لا تمثّل ذكرى 1 نوفمبر 1954 مناسبة خاصّة فقط بالجزائريين بمناسبة اندلاع ثورة التحرير ضد المحتل الفرنسي والتي تُوجّت بالاستقلال عام 1962، بل هي عنوان لخيار الكفاح المسلّح ضد الاحتلال في الوطن العربي، ومناسبة، كل عام، لاستذكار معاني التضامن والوحدة العربيين.
اندلعت الثورة بقيادة جبهة التحرير الوطني، واحتضنها الوطن العربي ودعمها، بالرجال والسلاح والمال، إضافة للمواقف الدبلوماسية العربية في التجمعات الدولية حينها، معبّرة عن وحدة الموقف العربي دعمًا وإسنادًا لثورة الجزائريين ضد المحتل الذي اغتصب الأرض طيلة 130 عامًا.
ومثلت تونس، طيلة سنوات الثورة الممتدة على 8 سنوات، قاعدة خلفية للثورة الجزائرية، إذ احتضنت قيادات الثورة، ووفّرت الإمداد بالمال والسلاح عدا الرجال الذي انخرطوا في العمليات المسلحة داخل التراب الجزائري ضد القوات الفرنسية.
يقدّر دارسو التاريخ العسكري للثورة أن 80 في المائة من السلاح تم تهريبه عبر الأراضي التونسية. وقد أُمضي بداية عام 1957 اتفاق لتسليح الثورة الجزائرية جمع الحكومة التونسية مع جبهة التحرير الوطني إثر لقاء انعقد صيف 1956 في القاهرة، وتضمّن تعهّد الحكومة التونسية بنقل الأسلحة التي تصلها عبر الحدود إلى الجزائر مع تسلميها لمن تعيّنه جبهة التحرير.
وتم إنشاء لجان مشتركة، تونسية-جزائرية، مكلّفة بتمرير الأسلحة، وقد وضعت تونس ثكنات جيشها تحت تصرف جيش التحرير الجزائري لتخزين الأسلحة والعتاد. وقد بلغ عدد الأسلحة المُهربة بين جانفي وجويلية1957 أكثر من 9 آلاف قطعة سلاح.
وذكرت تقارير فرنسية وقتها أنه مع منتصف ماي 1957، كان معدّل مرور قوافل السلاح يوميًا، وكانت الكمية الكبيرة تأتي من ليبيا عبر تونس، خاصة بعد زوال المراقبة الفرنسية على الموانئ التونسية. وخصصت تونس شاحنات للحرس الوطني لشحن الأسلحة العابرة ونقلها إلى مراكز التخزين بتونس قبل تهريبها إلى الجزائر.
وتبيّن الدراسات التاريخية أن السلاح تم تهريبه عبر تونس عن طريق 3 مسارب: مسرب جربة عبر الزوارق الصغيرة، ومسرب زوارة ومن ثمّ إلى بنقردان ويدخل الجزائر بواسطة الجمال إلى منطقة الأوراس، وأيضًا عبر وسائل أخرى لسوق الأهراس، إضافة لاعتماد الشاحنات الصغيرة القادمة من مصر/ليبيا/تونس ليتم التهريب عبر الجمال.
وفي جانب آخر، جمعت الثورة الجزائريين بين الإخوة الخصوم في تونس، أي السلطة الجديدة بقيادة الحبيب بورقيبة والمجموعات المقاومة بقيادة صالح بن يوسف، إذ رغم المعارك الدائرة بينهما فجر استقلال تونس عام 1956، عملا على إسناد الثورة الجزائرية، وكان يتم تهريب الأسلحة أحيانًا تحت حماية قوات رسمية تونسية أو المقاومين اليوسفيين الذين لم يسلموا أسلحتهم.
كما احتضنت تونس مراكز للتدريب وجمع الأسلحة والتموين لجبهة التحرير منها مركز ملاق، ومركز حمام سيالة، ومركز قرن الحلفاية ومركز الزيتون وهو قريب من مركز القيادة العامة بغار الدماء وكانت تضم هذه المراكز أكثر من 22 ألف مجاهد بحلول عام 1962.
وامتلك جيش التحرير الوطني، خاصة بعد تأسيس الحكومة الوقتية الجزائرية عام 1958، مقرّات ومحلّات ذات صبغة عسكرية بتونس على غرار مقر خلية الحزب الدستوري بباب سعدون لتخزين الأسلحة، ومقر في خزندار للتدريب النظري لعناصر الجبهة إضافة لاستغلال ثكنة راس الطابية بالعاصمة تونس كمركز للأسلحة الخاصة بالجبهة.
وشارك التونسيون أيضًا في العمليات العسكرية للثورة الجزائرية، وتؤكد تقديرات ارتقاء أكثر من 500 شهيد تونسي بين 1955 و1958 مع سجن أكثر من 1200 تونسي.
وتظلّ مجزرة ساقية سيدي يوسف، التي جدّت يوم 8 فيفري 1958، والتي راح ضحيتها 68 مدنيًا من تونس والجزائر إثر قصف قوات المستعمر الفرنسي للسوق الأسبوعية في القرية التونسية الواقعة على الحدود الجزائرية، شاهدًا على تلاحم دماء الشعبين التونسي والجزائري في مواجهة المحتل الفرنسي.