الزخم الدولي للثورة الجزائرية

الدعم العربي اللامشروط… لقلعة الثوار والأحرار

الدعم العربي اللامشروط… لقلعة الثوار والأحرار

ظهر الدعم العربي في تقوية الثورة الجزائرية، حيث لم يكن في وُسع الأنظمة العربية إلا أن تكون في صف الثورة، بتبني مطلب التحرر، والتحرك الدبلوماسي على المستوى الإقليمي والدولي لاستجلاب التأييد العالمي للقضية الجزائرية. ولا شك في أن كل ذلك أعطى زخما دوليّا مهما للثورة الجزائرية.

…وكانت ثورة التحرير الجزائرية تتويجا لمسار طويل من المقاومة الشعبية السياسية والمسلحة، ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد، بداية بمقاومة الأمير عبد القادر الجزائري (1832 إلى 1847)، ثم مقاومة أحمد باي (1837 إلى 1848)، مرورا بمقاومة الزعاطشة (1848 إلى 1849) ولالّة فاطمة نسومر والشريف بوبغلة (1851 إلى 1857)، وصولا إلى مقاومتي الشيخ المقراني والشيخ بوعمامة (1871 إلى 1883).

داخل جسد حركة الحريات، تشكّلت منظمة عسكرية سرية مكونة من بعض المناضلين المتحمسين لإطلاق ثورة مسلحة، على خلفية ظروف داخلية وخارجية اعتبروا أنها مواتية، خصوصا بعد مجازر 8 ماي 1945، (راح ضحيتها 45 ألف شهيد)، ارتكبتها فرنسا ضد الجزائريين المطالبين بحق الاستقلال على إثر الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية.

كما شكّل انهزام الجيش الفرنسي في ديان بيان فو؛ بالهند الصينية سنة 1952، دافعا مهما لإطلاق ثورة جزائرية، انسجاما مع تنامي وانتشار حركات التحرّر في العالم.

 

 دول عربية انتصرت لثورة الجزائر

لم يكن في وُسع الأنظمة العربية إلا أن تكون في صف الثورة، بتبني مطلب التحرر، والتحرك الدبلوماسي على المستوى الإقليمي والدولي لاستجلاب التأييد العالمي للقضية الجزائرية. ولا شك في أن كل ذلك أعطى زخما دوليّا مهما للثورة الجزائرية.

“إن الواقع العربي اليوم بتأزماته وخلافاته وانقساماته وإحباطاته يفرض على المثقف العربي أن يستعيد ذاكرته التاريخية ويستحضر الماضي، ليسترجع ثقته بحاضره، فيستعيد اعتزازه بماضيه وتفاؤله بمستقبله، ليعيد إلى الواقع تلك الصور المشرقة من مظاهر التضامن والتآزر والتلاحم التي عاشتها الشعوب العربية والتي مكنتها من تحقيق مكاسب تاريخية غيرت مجرى التاريخ العربي المعاصر”.

وفي الذكرى الـ69 لاندلاعها المصادفة للفاتح من نوفمبر ، نستحضر صورًا من المساندة القومية لثورة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.

فقد ظهر تضامن البلدان العربية وشعوبها منذ الوهلة الأولى لانطلاق الثورة، بشكل متفاوت الحجم والنوع في الميدان، لأن بعضها كان لا يزال يعيش هو نفسه تحت الاحتلال.

 

أرض الكنانة كانت أول وأكبر الداعمين

الوفد الخارجي للثورة الجزائرية في مهمة دبلوماسية بمصر (أرشيف خاص)

ويُجمع المؤرخون على أن أرض الكنانة كانت أول وأكبر الداعمين لها، ومن إذاعتها انطلق نداء أول نوفمبر إلى العالم، وكانت أهم مصدر للدعم المادي بالسلاح والمال، حتى اعتبرت فرنسا أن جسم الثورة موجود في الجزائر ورأسها بالقاهرة، على حد وصف المؤرخ بشير ملاح.

ونسّقت “المنظمة الخاصة” خلال فترة التحضير لتفجير الثورة مع الرئيس جمال عبد الناصر، وهو الوحيد الذي تم إبلاغه سلفا بالقرار عن طريق الوفد الخارجي بالقاهرة.

