عاش النحالون في العاصمة أحد أسوأ المواسم في تربية النحل، بسبب مجمل المشاكل التي اعترضتهم طوال الفترة الماضية، وحالت دون استخراجهم للعسل بالكميات المعتادة، وتعذر الأمر على آخرين ممن صدمهم فرار مجموعات النحل من خلاياها. على رأس هذه المشاكل تقلص بساتين الحقول والأزهار والأشجار المثمرة بسبب شحّ الأمطار، في مقابل استمرار ظاهرة الحرائق وتبعاتها على حياة النحل غير المقاوم لها حتى ولو سجل الحريق على بعد كيلومترات. وقد شهدت العاصمة احتراق ما يقارب 2 هكتارات من الغطاء النباتي على مستوى غابة ميلودي بزرالدة وما يزيد عن 68 آر من الأحراش والحشائش اليابسة موزعة عبر غابات باينام وبني مسوس وهذا بعد تسجيل 27 بؤرة حريق خلال شهر جويلية فقط.
كما عانى النحالون من تبعات وباء كورونا وقانون الحجر الصحي الذي حرمهم من نقل صناديق النحل التي لا يمكن أن تكون إلا ليلا وفق شروط معينة كنقل النحل في مركبة مفتوحة تسمح له بالتنفس، مع الحرص على ربط الصناديق حتى لا تتحرك، وتهيئة المكان الذي سيستقبل صناديق النحل، وبرمجة التنقل خلال الفترة الليلية، واحترام منع التنقل في فترة النهار، وما تشكله من خطر على الناقل والناس، وهي الإجراءات التي عجزوا عنها في ظل نظام السلامة الصحية من فيروس كورونا، ما حد من نشاط الكثيرين الذين لم يستطيعوا افتكاك رخص التنقل في الفترات المسائية، ضف إليها مشاكل أخرى أرهقتهم سيما بالنسبة للذين لا يملكون مساحات أو مزارع خاصة بهم، فيلجأون إلى الفلاحين لتنصيب خلاياهم في حقول الأشجار المثمرة التي يخضعها هؤلاء إلى المبيدات والأدوية الكيماوية لحمايتها من الحشرات والطفيليات وكذا البكتيريا. هذه المبيدات تقتل النحل وتؤثر على كمية إنتاج العسل، دون الحديث عن الأمراض التقليدية التي تصيب خلايا النحل على غرار مرض “الفاروا” الذي يطلق عليه اسم شيطان النحل، يضاف إليه مرض “النوزيما” الذي يوصف بإيدز النحل، وهي أمراض تؤثر على كمية الإنتاج، وتتسبب في تلف خلايا النحل، ضف إليها ما يعرف بالحضنة الطباشيري وأمراض شلل الأطراف الخلفية للنحلة، وأمراض ناتجة عن كائنات حية دقيقة على غرار “الأيمبما”.
الغش… التهمة الملازمة لمربيي النحل
تلاحق تهمة الغش كثير من مربيي النحل الذين لا يجدون ما يقنعون به زبائنهم سوى الاستعانة بالقَسم، فكثيرهم لا يفقهون في الأنواع الحقيقية للعسل المتداول في السوق والزبون يعتمد على علامات مغلوطة للتفريق بين العسل الطبيعي والحر وبين العسل المغشوش كإمكانية تجمد العسل من عدمه، أو حسب لونه وكلها معايير خاطئة، وبين هذا وذاك فلا مخبر أو مصلحة خاصة من شأنها التدقيق فيما يروج له في الأسواق، فيضطر الزبون إلى الاعتماد على علاقاته لاقتناء هذا العسل، فلا معيار آخر يعلو على معيار الثقة.
