ليس للحجرة باب.. علبة الإسمنت، جدران صفيح بارد تحتجز الصوتَ
فلا نسمع إلا خشخشات تجرح السقفَ
تبعناها بصوت المقرئ الأعمى
خشعنا مثلما يخشع دوريّ على شاهدة القبرِ
حفرناها على ما ظلّ مشدودا من اللحمِ
وصلّينا كما لو أنّنا نستقبل الموتَ
مشينا خلف موتانا..
مشينا.. لم نبح بالسرّ
كنا كنقوش فجّة في حجر اللحدِ
وكان الطين يرتدّ إلى موطنه الأصل
صرخنا… وحملنا الصوت للغيماتِ
علّقناه في أنشوطة الريحِ
(لعازرْ) …لم يعد في الحجرة السوداء غيري
فأعنّي لأرى كيف نفضت الموت عن رجليكَ
كان المقرئ الأعمى يضمّ الصوتَ
يجمعه ويبري رأسه فيصير كالقلم الرصاص مدبّبا
وخزا على الشفتينِ
(ياسيــــن ….) الحروف تصير مئذنة تنادي للصلاة البكرِ
كيف يكون هذا اسمي وأجهله؟
المنقّط بالثقوبِ، الواهن المذبوح
يفرده الضرير بساط حلفاء على برد السقيفةِ
واهن الذكرى، خميصا أختفي في الحجرة السوداء
لا باب.. ولا ثقب لأرمي نظرة للغيبِ
أتبع في الفراغ ذبابة زرقاءَ
لحم الوجه أزرق
والبصيرة كالدخان غمامة حطت بها الريح الخجولة فوق نافذة الغريبِ
أقول: “كيف تركت أثلام الحقولِ
لكي تصبّي ماءك العذريّ فوق مدارج الخرسانةِ؟”
اسمي… كلما قرأ الإمام تشنّجت عضلاتهُ
(ياسيـــن ….) أم تعويذة سوداء في لغة الكبالا
تحضر الأشباح منتكسين في جمر السلاسلِ
مهطعين رؤوسهمْ
….. هللويا … هللويا
مجّدوا الغيمة في عليائها
بيضاء لا تأوي إلى ظلمة كوخٍ
مطرا يلقي إلى السقف نثيثا حامضا
شمسا نحاسا، جثة مفتوحة العينين في جبّانة الفجرِ
… أنا في الحجرة السوداءِ.. حيث الباب لا يفضي إلى شيء
ولا شيء سوى لسعة برد تقرص الخدين
ما يبقيك حيّا؟
كل من تعرفهم صاروا سواهمْ
رفقاء السوء.. شيخ القرية الأعمى
عشيقات الصبا
مجنونة الحيّ التي كنت تحب انتحرتْ
أنجبت مسخا برأسين وستين ذراعا
وانتهت لحما قديدا في الطريق العامِ
زيتون الجبال..
.. الظلّ تحت شجيرة العلّيق .. ماء النهرِ
عطر النرجس البريّ…
ما يبقيك حيا؟
أيها المسكون بالإسمنتِ
فلترحل بعيدا… هاربا من هذه الكمّاشة العظم
التي تبقيك منتصبا كأشجار الصنوبرِ
كلّما كسرتك زوبعة، أناخ عمودك الفقريّ
كن رخوا … تماما مثل دود الأرضِ
كن رخوا… كأنّك لم تكنْ
ياسين بوذراع/ قسنطينة