وتعهّد بأن يكون مع الثورة إلى النهاية، ويمدها حالاً بما يمكن من سلاح خفيف، وأن يسعى لدى الدول العربية، وخاصة السعودية، لكي تمولها بالمال. وأمر فتحي الديب وعزّت سليمان أن يكونا مع الوفد الجزائري دوما، ممثلين له شخصيا، في حين كتم الأمر على عدد من وزرائه.

وصدرت التعليمات للملحقين العسكريين المصريين أينما كانوا بأن يكونوا في خدمة الحركة الجزائرية، وفق ما نقله حرفيا المجاهد الجزائري أحمد توفيق المدني في مذكراته.

ورمت بثقلها الدبلوماسي في دعمها عبر المحافل الدولية، إلى درجة تهديد عبد الناصر للرئيس السوفياتي ميخائيل خروتشوف، مع ما بين البلدين من مصالح إستراتيجية حينها، في حال قبوله دعوة شارل ديغول لزيارة الجزائر.

كما أدت دورا هاما لمساندة الثورة الجزائرية خلال مؤتمر باندونغ (1955) لمنظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية، مثلما مارست ضغوطها على فرنسا، وداخل الأمم المتحدة خلال فترة المفاوضات، لتأكيد دعمها الكامل لاستقلال الجزائر.

 

ليبيا ….والدعم عبر الحدود البرية

ومن جانب آخر، يذكر توفيق مدني أن ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي أمر فور مقابلته في قصره بتمرير السلاح القادم من مصر عبر الحدود البرية الليبية، لتتحوّل أراضيها إلى قاعدة خلفية ولوجستية وسياسية ومستودعات أسلحة للثورة الجزائرية وإلى مراكز تدريب وشبكات تسليح. كما وفرت إقامة خاصة لقيادة جبهة التحرير، حيث أمّنت تنقلاتهم دون مراقبة أو إزعاج، بشهادة توفيق مدني.

وكشف رئيس الجزائر الأول أحمد بن بلة أن الثورة انطلقت في بدايتها بـ400 قطعة من البنادق الإيطالية وصلت سرا من ليبيا.

ويؤكد المؤرخ الطاهر جبلي أن تهريب الأسلحة لاحقا من مصر إلى الجزائر، عن طريق شاحنات التجار الليبيين، كان يتم تحت رقابة الحكومة الليبية، وبتغطية منها، بأوامر من الملك إدريس نفسه.

كما مارست ليبيا ضغوطا على رئيس الحكومة التركية عدنان مندريس، وأقنعته بتقديم أسلحة حديثة للثوار الجزائريين، تحت غطاء هدية حربية إلى ليبيا، ترميما للعلاقة مع العرب الغاضبين من موقف تركيا الأممي.

أما على المستوى الشعبي، فقد تشكلت “لجنة مناصرة الشعب الجزائري”، وكان مقرها في بيت رجل الأعمال الهادي المشيرقي، حيث تكفلت بجمع التبرعات والدعاية.

كما ظهرت في طرابلس لجنة مقاطعة فرنسا، والتي نجحت في دفع الشركات الليبية إلى عدم استيراد البضائع وقطع الغيار الفرنسية من أي بلد.

تونس.. جبهة واحدة

Demonstrators supporting the independence of Algeria parade through the streets of Tunis on May 1, 1956 by displaying flags and banners of the FLN (Front of National Liberation). (Photo by - / INTERCONTINENTALE / AFP) (Photo credit should read -/AFP via Getty Images)

من جهتها، مثّلت تونس البوابة الشرقية للدعم وإدخال المؤونة الحربية، فقد اعتبر القيادي التونسي يوسف صالح استقلال بلاده ناقصا ما لم تستقل الجزائر، واضعا رجاله المقاومين السابقين للاحتلال الفرنسي تحت تصرف الثورة الجزائرية.

وكتب المجاهد عثمان سعدي “بإمكاننا القول إن عددا لا بأس به من الثوار التونسيين التحقوا بصفوف جيش التحرير الجزائري، وفي خضم المعركة استشهد مجاهدون تونسيون، والباقون استمروا في الكفاح معنا”.

وتعهدت تونس رسميّا يوم 22 جانفي 1957 بنقل السلاح إلى الثورة بموجب اتفاق ثنائي في القاهرة.

وأعفت من الضرائب والرسوم الجمركية كل سلعة أو تجهيز يخص الحكومة الجزائرية المؤقتة أو جيشها، كما جعلت بنوكها مستودعا للتبرعات المالية، بحسب الأكاديمي إسماعيل دبش.

