يسعى الإنسان في هذه الحياة إلى أمورٍ كثيرة، منها ما يَفرِضُها عليه دينُه، ومنها ما يفرضُها عليه واقعُه وهكذا، إلا أن هناك أمورًا ومجالاتِ سَعْيٍ لا ينبغي له أن يُغفِلَها أبدًا، أو يتأخَّرَ عن إدراكها؛ إذْ إنها ستفوت عليه من حيث يَشعُر أو لا يَشعُر، وقد لا يُدركها مرةً ثانية، أو تتاح له فرصةُ التعويضِ فيها، ومن هنا كانت الإشارة بالحديث النبوي الشريف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يَعِظُه: “اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبلَ هَرَمِك، وصِحَّتك قبل سَقمِك، وغناك قبلَ فقرِك، وفراغَك قبلَ شُغلك، وحياتَك قبلَ موتِك”. فهذه من الأمور التي ينبغي ألا تُتْركَ؛ لأنها قد لا تُدْركُ، بخلاف الأمور التي إن تركْتَها أدركْتَها، فانظُر:
– صلاتك في وقتها من الأمور التي لا تُتْرَك، فانْتَبه وأدرِكْها، ولا تَنشغلْ عنها بغيرها، فليس هناك أهمُّ من الوقوف بين يدي مَن بيده جميع الحوائج، لقوله تعالى منبِّهًا وموجِّهًا ومذكِّرًا: ” إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ” النساء: 103، وقوله: ” رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ” النور: 37.
– حُسْن صُحبتك لأبويك، وتفقُّد حاجتهما، من الأمور التي لا تُتْرك، فانْتَبه وأَدرِكْها، وتذكَّرْ أنهما يَكْبران، وبذلك يبتعدان عنك شيئًا فشيئًا نحو الدار الآخرة، فأدْرِكْهما قبل أن تتركَهما؛ ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ” الإسراء: 23، أَدرِكْهما ما دمتَ عندهما قبل أن تأتيَك مشاغلك وأسفارُك، وتتمنَّى أنْ لو بقيتَ معهما فترةً أطولَ، وأُتِيحتْ لك فرصةٌ أفضلُ!
– حُسْنُ صُحبَتِك وتربيتك لأولادك من الأمور التي لا تُتْرَك، فانْتَبه وأدْرِكْها، وتذكَّر قولَ الله عز وجل: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ” التحريم: 6، وقوله صلى الله عليه وسلم: “كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته”.
– صِلَتُك لأرحامك من الأمور التي لا تُتْرَك، فانْتَبه وأدْرِكْها، وتذكَّر ما ورَد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الرحمُ معلَّقة بالعرش تقول: مَن وصلَني وصلَه الله، ومَن قطَعني قطَعه الله” رواه مسلم، وما ورَد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن سرَّه أن يُبْسَطَ له في رِزقه، ويُنسَأَ له في أثرِه، فليَصِلْ رَحِمَه” رواه البخاري، كم رأينا من أُناسٍ فرَّطوا في ذلك، فلم يُسْعَدوا وندِموا بعد فوات الأوان، ورحيل الأرحام والخِلَّان!.
– مصاحبة الصالحين الأخيار من الأمور التي لا تُتْرَك، فانتبه وأدْرِكْها، فكل صالحٍ هو لك غنيمةٌ، وقد يطرأُ عليك أو عليه نقلةٌ فلا تَقدِر على لقائه أو مجاورته، وقد يَزورك أو يزوره الموت، فتكون عنه أشدَّ بُعدًا، وتذكَّر قوله تعالى: ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ” الكهف: 28.
– مواسم الخير وأوقات الطاعة، وأوقات الدعاء المرجوَّة من الأمور التي لا تُتْرك، فانْتَبه وأدرِكْها، وتذكَّر أن العُمر يَمضي، والساعة الحاسمة قادمةٌ، فتزوَّد مما لا بدَّ منه، واعلَم أن هناك مِن عباد الله مَن يتحيَّن الفُرَصَ، وينتظرها بفارغ الصبر، فكن واحدًا من هؤلاء قبل فوتِك أو فواتها.
من موقع الالوكة الإسلامي