الحرب التي يشنها زوخ دوريا لم تنهِ المشكل… التجارة الفوضوية تستفحل مع غياب الأسواق النظامية

elmaouid

عاد التجار الفوضويون بالعاصمة من جديد ليحتلوا أرصفة الطرقات والشوارع، ويعرضوا سلعهم بطريقة عادية وبكل أريحية، غير مبالين بتعليمة وزارة الداخلية، التي ضربوها عرض الحائط، بالرغم من المجهودات التي

استنفرتها من أجل القضاء عليها، لكن لا حياة لمن تنادي…

وكانت السلطات قد أعلنت منذ أشهر، الحرب على الأسواق الفوضوية الموزعة عبر إقليم العاصمة، بعد أن كانت قد بدأتها منذ أزيد من أربع سنوات، حيث تم توجيه تعليمة مستعجلة للولاة والأميار، مفادها تطهير العاصمة منها، بالمقابل يقابله انعدام شبه كلي في الأسواق المنظمة، التي عرفت تأخرا في الانجاز لسنوات، ما جعل العديد من التجار يتحدون تعليمة الوزارة وفرضوا أنفسهم، وكأن القرار لا يعنيهم أبدا.

 

تطهير العاصمة من فوضى الأسواق حلم أم حقيقة؟

قرار تطهير البلديات من الأسواق الفوضوية، ليس وليد الساعة، وإنما اتخذ منذ سنوات، إلا أنه وفي كل مرة تعود للظهور من جديد، بالرغم من المجهودات الكبيرة التي تبذلها وزارة التجارة بالتنسيق مع المصالح الولائية والمحلية في كل مرة، على شكل مداهمة تلك الأسواق واتخاذ كل التدابير والإجراءات التامة للقضاء عليها، بتطويق المكان وتشديد مصالح الأمن، ولكن بمجرد مرور أيام، حتى ترى تلك التجمعات من طرف مجموعة من الشباب البطال، عادت من جديد وعمدت إلى احتلال الأرصفة والشوارع، فكأن التجار يلعبون لعبة القط والفأر مع السلطات، فالمتتبع للشأن المحلي، يلاحظ العودة التدريجية لبعضها عبر بعض نواحي العاصمة في الفترة الأخيرة، كسوق الفوضوي لباب الزوار، وادي الطرفة وسيدي امحمد وغيرها من الأسواق التي حوّلت الطرق والأرصفة مكانا لها للاسترزاق في ظل عدم وجود البديل الذي يرضيهم.

 

تجار يلجأون للأرصفة ويرفضون الأسواق المنظمة

من بين الأسواق الفوضوية التي عرفت عودة تدريجية في الآونة الأخيرة، سوق 5 جويلية الواقع ببلدية باب الزوار، هذا الأخير يفتح أبوابه يومين في الأسبوع السبت والثلاثاء، الأمر الذي يؤدي إلى اختناق مروري رهيب، على غرار الفوضى العارمة التي تتسبب في ظهورها، نظرا لتوسطه العمارات، ما أدى إلى تذمر السكان الذين اشتكوا من الفوضى التي يتسبب فيها التجار الذين يزاولون تجارتهم الفوضوية، زد إلى ذلك أكوام القمامات التي يخلفها التجار في آخر اليوم دون رفعها، وفي هذا الصدد كشف السكان خلال حديثهم لــــ”الموعد اليومي”، أنه وبالرغم من أن السلطات عملت على توفير محلات بذات البلدية لفائدة هؤلاء التجار، إلا أنهم رفضوا الانتقال إليها، بحجة ضيق المحل وتقسيمه بين تاجرين، من جهة أخرى برر التجار امتناعهم عن التنقل، بإجبارهم على تسديد مبالغ الإيجار، ما يؤدي بهم إلى رفع أثمان الخضر والفواكه لسد مبالغ الكراء.

