بمناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة

الجزائر وخطوة الدمج المدرسي.. بين الطموح والتحديات

الجزائر وخطوة الدمج المدرسي.. بين الطموح والتحديات

يعد ملف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الجزائر من أهم القضايا الاجتماعية التي تحظى باهتمام الدولة، خاصة في ظل التحولات الإيجابية التي يشهدها قطاع الحماية الاجتماعية، ورغم المكاسب القانونية التي تحققت خلال السنوات الأخيرة ومنذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون قيادة البلد واهتمامه بالفئات الهشة من المجتمع، إلا أن واقع هذه الفئة ما يزال يطرح عدة تساؤلات حول مستوى الإدماج الفعلي في الحياة الاجتماعية، التعليمية والاقتصادية.

تشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود أكثر من مليون شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في الجزائر، من مختلف أنواع الإعاقة، وهو ما يجعلها شريحة واسعة يتطلب الاعتناء بها سياسات دقيقة ومتواصلة، وهو ما تعمل عليه السلطات، ولكن ورغم الجهود المتواصلة لتحسين ظروف التكفل بهذه الشريحة، يظل عدد كبير منها يعاني من صعوبات تتعلق بالتعليم، التشغيل وغيرها.

 

اختلاف التشخيص وبداية المعاناة

تمت الإشارة أيضا إلى أن التكفل بذوي الاحتياجات الخاصة، هو عمل فريق متكامل بمختلف تخصصاته، في الطب وعلم النفس وعلاج التخاطب، وأخصائي التغذية…الخ. والتكفل يبدأ من أول خطوة، وهي التشخيص الدقيق لهذه الحالات، خاصة الفئات الأكثر هشاشة في التشخيص، مثل التوحد، ومعاناة العديد من أولياء ذوي الاحتياجات الخاصة تبدأ من اختلاف التشخيص وصعوبته، وتنتهي بالحماية القانونية لحقوق أبنائهم في تصنيف أطفالهم من ذوي الاحتياجات الخاصة من عدمه، التكفل العلاجي، التربوي والمهني.

جهود جدية للدولة

اتخذت الدولة أيضا تدابير لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة تتعلق بالتكفل التربوي والتعليمي المتخصص والمرافقة النفسية والبيداغوجية عبر شبكة تتكون من 239 مؤسسة و17 ملحقة تابعة لقطاع التضامن الوطني.

وتتضمن مؤسسات التربية والتعليم المتخصص مراكز التكفل النفسي البيداغوجي للأطفال الذين يعانون من الاعاقة الذهنية ومدارس للأطفال الذين يعانون من الاعاقة السمعية والبصرية، إضافة إلى مراكز نفسية بيداغوجية للأطفال من ذوي الاعاقة الحركية.

وتهدف برامج هذه المؤسسات إلى التكفل بالأطفال والمراهقين من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، تؤطرها فرق متعددة الاختصاصات لضمان المرافقة النفسية والبيداغوجية.

 

التعليم.. بين الدمج والعراقيل

يشكل دمج التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس أحد أهم الملفات التربوية والاجتماعية في السنوات الأخيرة، في ظل سعي الدولة إلى بناء منظومة تعليمية أكثر شمولا وعدالة، لكن ورغم الخطوات المحققة إلا أن الواقع يكشف عن فجوة بين النصوص القانونية والتطبيق الميداني، ما يجعل هذا الملف بحاجة إلى جهود إضافية لضمان تعليم نوعي لكل طفل مهما كانت إعاقته.

ترسانة قانونية متقدمة

بدأ الاهتمام بدمج ذوي الاحتياجات الخاصة يتعزز منذ صدور القانون 02-09 لسنة 2002 المتعلق بحماية وترقية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والذي ينص صراحة على حق الطفل المعاق في التعليم، سواء داخل مؤسسات تربوية عادية أو متخصصة، كما أطلقت وزارة التربية برامج تكوين للمعلمين لجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع اختلافات التلاميذ ودعمهم.

