كانت الطبعة الواحدة والعشرون من الصالون الدولي للكتاب موضوع منتدى “الموعد اليومي”، وقف فيه ضيفا الجريدة السيدين جمال شعلان المكلف بالاعلام لهذا الحدث الثقافي الكبير، وياسر أبو يحيى مزيان مدير عام دار الفكر العربي وعضو مكتب النقابة الوطنية وعضو اتحاد الناشرين العرب، عند أهم محطات نسخة هذه السنة التي وفت بوعودها، حيث منحت للمؤلفين والقراء على مدى عشرة أيام فضاء تبادل ولقاءات يفتقر إليها كثيرا طيلة أيام السنة الأخرى بالنظر إلى نقص الفضاءات المخصصة للكتاب في الجزائر.
وفي هذا الصدد، أكد جمال شعلان المكلف بالاعلام للصالون الدولي للكتاب أن دورة هذا العام تميزت باحترافية عالية في المجال التنظيمي، مشيدا بالاقبال القياسي مقارنة بالطبعات السابقة، حيث بلغ عدد الزوار 1530000 زائر من مختلف الفئات والأعمار، مشيرا إلى أن المدارس بأطوارها الثلاثة غزت المعرض.
وبلغة الأرقام، أشار السيد شعلان إلى 36000 تلميذ زار المعرض حسب إحصائية أنجزتها وزارة التربية، كما كان لطلبة الجامعة حضور تمثل في مشاركتهم في الندوات التي أقيمت خلال فعاليات الصالون.
وكشف ضيف “المنتدى” أن الأهم من وراء تنظيم هذا الصالون يكمن في محاولة تسويق صورة الثقافة الجزائرية لدى الأجنبي الذي عاد إلى بلده وهو منبهر بالمعرض وفعالياته.
وأفاد جمال شعلان أن هذا الصالون حضره مؤلفون ومبدعون وكتاب وأكاديميون أبرزهم نادي داني لافريار والدكتور عبد الله ابراهيم.
في المقابل، أشار جمال شعلان إلى أن هناك نقائص سيتم معالجتها مستقبلا لخصها في مشكلة الكتابة والمحتوى الرقمي مقارنة مع الدول العربية، ولكن مع هذا شدد على أن للجزائر كتابا بارزين على غرار الطاهر وطار، محمد ديب وبن هدوقة رحمهم الله
وأمين الزاوي وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي، ومن الجيل الحالي إسماعيل داود ورشدي رضوان وهاجر قويدري وغيرهم من الشباب الذين تألقوا دوليا من خلال نيلهم للعديد من الجوائز، إلا أنهم ما زالوا يعانون من التهميش الاعلامي بسبب عدم تسويق صورتهم بالقدر الذي يجعلهم معروفين لدى القارئ في الخارج.
وقال ضيف المنتدى إن هؤلاء الأدباء والروائيين والشعراء يجدون في الصالون الدولي للكتاب فضاء للالتقاء بزملائهم العرب على وجه الخصوص، كما أتاح لهم فرصة الترويج لمنتوجهم الفكري والفوز بصفقات توزيع كتبهم خارج الوطن.
وأوضح السيد شعلان أن طبعة هذه السنة أكدت أن الكتاب له مكانة مميزة لدى المواطن الجزائري، لافتا إلى أن القائمين على الصالون رسموا أهدافا عديدة أهمها ربط جسر الألفة بين الكتاب والأسرة الجزائرية.
وفي نفس السياق، شدد ياسر أبو يحيى مزيان مدير عام دار الفكر العربي وعضو مكتب النقابة الوطنية لناشري الكتب وعضو اتحاد الناشرين العرب، أن صالون هذا العام بلغ درجة عالية من الاحترافية، في ظل مشاركة 966 دار نشر من 50 بلدا
واقبال كبير من الجمهور لشراء واقتناء كتب جديدة.
تشجيع الناشرين الجادين ومعاقبة وإقصاء المخالفين للنظام
من جهة أخرى، أكد جمال شعلان بأن الإجراءات العملية التي اتخذت في حق دور النشر المخالفة لعرض الكتب في الصالون الدولي للكتاب هذا العام كانت “موضوعية” ولا تشوبها أي شائبة، باعتبار أن الصالون لديه نظام داخلي قائم بذاته وهو ليس “بدعة” – كما يعتقد البعض-، خصوصا وأنه تم مراسلة كل الناشرين المشاركين قبل أشهر مع الدعوة التي وجهت لهم بهدف إعلامهم بالأمور المتعلقة بالتنظيم العام، سيما ما تعلق بعدم وضع الكتاب على الأرض احتراما للكاتب والقارئ والثقافة والأكثر من ذلك “الناشر الجاد” الذي يكد ويجتهد طول العام.
وقال جمال شعلان إن مسؤولي الصالون للكتاب يشجعون الناشرين الجادين الذين يحترمون أنفسهم، مشيرا إلى أن الذي حدث أن أعوان الصالون الدولي للكتاب وجدوا أن حوالي 45 ناشرا لم يحترموا شروط عرض الكتب، منهم 22 دور نشر جزائرية وبالتالي كان من الواجب تطبيق القانون الذي يعطي الحق بتقديم ملاحظات لدور النشر المخالفة بعيدا عن كل التأويلات التي قدمت في وسائل الإعلام بطريقة غير مهنية.