نفس الشيء يعرفه السوق الفوضوي بسيدي امحمد ووادي الطرفة ببلدية العاشور، اللذان لا يختلفان كثيرا عن سوق باب الزوار ومختلف الأسواق الفوضوية المتواجدة بالعاصمة، بالرغم من إزالتها في وقت مضى، وفي هذا الصدد، عبر السكان عن تذمرهم من عودة تلك السوق، نظرا لمعاناتهم اليومية بسبب الفوضى العارمة، بما في ذلك النفايات التي يتركونها مساء بالإضافة إلى السرقة التي تفاقمت بشكل رهيب، ما أدى بهم إلى الاحتجاج للمطالبة بإعادة إزالة السوق التي احتل التجار الأرصفة والطرقات، لبيع كل ما يحتاجه المواطن.

 

جحيم الأسواق لا يفارق سكان الأحياء المجاورة لها

يعاني سكان الأحياء التي تتواجد بها الأسواق الفوضوية، والذين يعتبرون أول متضرر، لأنهم يضطرون للتعايش مع هذا الوضع، حيث أبدى العديد من القاطنين بالقرب من تلك الأسواق الواقعة في الأحياء الشعبية، كشارع الشهداء والشوارع المجاورة لها، تأسفهم الشديد لما يحدث بالسوق، خاصة التصرفات الطائشة والتحرشات الجنسية والسرقة والمناوشات الكلامية والشجارات التي تصل في بعض الأحيان إلى حد القتل واستعمال أسلحة بيضاء، مضيفين أنهم مجبرون على إغلاق نوافذهم طوال النهار، لتفادي سماع الكلام الفاحش والشجارات، فكل سكان الأحياء الشعبية المعروفة بالانتشار الرهيب للتجارة الفوضوية يتجرعون مرارة العيش بمحاذاة تلك الأسواق.

 

دعوات لإنشاء مراكز أمن للقضاء عليها

ويطالب العاصميون القاطنون في العديد من الأحياء الشعبية، بقلب البهجة، سلطات ولاية الجزائر، وعلى رأسها الوالي عبد القادر زوخ، بالتدخل العاجل وتطبيق تعليمة منع البيع العشوائي في تلك المناطق، التي باتت ملجأ للكثير من الباعة الفوضويين الذين يخلفون يوميا قمامات كبيرة، إلى جانب الفوضى والاختناق المروري التي يتسببون فيها، داعين إلى التدخل بشكل عام في الأحياء الشعبية عن طريق تجنيد مصالحه بالتنسيق مع مصالح الأمن الوطني، من خلال “استحداث مراكز شرطة دائمة في تلك المناطق من أجل منع البيع العشوائي وضمان النظافة والأمن وحظر البيع بلا قانون”.

وأشار هؤلاء إلى أنهم لاحظوا عودة الباعة الفوضويين بين الفينة والأخرى، بالرغم من الحرب الهوجاء التي قامت بها المصالح الولائية في الفترة الأخيرة، وسمحت بالقضاء على العديد من النقاط السوداء في مختلف بلديات العاصمة، كما هو الحال للسوق الشعبي بباب الوادي، غير أنها سرعان ما عادت للظهور من جديد في الأحياء الشعبية التي تحولت إلى مكب للنفايات، ناهيك عن عرقلة حركة السير يوميا بسبب تمركزهم على حواف الطرقات والأرصفة.

 

أسواق جوارية مهملة وأخرى لم تكتمل الأشغال فيها بعد

تعهدت في وقت مضى مصالح ولاية الجزائر، بإعادة إدماج جميع الشباب الذين طردوا من الأسواق الفوضوية، في الأسواق الجوارية، لكن تأخر المشاريع المسندة لمؤسسة “باتيمتال”، التي كلفت بإنجاز 17 سوقا، في مدة لا تتجاوز ستة أشهر، حطم كافة آمال هؤلاء الشباب، لاسيما أن الكثير من الأسواق باتت بمثابة هياكل من دون روح تنتظر إعادة بعث النشاط بها، ما أدى بالشباب للعودة إلى الأسواق الفوضوية كتحصيل حاصل على الفشل الذريع لمصالح الولاية في التعامل مع الملف، الذي طوته بشكل مفاجئ.