وانتقاما من موقفها، راحت فرنسا تدمر القرى، وتقوم بأعمال وحشية ضد التونسيين، من أبرزها أحداث ساقية سيدي يوسف في السابع من فيفري 1958.

 

المملكـة العربيـة السعودية …و الدعم اللا مشــروط للثورة الجزائريـة

وثائق تاريخية تكشف دعم السعودية لكفاح الجزائر - الأخيرة : البلاد

تبنّت المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا القضية الجزائرية، منذ اندلاع ثورة التحرير، واعتبرتها امتدادا للعمق العربي المشترك، ولم تبخل بتقديم  الدعم المادي أو المعنوي، رغم معارضة فرنسا وحلفاءها، الكثير من جيل اليوم يجهل مساندة المملكة العربية السعودية وكل ملوكها وأمراءها لثورة التحرير، ولذلك وجب علينا الإشادة بهذا الدعم، والجزائر لا تنسى من وقف إلى جانبها في محنتها إبان الحقبة الاستعمارية.

بتاريخ 5 جانفي، 1955 أي شهران بعد اندلاع الثورة، تقدم ممثل العربية السعودية بنيويورك إلى الأمم المتحدة بطلب النظر في القضية الجزائرية التي يعاني شعبها من تسلط وبطش استعماري بغيض. وحملت المملكة عبر ممثلها أحمد الشقيري المسؤولية الكاملة لفرنسا عما يحدث للجزائريين، واستطاعت إقناع أربعة عشر دولة افريقية وآسيوية من الدول المشاركة في دورة الأمم المتحدة عام 1955، دعم طلب إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأوكل مجلس الجامعة العربية في دورته التاسعة، المهمة إلى المملكة العربية السعودية، كي تعرض القضية الجزائرية على مجلس الأمن، وهذا ما دفعها إلى إرسال برقية إلى أمانته في 5 جانفي 1955، لفتت فيها نظر أعضائه إلى العمليات التدميرية العسكرية التي تقوم بها فرنسا ضد الشعب الجزائري العربي والرامية إلى تصفية ثورته الوطنية، وطمس مقوماته وخصائص الحياة القومية والثقافية لهذا الشعب الأعزل.

ووجه الوفد السعودي إلى المجموعة الأفرو آسيوية، نداء ألّح فيه على ضرورة مناقشة القضية الجزائرية، على اعتبار أن التواجد الاستعماري الفرنسي في الجزائري يعرض السلم والأمن الدوليين إلى الخطر.

دعم الكتلة الافرو-آسيوية للعمل السعودي من أجل قضية الجزائر، أرغم الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت ضغط الأغلبية، على الموافقة على إدراج القضية مبدئيا، ما شكل انتصارا للثورة الجزائرية.

تمكن الحلف الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية من إبطال فكرة إدراج القضية الجزائرية مدعما فرنسا في موقفها، ما أغضب بعض الدول من الكتلة الافرو-آسيوية بزعامة الوفد السعودي الذي جاء رده قوّيا على لسان رئيسه: «كان على فرنسا بدلا من أن تنسحب، أن تواجه الأمم المتحدة، وتجعل الرأي العام هو الفيصل، بل إنه كان على فرنسا أن تنسحب من الجزائر قبل الانسحاب من الأمم المتحدة».

عادت المملكة العربية السعودية عبر ممثلها أحمد الشقيري لطرح القضية الجزائرية من جديد في 1956، وطالبت بإدراجها في جدول أعمال الأمم المتحدة مدعمة من طرف الكتلة الأفرو-آسيوية، وفي دورة 1956، كشف الوفد السعودي لوفود الدول الحاضرة في الجمعية العامة جرائم الاستعمار الفرنسي المرتكبة في حق الجزائريين من تعذيب والتقتيل الفردي والجماعي.

ووجه ممثل الوفد السعودي كلامه إلى دول الحلف الأطلسي التي أزاحت القضية الجزائرية من جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال: «كيف تقفلون أبواب الأمم المتحدة في وجه القضية الجزائرية، نحن لا نريد لفرنسا إدانة ولا إهانة، كل ما نريده هو الوصول إلى حل سلمي ديمقراطي وفق أهداف الأمم المتحدة»