أنوارمن جامع الجزائر

الخَيْرُ عِبَادَةٌ وَاسِعَةٌ – الجزء الثاني والأخير-

الخَيْرُ عِبَادَةٌ وَاسِعَةٌ – الجزء الثاني والأخير-

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ : إِنَّ فِعْلَ الخَيْرِ لَيْسَ أَمْرًا هَامِشِيًّا فِي الإِسْلَامِ، بَلْ هُوَ مِنْ صُلْبِ الرِّسَالَةِ، وَرُوحِ الشَّرِيعَةِ، وَجَوْهَرِ الإِيمَانِ. لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى، وَوَعَدَ عَلَيْهِ بِالفَلَاحِ وَالفَوْزِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ عَلَامَاتِ الإِيمَانِ الصَّادِقِ. قَالَ تَعَالَى: “لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب وَلَكِنِّ الْبِرُّ مَنَ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّه ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” البقرة: 177. فَأَيْنَ نَجِدُ البِرَّ أيها المؤمنون ؟ إِنَّهُ فِي الإِيمَانِ وَالعَمَلِ، فِي الإِحْسَانِ وَالإِنْفَاقِ، فِي الصِّدْقِ وَالصَّبْرِ، فِي فِعْلِ الخَيْرِ بِكُلِّ صُوَرِهِ وأشكاله، وَهُوَ السَّبِيلُ إِلَى التَّقْوَى وَالصِّدْقِ عِنْدَ اللَّهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ”. رواه مسلم. تَأَمَّلُوا هَذَا يَا عِبَادَ اللَّهِ، إِمَاطَةُ الأَذَى، عَمَلٌ يَسِيرٌ، لَكِنَّهُ مِنَ الإِيمَانِ! فَكَيْفَ بِمَنْ أَطْعَمَ جَائِعًا، أَوْ فَرَّجَ هَمًّا، أَوْ أَعَانَ ضَعِيفًا، أَوْ رَفَعَ ظلماً، أَوْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ، وَلِهَذَا كَانَتْ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا كَانَ أَنْفَعَهَا لِعِبَادِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ”. رواه الطّبراني وَهَذَا هُوَ لُبُّ الإِسْلَامِ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، ثُمَّ تُحْسِنَ إِلَى خَلْقِهِ. عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ لِفِعْلِ الخَيْرِ ثِمَارًا يَانِعَةً، وَفَضَائِلَ عَظِيمَةً، وَبَرَكَاتٍ تَتَنَزَّلُ عَلَى العَبْدِ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، لا يَعْلَمُهَا إِلَّا مَنْ ذَاقَ حَلاوَتَهَا، وَسَارَ فِي طَرِيقِهَا، وَصَدَقَ فِي نِيَّتِهِ. فَمِنْ أَعْظَمِ ثِمَارِ فعل الخير: الفَلَاحُ الحَقِيقِيُّ، ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ الَّذِي نَرْجُوهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَهُوَ المرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: “وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” الحج: 77. وَمِنْ ثِمَارِهِ: الطُّمَأْنِينَةُ فِي القَلْبِ، وَالرَّاحَةُ فِي النَّفْسِ، وَالسَّكِينَةُ فِي الحَيَاةِ، فَالمُحْسِنُ دَائِمًا يَعِيشُ فِي ظِلِّ رِضَا ربه، يَشْعُرُ بِقُرْبِهِ، يَرَى أَثَرَ عَطَائِهِ، يَجِدُ البَرَكَةَ فِي رِزْقِهِ وَأَهْلِهِ وَوَقْتِهِ. وَمِنْ ثَمَرَاتِ الخَيْرِ: مَحَبَّةُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ، وَمَحَبَّةُ النَّاسِ وَثَنَاؤُهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا، نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادَى فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ”. رواه مسلم. عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ الحَدِيثَ عَنِ الخَيْرِ لَا يَكْتَمِلُ إِلَّا بِالدَّعْوَةِ إِلَى العَمَلِ بِهِ، فَالخَيْرُ لَا يُرْجَى بِالأَمَانِيِّ، وَلَا تُقْطَفُ ثِمَارُهُ بِالأَقْوَالِ، وَإِنَّمَا بِالسَّعْيِ وَالمُجَاهَدَةِ وَالتَّخْطِيطِ لَهُ، فَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ المبَادَرَةِ، وَسَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ. أخي المؤمن اِبْدَأِ اليَوْمَ، وَلَا تُؤَخِّرْ، وَاجْعَلْ لَنفسك  نَصِيبًا مِنَ الخَيْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ.

 

الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر