لمّا كان النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، هو المُنبِئ عن كلمة الله، الموضّح لوحيه، الحامل لهدايته، كان حبّه أصلا من أصول الإيمان، لا ينفكّ عن حبّ الله؛ ولا يؤمن أحد حتّى يكون حبّه لله وحبّه لرسوله حبّا راسخا في النفس، متمكّنا في شعابها. إنّه لا يؤمن أحد حتّى يكون رسول الله أحبّ إليه من نفسه التي بين جنبيه، ومن أهله وماله والناس أجمعين. وإنّما يصدق حبّه في إتباع شريعته، والذّود عن ملّته، والنّصح لأمّته، والسعي لتطبيق ما جاء به عن ربّه. إنّ المؤمن إذا ما أحبّ الله ورسوله حبّا صادقا، فمعنى ذلك أنّ نظرته للوجود أصبحت نظرة لا تخضع للأهواء والشهوات، ولكنّها ترتفع إلى مراتب السموّ والكمال، وتخضع للمثل العليا والقيم السامية..إنّ من مظاهر النظام في شرعة الإسلام أنه جعل في كلّ جماعة من الأمّة قائدا يرعاها، يعمل لخيرها؛ ويسهر على مصالحها. والولاية على الأمّة أعظم المناصب في رعاية الحقوق والواجبات، بالأمانة والعدل. الأساس المتين للمجتمع الفاضل هو أن يكون فيه وليّ الأمر الصالح، والأمّة الواعية المخلصة. ومن صلاح الراعي وإخلاص الرعيّة، تنبثق أضواء الخير والسعادة للجميع.وهذا يستلزم أن تكون الأمّة راشدة متّحدة، تتبادل فيما بينها المشاورة والمناصحة، حتى تحقّق ما أرشد إليه صاحب الرسالة، في قوله، صلّى الله عليه وسلّم:”إنّ الله تعالى يرضى لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا، وأن تناصحوا من ولّاه الله أمركم.”..إنّ شعبنا يتطلّع إلى عهد جديد، تكون فيه المحاسبة الدقيقة لكلّ مفرّط، وردع كلّ باغ مفسد. كما يتطلّع إلى الإنصاف العادل لكلّ مظلوم، أو محروم أو مهضوم. يريد شعبنا أن تمتدّ الأيدي المصلحة الحكيمة، الرحيمة القويمة، إلى جرائم المعتدين، وأشواك الجاهلين، فتضرب بيد من حديد كلّ من تسوّل له نفسه خيانة الأمانة، والإضرار بمصالح الأمّة، والتفريط في حقوق الوطن. فإنّ الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن. يريد شعبنا من أولياء الأمور أن يخرجوا على النّاس شموسا ساطعة لا يضيرها السّحاب، ولا يصدّها الحجاب؛ يعتمدون على ذخائر من عزائمهم، ورصيد من سجلّات أعمالهم، ولا يحتاجون إلى سواعد مفتعلة، ولا سواند مصطنعة؛ غايتهم خدمة المجتمع وحسن رعايته، بتأمين حياة الحريّة والعدالة والمساواة؛ حياة يجد فيها كلّ فرد حقّه، وينال حظّه، وتتكافأ في ظلالها الفرص بين أبناء الوطن الواحد. فكونوا، على وعي وبصيرة. واجعلوا في طليعة أهدافكم: حماية الوطن، وتقوية اللّحمة، وتعزيز التضامن والتعاون في المجتمع، والحفاظ على المكتسبات، وتعبيد الطريق لمواصلة المسار، والعمل لتثبيت دعائم الاستقلال، وبناء مستقبل الجزائر، في ظلّ قيمها ومقوّماتها وانتمائها الحضاريّ الأصيل..
مقتطفات من خطبة الجمعة من جامع الجزائر