إنَّ مما يملأ القلوب أسفا وحزنا ما نراه في أوقاتنا من تضييعٍ للأوقات، وإهدارٍ للساعات، كم ضاع من الأوقات في الغيبة والنميمة! كم ضاع من الأوقات في اللهو واللعب! الشغل الشاغل حياة وشؤون الآخرين: كم يملك؟! ماذا يفعل؟! أين يذهب؟! قال الحسن: “مِن علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، خذلانًا من الله عز وجل”. تمر الساعات والأيام ولا يحُسب لها حساب؛ للجهل بقيمة الوقت وأهميته، هناك من يدعوك: تعالَ نفوّت الوقت! يفرح عندما تغيب الشمس، وهو يدرك تمامًا أن يومًا فات من عمره لا يعود! ” أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ” المؤمنون: 115. إن الصحة والفراغ والمال هي الأبواب الذي تلج منها الشهوات المستحكمة، ويتربع في فنائها الهوى الجامح فيأتي على صاحبه، وقد صدق من قال: “من الفراغ تكون الصبوة”، وكم كان الفراغ سببًا في الانحراف والفساد عند عدم استغلاله! فهو نعمة، لكن؛ إذا استُغل في معصية الله كان بلاءً ونقمة. قال الحسن: “ما مر يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم: إني يوم جديد، وعلى ما تعمل فيَّ شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخِّرْ ما شئت فلن يعود أبدًا إليك”.
رأس مالك في هذه الدنيا دقائق وأيام، فماذا قدمت في هذه الأوقات؟! وماذا سجلت في تلك الصحائف؟! هل تسُرك إذا نظرت فيها يوم القيامة أم تسوؤك؟! فلا يكن حالك كمن أخبر الله تعالى عنهم: ” يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ” الزمر: 56. فيا من ضيعتم أوقاتكم في التسكع في الشوارع ويا من عكفتم على المعاصي جميع أوقتكم، ويا من جعلتم كل أوقاتكم لشيطان وحزبه وما لرحمن خالقكم منها ركعة أو سجده، احذروا الموت وفجأته، فعمرك إلى انتقاص، وسيئاتك في ازدياد، فتب إلى الله واحذروا التسويف! اشغل الأوقات الضائعة وساعات الانتظار في السيارة في المستشفى، وعند مشيك من البيت للمسجد، وفي المسجد، وفي طريقك إلى المدرسة أو العمل، عطّر لسانك بالذكر، وقلبك بالفكر، استفد من كتاب، استمع لدرس علم. نسأل الله عز وجل بمنِّه وكرمه أن يعاملنا بلطفه وكرمه، وأن يرزقنا حسن التعامل مع أوقاتنا، وأن يجعل يومنا خيرا من أمسنا، ومستقبلنا خيرا من حاضرنا.