وأوضح المتحدث بأنه لو سلمنا جدلا بأن الصالون الدولي للكتاب كانت فيه مسائل غير تنظيمية مثلا على سبيل الذكر لا الحصر، أكيد أن الجميع كان سيلوم القائمين عليه، وذلك بالرغم من الاحترام الكبير الذي أعطي للناشرين وكذا الحيز الكبير الذي أعطي لهم، بحيث لم يتم تسجيل إجراءات الغلق للناشرين، بل قدمت لهم اعذارات فقط لتصحيح الوضع لا أكثر ولا أقل.
وأضاف المتحدث بأن أغلب الناشرين التزموا وصحّحوا الوضع المذكور حتى أن منهم من اشترى طاولات خاصة لا سيما الناشرين العرب وقاموا بوضع الكتب فوقها دون الإخلال بالنظام العام المشار إليه، في وقت كانت دور نشر أخرى تضع الكتب والأكثر من ذلك المصاحف فوق الأرض، وبالتالي هؤلاء قاموا بإقصاء أنفسهم ولن يتم الترحيب بهم في الصالون القادم طبقا للإجراءات المتفق والمعمول بها دوليا.
حاجة ماسة إلى دراسات تحليلية معمقة لتحديد نسبة المقروئية بالجزائر
ودعا جمال شعلان إلى تبني سياسة حكيمة تعنى بالتحليل العلمي والعملي الذي بإمكانه إعطاء الجزائر نسبة مقروئية لا بأس بها داخل المجتمع، وكل ما تعلق بالخريطة الجغرافية وعدد المناطق والفئات المعنية وتوعيتها بهذه الظاهرة الاجتماعية التي تحتاج إلى دراسات معمقة والتي – حسبه- لا توجد في الوقت الحالي للأسف الشديد.
وأوضح ضيف منتدى “الموعد اليومي” بأن تجربته الثقافية أثبتت وجود متغيرات داخل مكونات المجتمع الجزائري تميل ميلا كبيرا للأدب، وذلك من خلال حجم المراسلات والكتابات الممتازة والمتنوعة التي كانت تصب في الإذاعة الثقافية وتستقبل من طرف القائمين على الحصص من هذا النوع.
كما أوضح الضيف أن القائمين على الصالون الدولي للكتاب الذي تميز بإقبال منقطع النظير من لدن الجزائريين هذه السنة يفكرون منذ الآن أن يوزعوا استمارات في الطبعة المقبلة، بغية التدقيق في الفئات العمرية التي تقتني الكتاب، إلى جانب آراء الزوار في المادة الثقافية التي تقدم لهم لإيجاد بعض الأجوبة الشافية والكافية للمساهمة الفعلية في رفع نسبة المقروئية.
بعض الناشرين لا يحملون إلا الصفة
من جهته، أكد ياسر أبو يحيى مزيان مدير عام دار الفكر العربي بالجزائر عضو مكتب النقابة الوطنية وعضو اتحاد الناشرين العرب، بأن بعض الناشرين أصبحوا يتجاوزون القانون الذي يضبط عرض الكتب في الصالون الدولي للكتاب، متسائلا بالقول: كيف يمكن أن نتصور أن كتابا دينيا مثلا يوضع على الأرض ويتم بيعه في وقت الإدارة دائما تنبه بعدم شرعية وقانونية هذا التصرف، وبالمقابل تقوم بعض دور النشر بالتحايل على القانون وتضع الكتب على قطعة قماش.
وقال ياسر أبو يحيى مزيان بأن هناك بعض الناشرين لا يحملون إلا الصفة كالذين قاموا بوضع الكتب في المعرض الدولي للكتاب هذه السنة بطريقة فوضوية دون أدنى احترام للقارئ ولصورة الجزائر، مشيرا إلى أن الناشر لابد أن يحترم نفسه لأن عرض الكتب ليس بالمهنة التي تحمل الاستهتار واللامبالاة.
وعن معاناة دور النشر في الجزائر من حيث نشر وتوزيع الكتب، أشار المدير العام لدار الفكر العربي وعضو النقابة الوطنية لناشري الكتب، إلى تراجع عدد المكتبات في الجزائر، إلى جانب إشكال كبير في تسويق وتوزيع الكتب، فضلا عن التكاليف الباهضة لعملية استيراد الورق.
ولهذا دعا ياسر إلى العمل لاسترجاع الورق ورسكلته، أي إلى تطوير صناعة الكتب كذلك، مشيرا إلى ضرورة فتح المجال للاستثمار الخاص من خلال تقديم تسهيلات في هذا الجانب.