وعموما يقسّم المختصون العسل إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي العسل البيولوجي الذي ينتجه النحل اعتمادا على المصادر الطبيعية للرحيق فقط. ولكن يتم قطفه من خلايا ذات مواصفات محددة ووفق شروط صارمة أهمها أن يكون خشب الخلية خشبا طبيعيا لم تتم معاملته صناعيا، وألا يتم استعمال أي تغذية للنحل وألا يخضع لأي علاجات بيطرية وأن يكون في مناطق معزولة تماما عن أي طرق إسفلتية أو مصانع أو أي شيء يمكنه التأثير كيميائيا وغيرها من الشروط، وهو العسل الذي يتميز بسعره المرتفع جدا يتجاوز الـ 10 آلاف دج للكلغ الواحد وكميات إنتاجه الضئيلة، غالبا يتم تسويقه لنوع خاص من الزبائن وله خواص علاجية وغذائية، يضاف إليه العسل الطبيعي وهو العسل الذي ينتجه النحل اعتمادا على المصادر الطبيعية للرحيق فقط، ويختلف عن النوع الأول في أنه يتم قطفه من خلايا التربية الحديثة وله مواصفات عالمية محددة لا يجب تجاوزها ليكون مطابقا، تتم فيه تغذية الخلايا وفق التفصيل السابق (في غير الموسم) وإخضاع الخلايا لعلاجات بيطرية مصرح بها في غير وقت الفيض والجني وضمن حدود عالمية مصرح بها، وعموما يتميز بكونه هو الشائع جدا في أنواع العسل، إنتاجه يكون بكميات مناسبة تجاريا حسب المواسم، سعره غالبا متوسط يصل إلى حوالي 5 آلاف دج، وهو مناسب للاستعمالات الطبية العلاجية وأيضا الغذائية، أما عسل المائدة فهو نوع غير مشتهر في الجزائر لقلة المنتجين وعدم إقبال الزبائن عليه، يتم تغذية النحل اعتمادا على المحاليل السكرية (سكر+ ماء) أثناء الموسم وجلب الرحيق من المصادر الطبيعية لغرض إنتاج كميات كبيرة من العسل الموجه فقط لأغراض غذائية وليس له استعمالات علاجية، سعره منخفض ومناسب للاستغناء عن مختلف التحليات الاصطناعية.
ونوه المختصون إلى أن فهم الأنواع جيدا للزبائن يعينهم على اختيار النوع المرغوب فيه ضمن خيارات تجارية واضحة، فمن غير المعقول المطالبة بعسل بيولوجي بسعر العسل الطبيعي! كما أنه من غير المعقول بيع عسل المائدة ليكون علاجيا بدل العسل الطبيعي أو البيولوجي، موضحين أن مجال تربية النحل مثل بقية كل المجالات يكون فيه الغش والتزوير عبر طرق متعددة ولكن هذا لا يكون مسوغا للتعميم ولا حاملا لنقل صورة مشوشة عن حقائق علمية، وقدموا بعض العلامات الفارقة بين العسلين الطبيعي والمغشوش لتسهيل عملية اقتناء المادة لدى الزبائن، إذ أن العسل الطبيعي له نكهة ورائحة لذيذة، أما الصناعي فرائحته حامضية أو ليس له رائحة على الإطلاق، كما أن العسل الطبيعي لا ينفصل إلى طبقات، بينما الصناعي ينفصل، بالإضافة إلى ذلك فإن العسل الطبيعي به مجموعة متنوعة من الشوائب، مثل حبوب اللقاح أو غذاء النحل أو جزيئات صغيرة من الشمع، أما الصناعي فليس به أي شوائب، كما نلاحظ بأن العسل الطبيعي لا يحتوي على رغوة أو زَبَد، بينما الصناعي يحتوي، العسل الطبيعي سميك وكثيف، بينما الصناعي سائل وأكثر مرونة وسهل الانتشار.