 

منتخبون يرجعون الفوضى في الأسواق لـــ “تغييب” القوانين

وأرجع ذلك عديد المنتخبين خلال تطرقهم لموضوع عودة الأسواق الفوضوية بالرغم من الحرب الهوجاء التي باشرتها مصالح ولاية الجزائر بالتعاون مع مصالح الأمن الوطني، إلى “تغييب وتهميش” القوانين التي تنظم الأسواق، داعين في ذات السياق السلطات إلى إعادة تفعيلها من جديد والعمل بها لتقنين التجارة الفوضوية وتنظيم مختلف الأسواق التجارية بما في ذلك الموسمية.

وأوضح هؤلاء، في اتصال هاتفي مع “الموعد اليومي”، أن مختلف الأسواق سواء الفوضوية أو النظامية وحتى الأسبوعية منها باتت تتطلب إعادة تنظيمها من جديد، وتقنينها بقوانين ردعية، نظرا للفوضى التي تشهدها في الآونة الأخيرة والتي أثرت سلبا على الوجه الحضري لعاصمة البلد التي يسعى مسؤولوها إلى الرقي بها وتطويرها وفق مخطط استراتيجي، موضحين في السياق ذاته أن أغلب الأسواق التجارية تنشط دون قوانين تنظمها وأدوات لردعها في حال مخالفة التجار للشروط المنظمة للتجارة، وهو ما خلق العديد من التجاوزات والتلاعبات التي قد تهدد صحة المواطن بالدرجة الأولى، مضيفا أنه وبالرغم من الحرب التي شنتها سلطات ولاية الجزائر، برئاسة مسؤولها التنفيذي، عبد القادر زوخ، على كل ما هو فوضوي بعاصمة البلد، بما في ذلك الأسواق الفوضوية وغير النظامية، لتحسين الوجه الحضري للعاصمة، وتبييضها من كل ما يشوهها، غير أن ذلك لا يكفي حاليا، على حد تعبيرهم، “طالما لا يوجد قانون ينظمها ويحددها، وغياب هذا الأخير من شأنه أن يعيد تلك الأسواق إلى نشاطها المعتاد حتى وإن مرت شهور على القضاء عليها”، ودليل ذلك “الأسواق الفوضوية التي ما تزال منتشرة عبر أحياء وشوارع العاصمة”.

وأكد المتحدث أن القوانين المنظمة للأسواق التجارية موجودة، كما هو الحال بالنسبة للقانون الصادر في 02 ماي 2009 المحدد لشروط وكيفية إنشاء وتهيئة الفضاءات التجارية وممارسة التجارة الموسمية، كتجارة المواشي قبيل عيد الأضحى والحلويات الموسمية كالزلابية التي ينتشر نشاطها مع حلول شهر رمضان الكريم، وكذا مختلف النشاطات التي تظهر تزامنا مع حلول عدة مناسبات دينية، غير أن “السلطات تناستها وتخلت عنها”، كما أنها لم تسع لتطبيقها على أرض الواقع، ما حوّلها إلى قوانين على الورق، بالرغم من أهميتها كونها تنظم الأسواق وتحافظ على صحة المواطن الذي غالبا ما يكون ضحية جشع التجار، داعين في السياق نفسه، سلطات ولاية الجزائر، إلى ضرورة تفعيل تلك القوانين وتطبيقها على أرض الواقع، من أجل إنجاح المخطط الاستراتيجي الذي تسعى السلطات إلى تجسيده آفاق 2029، لتطوير “البهجة” وارتقائها إلى مصاف دول العالم، مؤكدين بذلك أن المشروع “لن ينجح إن لم يتم تفعيل تلك القوانين الهامة، التي ستقضي لا محالة على كل ما هو فوضوي بالعاصمة، وتقنن مختلف الأنشطة التجارية، بما فيها التجارة الموسمية، كالأضاحي ومختلف النشاطات التي تظهر مع المواسم والأعياد الدينية”.