تحفظات محدودة
وأوضح شعلان في ذات السياق أن القائمين على معرض الكتاب لم يمنعوا مشاركة بعض الكتب بما أن الدستور الجزائري -بحسبه – يضمن حرية التعبير والمعتقد، كما أن القائمين على الصالون مقتنعون تمام الاقتناع بحرية التفكير والكتابة شرط أن تخضع للقانون الداخلي للمعرض المعدل سنة 2012 الذي يمنع مشاركة الكتب التي تحرض على العنف والعنصرية التي تمس أيضا ثوابت ورموز الدولة الجزائرية، معتبرا في نفس الوقت أن هذه القوانين والشروط التي ارسلت لدور النشر قبل انطلاق الطبعة الــ 21 لمعرض الكتاب متعارف عليها دوليا وليست مقتصرة فقط على معرض الجزائر الدولي للكتاب.
كما أكد شعلان أن الكتب التي يتم التحفظ عليها قبل انطلاق المعرض لا تحجز من طرف الجمارك، بما أن المشاركين في المعرض يرسلون عناوين الكتب التي يشاركون بها قبل انطلاقه بحوالي 6 أشهر على الأقل، مما يسمح – بحسبه- بدراسة هذه الكتب والاطلاع على محتوياتها، وذلك من قبل اللجنة المستقلة عن صالون الكتاب والمتمثلة في وزارة الشؤون الدينية ووزارتي الثقافة والتربية، زيادة على المصالح الأمنية ليتم بعد ذلك مراسلة دور النشر التي تم التحفظ على كتبها لإخطارها بالقرار ما من شأنه -حسب المتحدث- أن يضمن سير فعاليات الصالون دون أخطاء أو تجاوزات بحكم التطور الذي يسجله المنظمون من دورة إلى أخرى.
أما فيما يخص عدد الكتب التي تم التحفظ عليها قبل انطلاق المعرض، أكد شعلان جمال أنها لا تتعدى 131 كتاب من أصل 40 ألف عنوان، ما اعتبره عددا ضئيلا جدا مقارنة بالعناوين المشاركة في هذه التظاهرة، كاشفا في ذات السياق أن التواصل بين المنظمين وزوار المعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي مكن من منع بعض الكتب خلال سيرورة المعرض.
“اقتران القراءة بالمعرض راجع لنقص المكتبات عبر الوطن”
كما لم يخف السيد شعلان جمال أن حضور الكتاب ومصطلح القراءة بشكل أدق أصبح مقترنا اليوم بشكل كبير بالصالون الدولي للكتاب، الذي ينظم كل سنة وذلك راجع إلى قلة المكتبات على المستوى الوطني، زيادة على ذلك مشكلة التوزيع التي تعاني منها دور النشر وكذا المكتبات القليلة التي ما تزال تحافظ على ثقافة الكتاب سواء ببيعه أو حتى فتح مكتبات خاصة بالمطالعة، في حين اعتبر أن تجارة الكتب في الجزائر لا ترقى لتطلعات دور النشر أو أصحاب المكتبات الذين فضل بعضهم تغيير مهنة بيع الكتب، مؤكدا في نفس الوقت أن تنظيم معرض الكتاب مرة كل سنة لا يلبي حاجيات الطبقة المثقفة في الجزائر التي تعي قيمة الكتاب خاصة سكان المناطق البعيدة عن الجزائر العاصمة.
كما كشف شعلان أن وزارة الثقافة شرعت في السنوات الأخيرة في إنشاء مكتبات بلدية وإمدادها بالكتب، خاصة على مستوى المناطق النائية، وذلك لسد العجز الذي تواجهه على مستوى هذه المنشآت، خاصة وأن الفرصة لم تُتح لغالبية سكان هذه المناطق لزيارة معرض الكتاب، مؤكدا في نفس الوقت أن المعارض الوطنية التي تنظم كفيلة بسد بعض العجز الذي تواجهه هذه المناطق خاصة مشكلة توزيع الكتب وكذا توفيرها وتنظيمها داخل المكتبات.
ستكون ضيفة شرف صالون القاهرة الدولي
الجزائر أمام تحد “حضور مميز”
كشف السيد شعلان أن وزارة الثقافة طبقت سياسة ترشيد النفقات، وتم بالفعل تقليص ميزانية الصالون الدولي للكتاب إلى النصف لكن دون أن يؤثر ذلك على نوعية المشاركين ومضمون التظاهرة.
وتدخل السيد ياسر أبو يحيى في الأخير ليتحدث عن إقبال الجزائر على المشاركة في الصالون الدولي للكتاب بالقاهرة في سنة 2018، أين ستكون بلدنا ضيفة شرف قائلا: “لابد أن يكون حضورنا مميزا ولا عذر لنا لو فشلنا في هذه المهمة”.
وأفاد نفس المسؤول في هذا الإطار أن أكثر الناشرين الجزائريين لم يشاركوا في المعارض الدولية خارج الوطن لأسباب تقنية معروفة لدى العام والخاص تكمن في غلاء تكاليف الشحن من قبل الجمارك، داعيا وزارة الثقافة إلى الاجتهاد لإيجاد آليات من شأنها القضاء على هذه العقبات التي تحول دون إيصال منتوجنا الفكري والأدبي والعلمي إلى الخارج.