تحتفل جل دول العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، المصادف لـ 3 ماي، وهي مناسبة لتسليط الضوء على هذه المهنة من عدة جوانب وكذا للإشادة بالأشواط التي قطعتها طيلة هذه السنوات، وقد حققت الجزائر قفزة نوعية خاصة مع الحراك الذي تجاوز شهره الثاني، مقارنة بما كانت عليه سابقا من حيث نقل الحقائق وما يجري من أحداث في الميدان، إلا أن الصحفي تبقى تحاصره نفس المشاكل خاصة مع غلق العديد من الجرائد ومعاناة أكبر المؤسسات الإعلامية من ضائقة مالية مزعومة، تزامنا مع الأزمة الاقتصادية التي دخلتها الجزائر.
يعد اليوم العالمي لحرية الصحافة المصادف لـ 3 ماي من كل سنة، وهو موعد للاحتفال بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييمها، وكذا حماية وسائل الإعلام من التعدي على استقلالها، وتكريم الصحافيين الذين فقدوا حياتهم في ممارسة مهنتهم، ويعود تاريخ إعلان هذا اليوم إلى 1993 بالجمعية العامة للأمم المتحدة، إثر توصية موجّهة إليها اعتمدها المؤتمر العام لليونيسكو سنة 1991.
ويُتَّخذ هذا اليوم مناسبة لإعلام المواطنين بانتهاكات حرية الصحافة، كما يعتبر يوما لتشجيع وتنمية المبادرات لصالح حرية الصحافة، وتقييم مدى حريتها في مختلف دول العالم، وهي دعوة للحكومات إلى ضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، ومناسبة أيضا لتأمل مهنيي وسائل الإعلام في قضيتَيْ حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة، وأهمية اليوم العالمي لحرية الصحافة من هذا القبيل لا تقل عنها أهميته من حيث تقديم الدعم لوسائل الإعلام المستهدفة بالتقييد أو بإلغاء حرية الصحافة، كما أنه يعد يوما لإحياء ذكرى الصحافيين الذين فقدوا حياتهم أثناء تأدية مهامهم خاصة في الحروب، مثلما حدث في حرب الخليج وأفغانستان، أين استشهد العديد من الصحافيين في ميدان الوغى في سبيل تأدية مهامهم النبيلة ونقل ما يجري من أحداث.
الحراك حرر الأقلام الصحفية وأخرجها من الدائرة المغلقة
في بداية الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فيفري الماضي، أين خرج ملايين المواطنين في أغلب ولايات الوطن للمطالبة بالتغيير ورحيل النظام، لم تواكب الصحافة الحراك، نظرا للواقع الذي تتواجد عليه وتخوفها من المتابعات، ما جعل المواطنين ينعتون أصحاب مهنة المتاعب بـ “الشياتين” للنظام وعدم أداء مهامهم ونقل ما يحدث من تطورات، إلى غير ذلك من النعوت الأخرى، من خلال رفعهم للافتات منددين بالظلم وضرورة إطلاع الرأي العام على ما يجري، ماعدا وكالة الأنباء الجزائرية التي تطرقت للحراك من خلال مقال نشرته على موقعها، مما أثار استغرابا كبيرا وفتح علامات استفهام حول هذا التحول الجذري، ومع تواصل الحراك ودخوله أسبوعه الثاني بدأ الصحافيون يواكبون الحراك من خلال نقل كل ما يحدث من تطورات على المباشر وعبر التغطيات وكذا الروبورتاجات، من جهتهم خرج الصحافيون في وقفة احتجاجية للمطالبة بالحرية وعدم تعتيم صورة ما يحدث، ما أدى إلى اعتقال الكثير منهم ليتم الإفراج عنهم فيما بعد، بخلاف صحافيي التلفزيون الجزائري، الذين خصصوا كل جمعة بلاطوهات لنقل الحراك، كما أنهم يواصلون وقفاتهم الاحتجاجية كل أسبوع للمطالبة بعدم التضييق والمزيد من حرية التعبير.
زملاء فقدناهم في عز العطاء
لم يمر هذا العام مرور الكرام، حيث فقدت الصحافة الجزائرية ألمع أقلامها، مازالوا في عز العطاء، وخلفوا أثارا بليغة في نفوسنا، حيث توفي الصحفي يوسف بطاش من جريدة “لوسوار دالجيري” الناطقة باللغة الفرنسية وعمره 53 سنة، وهو أب لثلاثة أطفال، بمستشفى بني مسوس، حيث نقل في حالة استعجالية بعد تعرضه لأزمة قلبية، وينتمي المرحوم لجيل الصحفيين الذين التحقوا بالمهنة بعد أحداث أكتوبر 88 عبر صحيفة “ألجيري سبور” ، كما عمل صحفيا بيومية “لوبنيون” التي اختفت عن الصدور، بسبب آرائها وخطها الافتتاحي الذي لم يكن يتماشى مع المشهد السياسي والأمني في التسعينيات، ليضاف إلى القائمة صحفي جريدة “الخبر” محمد شراق، الذي انتقل إلى رحمة الله، وعمره 41 سنة، تاركا وراءه هو الآخر ثلاثة أولاد، بعد صراع طويل مع المرض، وقد شغل منصب رئيس القسم السياسي بجريدة “الخبر” الناطقة باللغة العربية، لسنوات عدة.