في ذات السياق لم يغفل المختصون ضرورة تثمين المنتج المحلي ورفع كفاءته، فالنحال الجزائري يعتمد على الغطاء النباتي المتنوع وعلاجاته كلها طبيعية بعيدا عن الأدوية الكيماوية على غرار القرفة والشيح والزعتر وغيرها، في حين أنه يشكو مطرقة شح المواسم وسندان فوضى السوق والتسويق مع الاستيراد العشوائي لأنواع العسل الأوكراني وكذا الصيني الذي عليه تحفظات لا تحصر، وهو متداول في الأسواق العالمية بأسعار منخفضة تصل إلى أقل من 2 إلى 5 أورو للكيلوغرام الواحد أي حوالي 733 دج فقط.
غياب ثقافة التأمين يهدد المئات بالتخلي عن النشاط
يصارع نحالو العاصمة لأجل الحفاظ على نشاطهم والاستمرار في إنتاج العسل، سيما هذا الموسم الذي تراجع فيه إلى أكثر من النصف، بعدما كان الصندوق الواحد ينتج ما مقداره 10 كلغ، أصبح بالكاد يستخلص الـ 3 كلغ بسبب جملة من المشاكل التي تهددهم بتوقيف النشاط كما سبق وأن حدث خلال سنوات التسعينيات، إذ كل الوقائع تسير بنفس الاتجاه، فالنحالون الذين تخلوا عن المهنة وقتها لم يخضعوا صناديقهم للتأمين وقد تعرضوا لخسائر فادحة، وهو ما يكرره الكثيرون بسبب غياب ثقافة التأمين على النحل رغم ما يواجهونه من صعوبات وكوارث طبيعية وبشرية قلصت أصناف العسل التي بلغت 17 صنفا لتنوع الغطاء النباتي من زهر البرتقال، السدر، الخروب، الكاليتوس وغيرها إلى 3 فقط، وتحدث مسؤولون عن وجود أكثر من 13 صنفا لكنها لا تحظى بالمتابعة وتقدير الصنف أو النوع راجع إلى النحال نفسه، الذي هو مطالب بتأمين منتوجه سيما وأن النحل له فائدة كبيرة بالنسبة للقطاع الفلاحي ويساهم بشكل كبير في زيادة إنتاج الأشجار المثمرة.
لا أمل في تصدير عسل يفتقد إلى الوسم
لا يمكن التفكير في تصدير العسل الجزائري نحو الخارج في غياب الشروط اللازمة لذلك، بالرغم من النوعية الجيدة التي يتمتع بها بفضل تنوع وشساعة الغطاء النباتي إلا أنه خارج الحسابات، فلا مخبر لتحليل جودة العسل بمعايير عالمية في انتظار الإفراج عنه قبل نهاية العام الجاري كما سبق وأن صرح بذلك مدير الهيئة الجزائرية للاعتماد (آلجيراك) نور الدين بوديسة الذي أشار إلى غياب نظام خاص بالعسل الجزائري الذي يحدد خصوصياته بوجود أكثر من 13 صنفا من العسل إلا أنه غير مثبت لأن العسل في الجزائر ليس مثمنا بالشكل الكافي لغياب مخابر التجارب التي يمكنها إعطاءنا مكوّنات العسل بكل أنواعه، وأن توفير مخابر تجارب معتمدة يعني أن النتائج التي يقدمونها للمستهلكين هي معلومات ذات مصداقية وقابلة للتتبع.
وأضاف أن تسويق منتوج في السوق المحلية أو تصديره يجب أن يستجيب لقواعد التجارة الدولية، حيث ينبغي أن تثبت بأن منتوجك قد تم حفظه بشكل جيد ولديه مميزاته الخاصة مع كونه مطابقا وعدم الإضرار بصحة الإنسان، سيما مع المنافسة القوية في هذا المجال، لكن ذلك حسبه لا يمنع الجزائريين من ضرورة تثمين المنتوج الجزائري (العسل) بشكل فعلي وحمايته وأن يكون سعره تنافسيا.
روبورتاج: إسراء. أ