لم تبدأ علاقة المشاهد العربي مع الأعمال التركية حديثاً، بل تجاوز عمرها عشر سنوات، تحديدا منذ عام 2008، حين عرضت قناة MBC المسلسل المدبلج “نور”، من بطولة كيفانش تاتليتوغ وسونغول أودن.
وكانت دبلجته بأصوات نجوم الدراما السورية، مثل مكسيم خليل ولورا أبو أسعد، وحقق رواجاً كبيراً؛ إذ حصل على أعلى نسبة مشاهدة، بأكثر من 85 مليون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتتوالي وراءه سبحة الأعمال المدبلجة، مثل “سنوات الضياع” و”وادي الذئاب” و”العشق الممنوع” وغيرها.
وأصبح الممثل التركي يماثل الممثل العربي، بل يتفوق عليه، شهرةً، حتى إن بعض المهرجانات العربية كرّمت الممثلين الأتراك، مع أن الأعمال كانت تتناول قصصاً عاطفية بسيطة.
مع بداية مرحلة ثورات الربيع العربي وعدم الاستقرار الذي أثّر على صناعة الفنون الدرامية التي توقفت عن التطور، حلّت الأعمال المدبلجة بدور البديل، خاصةً مع تعلّق المُشاهد العربي الذي وجد ضالته فيها، كونها طرحت المشاهد والأفكار المحرّمة وقتذاك.
من جهة أخرى، لا يمكن فصل العلاقات السياسية وصراعاتها عن النواحي الفنية، فكل مرحلة معينة قد تأخذ مواضيعها الدرامية من شكل العلاقات بين الدول، وهذا ما تم ملاحظته خلال فترة التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، حين كانت العلاقات السورية التركية منقطعة، فكانت معظم الأعمال الشامية التي تتناول فترة السلطنة العثمانية تحاول إبراز الأطماع التركية في المنطقة، وسوء معاملة الولاة والجنود للشعب، كمسلسل “الخوالي” الذي عرض الظلم الذي وقع على نصار ابن عريبي، ومحاصرة الحارة وقطع الغذاء عنها، وما هي إلا أعوام قليلة، حتى تحسنت العلاقات؛ فكان البديل عرض الأعمال الشامية التي تتحدث عن فترة الانتداب الفرنسي، وحتى لو عرضت الأعمال أيام العثمانيين، كانت تبتعد عن نقد السياسة وقتها، بل على العكس باتت تمدح القادة الأتراك، مثل مسلسل “أهل الراية”.
ومع اضطراب العلاقات السعودية التركية، تقرّر عرض عمل تاريخي يهاجم الاحتلال العثماني، متخذاً من “ممالك النار” اسماً لوصف تلك المرحلة.
وعلى النقيض، حاولت الدراما التركية تقديم صورة معاكسة، من خلال سرد السيرة العثمانية بشكلٍ يتوافق والانتماء القومي التركي عبر مسلسلي “قيامة أرطغرل” و”المؤسس عثمان”، الذي تحدث عن تأسيس الدولة ونقلها من الضياع والفقر إلى القوة والصلابة.
ولم تكتفِ الفضائيات العربية بعرض الأعمال التركية المدبلجة، بل بدأت بموجة استنساخ الأعمال التركية المعروضة عن طريق تقديم نسخة عربية طبق الأصل عنها، إذ أصبح انتشار الدراما التركية شأناً لا يمكن إغفاله، وبالتالي قد يكون نجاح النسخة العربية مضموناً.
وأصبح الأمر سهلاً اليوم، لا يتطلب سوى شراء المحتوى، مهما يكن، وتحويله إلى العربية بشكلٍ ببغائي، واختيار مخرج يتقن الأمر ليقنع المشاهد بأن التصوير الذي يجرى في إسطنبول هو في بيروت. وهذا ما لم يقنع المشاهد في “ع الحلوة والمرة”، وبدأ فعلاً تصوير النسخة العربية من مسلسل “جرائم صغيرة”، لتأتي بعنوان “جنايات صغيرة”؛ إذ يشترك النجوم السوريون واللبنانيون في بطولته، مثل كاريس بشار، وديمة قندلفت، وقيس الشيخ نجيب، وبديع أبو شقرا، وكارلوس عازار وغيرهم، علماً أن العمل توقف عن التصوير مؤقتاً بسبب الحادثة التي تعرضت لها الممثلة ريتا حرب، ليُعلن مؤخراً عن تصوير نسخة عربية من مسلسل “حرب الورود”، الذي عُرِض في عام 2014، وستشارك في النسخة العربية قائمة كبيرة من النجوم. وتفتح المجموعة السعودية اليوم باباً سيبقى مُشرعاً لمدة طويلة؛ فالجمهور اعتقد سابقاً أن الأعمال المدبلجة موضة كالأعمال المكسيكية، ولكنها لا زالت مستمرة.
ق/ث