اسماعيل يفصح أيقونة الصحافيين ضحايا الجماعات الإرهابية المسلحة
لم تفارق الجزائريين صورة الصحفي إسماعيل يفصح ، الذي امتدت إليه أيادي الغدر في 18 أكتوبر 1993، فتحول لأيقونة الصحافيين، ضحايا الجماعات المسلحة خلال العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، ويرجع الكثير تأثر المواطنين بفقدان الصحفي يفصح لشهرته، نظرا لعمله مقدما في التلفزيون الجزائري، واعتيادهم على وجهه السمح.
مشاكل عويصة يتخبط فيها الصحفي والفرج يلوح في الأفق
يعاني الصحفيون من عدة مشاكل، أبرزها الرواتب المتدنية والنقص في التكوين وأخرى مرتبطة بممارسة مهنة الصحافة، حيث يوجّه أغلب ملاك المؤسسات، مداخيل الإشهار التي تقدر بالملايير، للاستثمار في مشاريع أخرى على حساب الصحفي الذي يعاني في صمت، ويحدث هذا في ظل غياب قانون يحميه من التعسف، مما أجبر الكثير من الصحفيين على التوجه إلى قطاعات أخرى، عوض إكمال طريقهم في هذه المهنة التي سميت بالسلطة الرابعة في الدول المتقدمة، نظرا لتأثيرها البارز على المجتمع، بخلاف ما يحدث في بلدنا، أين تحول الصحفي إلى كائن شبه غريب ينتج مادة لا تؤثر في الرأي العام، وأرجع الكثير هذه المشاكل إلى غياب منظمات تدافع عن حقوق الصحفي المهضومة، واكتفاء الوزارة الوصية بسن قوانين دون تطبيقها على أرض الواقع.
صحافيون: “الحراك أحدث تطورا في الصحافة”
أجمع العديد من الصحفيين الذين تحدثت إليهم “الموعد اليومي”، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، على أن الحراك أحدث تطورا في الصحافة، حيث ساهم في تحرير الأقلام وحرية التعبير، مقارنة بما كانت عليه الأوضاع خلال الفترة السابقة.
كمال عمارني صحفي مختص في الشأن السياسي بجريدة “لوسوار دالجيري”
يؤكد الصحفي بجريدة “لوسوار دالجيري” الناطقة بالفرنسية، كمال عمارني، أن الصحافة عانت كثيرا خلال سنوات العشرية السوداء، التي عاشتها الجزائر ما أدى إلى مقتل 107 صحفي، بداية بالطاهر جاووت ثم إسماعيل يفصح، إضافة إلى مدير التلفزيون الجزائري.
وأضاف ذات الصحفي، حتى جريدة “لوسوار دالجي” فقدت صحافييها، في تلك العشرية حيث أدى انفجار قنبلة أمام مقرها بدار الصحافة الطاهر جاووت، إلى وفاة 3 صحافيين وهم علاوة آيت مبارك وجمال درازة، وكذا محمد درمان، فيما اغتيلت المصححة ياسمين درسي فيما بعد.
ويضيف في البداية كانت الجرائد موجودة بصفة قليلة، ولا تطرح المشاكل المهنية نظرا لقلتها، وبعد الانفتاح والتعددية أصبحنا نشاهد العديد من الصحف وقنوات التلفزيون إضافة إلى المواقع الإلكترونية خلال الظرف الحالي، وأصبح الصحافيون يعانون من مشاكل مهنية، وبالتالي الأوضاع المهنية تطرح بشدة.
أما فيما يتعلق بتأثير الحراك الذي انطلق منذ 22 فيفري الماضي المطالب بالتغيير وتأسيس دولة ديمقراطية قائمة على أسس ديمقراطية، على الصحافة فقال: “كان إيجابيا، وحررها نوعا ما لكون الصحافة لا تستطيع أن تكون خارج التطورات الحاصلة، ورفعت المراقبة الممارسة على التحرير مقارنة بالسابق، بالمقابل ظهرت منابر أخرى وبقوة تدعم طرفا على حساب طرف آخر، لتحقيق مصالحها الشخصية، وظهر ذلك للعيان جليا”.
فتيحة قردوف صحافية من جريدة “صوت الآخر”
حرر الحراك الذي باشره الجزائريون في 22 فيفري الماضي حتى الصحافة بجميع أشكالها، بعدما كان الحديث في العديد من القنوات والصحف عن النظام ممنوعا، في حين تغير الوضع نوعا ما بعد الحراك، أين أصبح الحديث عن بعض أطراف النظام بمصطلح “العصابة” ودون أية ضغوطات أو تحفظات، كما يتطرق الصحفي إلى أمور كان الخوض فيها سابقا ممنوعا عن الكثيرين، وبهذا تحرر القلم الصحفي حتى أصبحنا نشاهد مقدمات وأخبار تتطرق للمواضيع والأشخاص بنوع من الحرية.
ومع هذا لا يمكن أن نقول إن الإعلام تحرر كليا، خاصة وأن الحراك خلق أيضا لبعض الوسائل توجهات جديدة اتضحت من خلال التطرق للأخبار، حيث أن هناك من اختار الاصطفاف مع الشعب وآخرين مع المؤسسة العسكرية وغير ذلك وفقا لتوجهات كل وسيلة إعلامية، وكل هذا بفعل الحراك الشعبي السلمي الجزائري الذي أبهر العالم وفرض نفسه على الصحافة الوطنية، والدليل أن الكثير من الصحف والقنوات لم تتطرق إلى الحراك الشعبي بحرية في جمعة 22 فيفري الماضي وبعضها تطرق إليه بطريقة غير مباشرة، في حين هناك اليوم برامج وأيام مفتوحة على الحراك ويتصدر الصفحات الأولى للجرائد.
نادية حدار