ورغم وجود أكثر من 30 مركزا متخصصا وعدد معتبر من الأقسام المدمجة عبر ولايات الوطن، إلا أن النسبة العامة للدمج ما تزال أقل من الطموحات بحسب جمعيات ناشطة في الميدان.

 

جهود تصطدم بالعراقيل

تختلف ظروف الدمج من ولاية إلى أخرى، فبينما تنجح بعض المدارس في توفير أقسام خاصة للتلاميذ من ذوي الاعاقات السمعية أو الذهنية الخفيفة، تعاني مؤسسات أخرى من غياب الوسائل البيداغوجية ونقص الكفاءات المتخصصة وحتى ضعف التهيئة المادية للمباني.

 

بين الأمل والتخوف

لا يخفي الكثير من أولياء التلاميذ من أن يؤدي الدمج “غير المدروس” إلى إحباط أبنائهم بدل دعمهم، فغياب المختصين في النطق وفي علم النفس المدرسي وتقويم السلوك يجعل العملية في بعض الأحيان شكلية أكثر منها تربوية.

وفي هذا السياق، يقول والد طفل مصاب باضطراب طيف التوحد “ابني ذكي، لكن القسم العادي لا يناسبه بعد، ونحن بحاجة إلى أساتذة مدربين وورشات خاصة وبيئة تستوعب اختلافه”.

 

دعوة إلى استراتيجية وطنية شاملة

يرى مختصون في التربية أن نجاح الدمج في الجزائر يرتبط بإطلاق استراتيجية وطنية تتضمن تكوينا معمقا ودائما للأساتذة، مع توفير مختصين نفسانيين وتقنيين داخل المدارس، إضافة إلى تجهيز الأقسام بالوسائل التعليمية الملائمة، وكذا إشراك الأسر في عملية الدعم والمتابعة، كما ينبغي تخفيف عدد التلاميذ في الأقسام المدمجة.

هذا، ويؤكد الخبراء أن الدمج ليس مجرد تسجيل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية، بل هو مشروع مجتمعي يتطلب تغيير النظرة السائدة تجاه الإعاقة وإشاعة ثقافة تقبّل الاختلاف.

 

نحو مدرسة أكثر إنصافا

ورغم كل التحديات يبقى الدمج المدرسي في الجزائر خطوة مهمة نحو بناء مدرسة وطنية شاملة تحترم الحق في التعليم والإبداع، ويتطلب النجاح في هذا المسار إرادة سياسية مستمرة وموارد بشرية ومادية معتبرة، والأهم من ذلك وعيا مجتمعيا بأن الإعاقة ليست نهاية الطريق بل اختلاف يحتاج فقط إلى الفهم والدعم.

مكتسبات وفوائد تبعث على الأمل

حققت الجزائر منذ وصول عبد المجيد تبون إلى رئاسة الجمهورية سنة 2019 بعض المكتسبات لذوي الاحتياجات الخاصة لا يمكن إنكارها، في محاولة لتعزيز التكفل والدمج الاجتماعي، وما زالت الجهود متواصلة حيث تعمل السلطات على استراتيجية وطنية حول الإعاقة تشمل عدة وزارات وهيئات وممثلين عن ذوي الإعاقة والجمعيات بهدف تحسين التكفل وضمان الدمج الكامل بحلول سنة 2027. كما تصمم الدولة الجزائرية على دعم الخدمات والتسهيلات من أجل إعادة التأهيل وتأمين الاحتياجات، مما يسهم في عملية الدعم الاجتماعي الذي يعتبر التزاما دوليا ومحليا أكدته الجزائر من خلال مشاركتها في فعاليات دولية لحقوق المعاقين مع الإعلان عن التزامات جديدة، ما يضع هذه الفئة ضمن أولويات السياسة الاجتماعية للدولة الجزائرية.

لمياء. ب