الدعاء في عشر ذي الحجة

  الدعاء في عشر ذي الحجة

لقد ربط الله أيام الحج بالأمر بالتقوى، لعظم هاتين العبادتين فقال الله جل الله ” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ “. فأمر الله تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك، فإن التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين، والكف عن أموالهم سؤالاً واستشرافاً، وفي الإكثار منه نفع وإعانة للمسافرين، وزيادة قربة لرب العالمين، وهذا الزاد المراد منه إقامة البنية. وأما الزاد الحقيقي المستمرُ نفعه لصاحبه في دنياه وأخراه فهو زاد التقوى الذي هو زادٌ إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة وأجلِّ نعيمٍ دائم أبداً.

ومن الزاد العظيم الذي نستدفع به البلاء والوباء ونرفع به الدرجات والعطاء: العمل الصالح في هذه الأيام المباركة فلا زال في الأمر الوقت متسع، ” وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ “، يعني أيام عشر ذي الحجة على قول أكثر المفسرين، وثمة لفتةٌ في هذه العشر وهي: الذكر والتكبير، والإلحاح بالدعاء وكثرته فنحن بحاجة إلى الدعاء في كل وقت.. كيف وقد اجتمعت خير أيام الدنيا ونحن نمر بظرف هذا الوباء عافانا الله والمسلمين منه ودفعَه ورفعَه، وَلَقَدْ كَانَ الدُّعَاءُ سِلَاحَ الْمُرْسَلِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الصَّالِحِينَ فِي مُوَاجَهَةِ كل بلاء وفتنة وكل معترك في الحياة.. فيُلِحُّونَ وَيُلِحُّونَ حَتَّى يَتَنَزَّلَ نَصْرُ اللهِ تَعَالَى، ويرفع الله ما بهم، يدعون دُعَاءَ مَنْ أَخَذ بِأَسْبَابِ الْإِجَابَةِ، وَجَانَبَ مَوَانِعَهَا.

وكانوا يقصدون الدعاءَ في الأماكن والأزمنة الفاضلة ويلحون فيها كعشر ذي الحجة.. وكَانَتْ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى فِيهِمْ إِجَابَةَ دُعَائِهِمْ، وَنَصْرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَذَكَرَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ؛ ” وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ.. “، وَكَانَتْ نَتِيجَةُ اسْتِنْصَارِهِمْ بِاللهِ تَعَالَى وَدُعَائِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ” فَآَتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآَخِرَةِ “. قال ابن القيم رحمه الله: ” وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء في عشر ذي الحجة، ويأمر فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد “.

وأمّا يوم عرفة يوم التاسع من ذي الحجة، فهو يومٌ تُعتَقُ فيه الرِّقابُ، ويُسمَعُ فيه الدعاءُ ويُجابُ، وما من يومٍ أكثر من أن يُعتِقَ الله عز وجل فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنُو ثم يُباهِي بهم الملائكةَ، فيقول: ما أراد هؤلاء؟، وخيرُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة، فلنظهر في ذلك اليوم التوبةَ والاستغفار، والتذلُّل والانكِسار، والندامةَ والافتقار، والحاجةَ والاضطرار..