عودة الدراما التركية للشاشات العربية ذائعة الصيت وذات الشعبية بعد قطيعة دامت ما يقرب من أربع سنوات لم يقابل بالحفاوة المتوقعة، البعض يرى أن المسلسلات التي اختيرت للانطلاقة الثانية لم تكن بقدر المستوى، والأكثرية ترى أن موسم الانبهار انتهى والمشاهد العربي بات أكثر تطلباً فيما يتعلق بنوعيات القصص المقدمة له، خصوصاً وأننا نعيش عصر منصات المشاهدة المزدهرة.
بدائل متنوعة
مجموعة قنوات mbc كانت سباقة في حشد عدد كبير من المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة الشامية، حيث قدم أصوات شخصياتها مشاهير مثل مكسيم خليل وخالد القيش، وغيرهم من الذين باتوا ماركة مسجلة، ومن ثم سار على خطاها العديد من المحطات العربية، كما كانت المجموعة نفسها سباقة بإيقاف تلك الأعمال بعد التوترات السياسة في المنطقة العربية مع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، ثم من جديد بشرت المتابعين بعودة الأعمال التركية لشاشاتها ومنصاتها بعد انفراج الأزمة. لكن استقبال الجمهور لتلك الأعمال، وأبرزها “عشق منطق انتقام”، لم يكن مبهراً كما كان يتوقع الجميع. وإذا ما قورن الاحتفاء بالأعمال التركية التي انطلق عرضها مجدداً عبر القنوات في المنطقة قبل أسابيع، باستقبالهم لمسلسلات أخرى سواء عربية أو كورية أو إسبانية، سنجد الفجوة هائلة، وبالطبع الحالة هنا لا تشبه أبداً ما كان يحدث قبل سنوات، فمثلاً مسلسل “نور” بطولة سونغول أودان وكيفانتش تاتليتوغ شاهد حلقته الأخيرة عام 2008 نحو 85 مليون عربي، بحسب إحصاءات نشرت حينها، وتم تداولها على نطاق واسع، وللمفارقة فلم يحقق هذا العمل نجاحاً يذكر بين الجمهور التركي. أيضاً حصد مسلسل “سنوات الضياع” نجاحاً فارقاً وشكل هوساً لدى الجمهور العربي وحظي أبطاله بشهرة كبيرة، وفيما بعد حصلت أعمال مثل “فاطمة، على مر الزمان، الزهرة البيضاء، العشق الممنوع، بائعة الورد، ويبقى الحب، حريم السلطان، الأوراق المتساقطة، طائر النمنمة، حب أعمى، نساء حائرات، العشق الأسود” على متابعة كبيرة عبر القنوات العربية، وأعيد عرضها مراراً بسبب الإقبال. وفي أغلب الأوقات تدور الأحداث حول مناورات متصاعدة بين العائلات بسبب علاقات الحب المتشابكة، فهل قصص الحب المبالغ في رومانسيتها والأحداث شبه المحفوظة والمشاهد المتوقعة، التي لا تزال تحفل بها الدراما التركية حتى مع عصر تطبيقات المشاهدة، تسببت بشكل أو بآخر في هذا الاستقبال الفاتر؟.
من ملأ الفراغ؟
الناقد الفني إيهاب التركي، يرى أن المسلسلات التركية كانت تعوض غياب المحتوى الدرامي باقي أيام السنة بعد تخمة شهر رمضان، حيث كانت العادة في المحطات العربية هي عرض الأعمال المهمة فقط في رمضان، ثم إعادة بثها مراراً وتكراراً طوال باقي أشهر السنة، مما كان يصيب المشاهد بالملل، وهنا دخلت الدراما التركية لتملأ هذا الفراغ، لكن هذا الأمر لم يعد موجوداً، فمنصة مثل شاهد شغلت هذا الفراغ بمسلسلات جيدة ومختلفة ومتنوعة طوال العام، مشيراً إلى أن نقل الفورمات العالمية وتعريبها أيضاً أسهم في سحب البساط من تحت أقدام الأعمال التركية. كان من الملاحظ أنه خلال الأربع سنوات الماضية، بخاصة في أول عامين، كان الجمهور العربي يبحث بقوة عن المسلسلات التركية التي تعرضها الشاشات المحلية هناك، وكانت هناك مئات المجموعات وقنوات الهواة عبر “يوتيوب” التي تتيح الحلقات الجديدة من مسلسلات مثل “موسم الكرز، عاصمة عبد الحميد، قيامة أرطغرل” مترجمة، حيث كان يتبادل محبو تلك الأعمال الروابط، ويتناقشون في الأحداث، فقد كان هناك ترحيب كبير بدراما تركت أثراً وأصبح لها جماهير من بلدان عربية مختلفة. وبخلاف القصص العاطفية، كان هناك أيضاً ترويج ملحوظ للأعمال التركية ذات الطابع السياسي، مثل “المؤسس عثمان”، حيث صادفت تلك الأعمال حينها هوى لدى فئة من المتعاطفين والمروجين للمشروع التركي، الذين كانوا يتغزلون بالتاريخ “العثماني”، فالأعمال الفنية طريقة لطالما تستخدمها تركيا للترويج لنفسها سياسياً وسياحياً ودبلوماسيا، وفي أوقات كثيرة بشكل مباشر يتخاصم مع طبيعة العمل الفني بشكل عام.