الخير فيما اختاره الله

الخير فيما اختاره الله

إن كل إنسان – في تجاربه الخاصة – يستطيع حين يتأمل أن يجد في حياته مكروهات كثيرة كان من ورائها الخير العميم، ولذات كثيرة كان من ورائها الشر العظيم، وكم من مطلوب كاد الإنسان يذهب نفسه حسرات على فوته؛ ثم تبين له بعد فترة أنه كان إنقاذًا من الله أن فوت عليه هذا المطلوب في حينه، وكم من محنة تجرعها الإنسان لاهثًا يكاد يتقطع لفظاعتها، ثم ينظر بعد فترة فإذا هي تنشئ له في حياته من الخير ما لم ينشئه الرخاء الطويل، إن الإنسان لا يعلم، والله وحده يعلم، فماذا على الإنسان لو يستسلم؟  عسي أن يكون الخير كامنا في الشر:  ” … فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ” النساء:19.”. ويتجسد هذا المعني في قصة موسي والعبد الصالح، الحكمة الإلهية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة، بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة، خرق فيه البركة والنجاة من الغصب؛ “أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا” الكهف:79″.

فبهذا العيب نجت السفينة من أن يأخذها ذلك الملك الظالم غصبًا، وكان الخرق الصغير الذي أصابها اتقاءً لضرر كبير كان ينتظرها لو بقيت على سلامتها. سفينتك قد تكون زوجتك التي فقدتها، وقد يكون ابنك المجروح أو مالك المُصَادر أو وظيفتك أو عزيز لديك. وماذا لو أن المساكين أصحاب السفينة استنكروا ما فعله العبد الصالح ولاموه على ذلك وأصلحوا، ما خرق؟! غُصِبَت سفينتهم وكانوا من الخاسرين. وقتل رحيم فيه لطف خفي؛ “وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ” الكهف:80″، فهذا الغلام لا يستحق القتل في الظاهر، ولكن الغيب يُطْلِع العبدَ الصالح على سبب قوي لقتله، إنه سينشأ كافرًا طاغيًا، تكمن في نفسه بذور الكفر والطغيان، فلو عاش لأرهق والديه المؤمنَيْنِ بكفره وطغيانه، وقادهما بدافع حبهما له أن يتبعاه في طريقه. فأراد الله ووجه إرادة عبده الصالح إلى قتل هذا الغلام، وأن يبدلهما الله خلفًا خيرًا منه، لطفا ورحمة به وبوالديه، فيدخلوا جميعا في رحمته يوم القيامة أم أنهم مع حياته يدخلون في عذابه يوم القيامة؟الآن ينكشف الستر عن حكمة ذلك التصرف، كما انكشف عن غيب الله الذي لا يطلع عليه أحدًا إلا من ارتضى.

من موقع وزارة الشؤون الدينية