم محاضرة حول “شخصية الطفل في القصة المغاربية” تناولت فيها جمالية النص بين قصة “فاطمة” للتونسية حياة الرّيس و”بائعة الخبز” للقاص الجزائري أحمد منور، وكم كان التجاوب رائعا من قبل الطلبة الهنود الذين أرادوا معرفة المزيد عن أدب منطقة المغرب العربي وتحديدا الجزائر، وهذا شرف لي أني قدمت أدب المنطقة التي أنتمي إليها والبلد الذي يسري دمه في عروقي.

 

* ما هو سر تخصصك في أدب الطفل؟

** درّست لسنوات عديدة في التعليم الابتدائي قبل أن ألتحق بالتعليم الجامعي، فتعلقت بالأطفال ودخلت معهم عالم البراءة بكل حب وشغف، وقد كنت حريصة على أن يشارك تلاميذي في كل تظاهرة ثقافية إما تمثيلا مسرحيا أو نشاطا إنشاديا، بل كنت أشجعهم على الإبداع في أي جنس أدبي شعرا كان أم قصة أم مسرحية، ومن هذا العالم الرائع إذن تولد اهتمامي بأدب الطفل فقررت التركيز عليه والإحاطة به ليكون مرافقي في الجامعة التي أدرس فيها وهي جامعة امحمد بوقرة ببومرداس وتحديدا بقسم اللغة العربية وآدابها، فأنا أدرسه منذ سنوات وأشرفت على العديد من مذكرات الماستر تناولت هذا الأدب وأجناسه المتنوعة، بل ونظمت له ملتقى في 2014 بعنوان “التنشئة الثقافية للطفل الجزائري”، وما زال الدرب متواصلا في هذا المجال ليعرف هذا الأدب مكانة سامية تليق به، فهناك رسائل دكتوراه في جامعات الوطن احتضنت هذا الأدب وأفردت صفحاتها له.

 

* ما تقييمك لواقع أدب الطفل في الجزائر حاليا؟

** ما يزال أدب الطفل في الجزائر أدبا محتشما، فالاهتمام به ما زال في طور النمو لأن الكتابة فيه وعنه ما تزال في مهدها على الرغم من المحاولات الجادة التي تظهر في الساحة الإبداعية والنقدية، وخير مثال ما يقدمه الأستاذ الجامعي والناقد المتميز العيد جلولي، الذي يعد أكثر الشخصيات الثقافية حضورا في الكتابة النقدية المهتمة بأدب الطفل وله مني كل التقدير والاحترام، كما تحتفي المكتبة الجزائرية بجهود مبدعين متميزين على غرار أحمد منور، جميلة يحياوي ولطيفة عثماني وندى مهري وغيرهم من الأقلام الجادة التي اختارت الكتابة للطفل الجزائري على وجه الخصوص.

 

* الطفل اليوم متفتح أكثر على ما يقدمه الأنترنت من فضاءات متعددة ورؤى متجددة، ولم يعد يهتم بالمطالعة والقيام بالبحوث المدرسية الميدانية كما كان سابقا، ماذا تقولين في هذا الشأن؟

** طفل اليوم يختلف عن طفل الأمس بسبب ارتباطه الحميمي بعالم الأنترنت، فأصبح بهذا قليل المطالعة أو لا يطالع مطلقا ليقدم الحجة على ذلك أن العصر هو عصر التكنولوجيا وليس عصر الكتب، بل يستهزئ من كل واحد يحب المطالعة ويسعى حثيثا إليها.

وقد دفعت الأنترنت بطفل اليوم إلى الاتكال عليها فيما يخص البحوث المدرسية التي من المفروض أن ينجزها بمفرده. ومن تبعات هذا الاتكال على الأنترنت، تضاؤل مستوى الطفل الدراسي وتراجع ذكاؤه وارتفاع درجة خموله، ولا ننسى أن بعض الأولياء سامحهم الله يشجعون أطفالهم على الاتكال المستمر على الأنترنت إما جهلا أو تعمدا، وأصارحك أن خوفي على مصير الأجيال الصاعدة كبير جدا، فاللهم احم أطفالنا من عجزنا وتقصيرنا في حمايتهم.

 

* عدة تظاهرات وفضاءات تخصص للطفل في مختلف المناسبات، ماذا قدمت هذه الأخيرة للبراءة؟

** يجب أن أصارحك أن التظاهرات التي تقام للطفل الجزائري هي آنية، فترتبط مثلا بالمعرض الدولي للكتاب أو بالعطل المدرسية، وهذا هو حال الثقافة في بلادنا، إذ لا توجد استمرارية في النشاط الثقافي إما لجهل القائمين به أو غياب الرجل المناسب في المكان المناسب، لذا أدعو من منبر جريدتكم الموقرة أن تختار وزارة الثقافة رجال ميدان لا رجال كراسي حتى يستقيم عود أدب الطفل وينتج شجرا باسقا يؤُتي ثماره كل حين، فالرجاء إخراج هذا الأدب من المظهر المناسباتي وجعله هواء يتنفسه الطفل تنفسا عميقا يملأ عقله ثقافة وذاته نشاطا وحيوية.

 

* ما يجب فعله لحماية البراءة في الجزائر خاصة في ظل العنف الذي تتعرض له؟

** أضحى العنف سمة المجتمعات عامة والعربية الإسلامية على وجه الخصوص، وهذه السمة ليست خاصة بالكبار فقط بل أضحى مرتبطا بالصغار كذلك، فهو العنف المعنوي والمادي معا، فالسب والشتم موجود والشجار موجود كذلك، وخطورة الأمر تدفعنا لأن نسرع لاحتواء الوضع وحماية جيل بكامله من الضياع لأن دماره هو دمار مجتمع برمته، والعلاج يبدأ من الأسرة، فعلى الوالدين تجنب العنف قدر المستطاع أولا مع بعضهما البعض وثانيا مع الأبناء، كما يجب تحسيس كل المجتمع بمختلف فئاته بالنتائج المدمرة التي تترتب عن هذه الظاهرة البعيدة كل البعد عن ديننا وأخلاقنا، كما من الضروري تفعيل دور جمعيات حماية الطفولة التي عليها الدفاع المستميت عن حق الطفل في الرعاية النفسية والجسدية.

 

*: في ختام هذا الحوار ماذا تقولين؟

**: أتقدم بشكري لك سيدتي على إتاحة الفرصة لشخصي لأتحدث عن الطفل والأدب الموجه للطفل، راجية أن يتوسع الاهتمام به، وتناوله بالدراسة والتحليل والتأليف من مبدعينا ونقادنا الذين نأمل لهم كل التوفيق والنجاح.