-
كل الخيارات على الطاولة القطرية بدعم جزائري مطلق
-
بين مواقف جماعية لا تتجاوز حدود التنديد وموقف جزائري يمنح الدعم في أي قرار.. الفرق واضح
-
سيادة الدول.. خط أحمر في العقيدة الجزائرية
في وقت تراجعت فيه لغة الأفعال إلى مجرد بيانات شكلية، خرج صوت الجزائر خلال القمة العربية الاسلامية الطارئة بالدوحة ليكسر القاعدة ويمنح الدوحة تفويضا مطلقا، أشبه بـ”شيك على بياض”. فحين أكد الرئيس عبد المجيد تبون أن الجزائر تقف مع قطر وتدعمها بشكل كامل في “ما تراه مناسبا وضروريا لصون سيادتها”، كان يعلن موقفًا يتجاوز حدود التضامن التقليدي إلى التزام كامل بالدفاع عن القرار الوطني الحر، مقابل مواقف جماعية بدت عاجزة عن تجاوز دائرة التنديد.
تفويض كامل.. الجزائر تمنح قطر شيكًا على بياض
تصريح الرئيس عبد المجيد تبون كان إعلانًا عن تفويض كامل لدولة قطر في مواجهة العدوان الإسرائيلي. فحين قال إن الجزائر تقف مع الدوحة في “ما تراه مناسبًا وضروريًا لصون سيادتها”، كان بذلك يضع كل الخيارات على الطاولة، تاركا لقطر حرية اختيار الرد المناسب، ومتعهدا بدعمها في أي قرار تتخذه. هذا الموقف غير المسبوق في الساحة العربية يعكس قناعة راسخة بأن السيادة الوطنية لا تُصان ببيانات رمزية، وإنما بقرارات جريئة مدعومة بمساندة حقيقية. لقد منح الرئيس تبون لقطر ما يشبه “شيكا على بياض”، دعما مطلقا لا يقيده شرط ولا يُحاصر بإملاء. وهنا تكمن قوة الرسالة الجزائرية: الثقة المطلقة في خيارات الشقيقة، واعتبار قرارها مرآة لإرادة الأمة كلها. على عكس بيانات القمم المعتادة التي تذوب في لغة التنديد، جاء الموقف الجزائري صريحا ومباشرا. لقد اختارت الجزائر أن تكون في موقع “الضامن” لا “الموجِّه”، وفي صف “المساند الفعلي” لا “المتفرج الصامت”. هذه النقلة من الخطاب إلى الفعل جعلت الجزائر ترفع سقف التضامن العربي والإسلامي إلى مستوى جديد، يعيد الاعتبار إلى معنى الشراكة بين الدول لا إلى مجرد التوافق اللفظي. إن تفويض الجزائر لقطر كان رسالة استراتيجية أعمق: أن زمن الوصاية انتهى، وأن لكل دولة الحق في أن تدافع عن سيادتها كما تشاء، وأن الجزائر ستكون دائما سندا حقيقيا لا يفرض شروطا ولا يرسم حدودا، بل يفتح المجال لقرار سيادي حر يعبّر عن المصلحة الوطنية أولا وأخيرا.
دعم بلا شروط.. عقيدة الجزائر في نصرة السيادة

حين تعلن الجزائر وقوفها إلى جانب قطر في مواجهة العدوان الإسرائيلي، فإنها تفعل ذلك دون أن تضع أي قيود أو شروط مسبقة. فهي لا تملي على الدوحة شكل الرد ولا تحدد لها سقفا للتحرك، بل تمنحها حرية اتخاذ القرار، وتتعهد بمساندتها في كل ما تختاره. هذه الصيغة النادرة في الخطاب العربي تعكس عقيدة راسخة لدى الجزائر: السيادة الوطنية لا تُجزأ ولا تُساوم، ومن حق كل دولة أن تدافع عنها بالطريقة التي تراها مناسبة. إن ما ميّز الموقف الجزائري هو غياب لغة الوصاية أو التدخل التي كثيرًا ما تشوب بيانات التضامن. الجزائر اختارت أن تضع نفسها في موقع “الشريك الموثوق”، لا في موقع “الوصي الموجّه”. فهي تدرك أن القوة الحقيقية تكمن في منح الدولة المعتدى عليها كامل الحرية في تحديد أدوات الردع والدفاع، مع تقديم الدعم المطلق لها في تلك الخيارات. وبهذا تتحول الجزائر من مجرد طرف متضامن إلى رافعة سياسية تمنح القرار القطري شرعية أوسع. هذا الدعم غير المشروط يتسق مع ثوابت السياسة الخارجية الجزائرية منذ الاستقلال، حين وقفت مع حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية دون أن تملي عليها كيف تقاوم أو بأي أسلوب تتحرك. اليوم، تعيد الجزائر إنتاج نفس المبدأ مع قطر: موقف أخلاقي وسياسي قائم على الاعتراف بحق الشعوب في اختيار مسارها، والوقوف إلى جانبها مهما كانت التحديات. إنها عقيدة الجزائر التي تجعلها صوتا استثنائيا وسط ضجيج البيانات: نصرة السيادة بلا مقابل، دعم بلا شروط، والتزام لا يعرف المساومة. موقف يجعل من الجزائر مرجعًا في زمنٍ تتراجع فيه المواقف وتغرق في الحسابات الضيقة، ويضعها في مصاف الدول التي لا تكتفي بالكلمات بل تقدم تفويضًا كاملًا للقرار الحر.
رسالة ردع.. الجزائر تواجه غطرسة الاحتلال
تفويض الجزائر لقطر كان أيضا رسالة ردع واضحة موجهة للاحتلال الإسرائيلي. فالقول إن الجزائر تقف مع الدوحة في “ما تراه مناسبًا وضروريًا لصون سيادتها” يعني ضمنيًا أن أي تصعيد جديد ضد قطر لن يُواجه بقرار قطري معزول، بل سيجد وراءه دعمًا سياسيًا وإقليميًا يمنحه قوة إضافية. هنا تتحول عبارة تبون من مجرد خطاب تضامني إلى أداة ردع استباقية، تضع الاحتلال أمام معادلة جديدة: الاعتداء على قطر ليس شأنًا داخليًا بل اعتداء على الأمن العربي كله. لقد أدركت الجزائر أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بعدوانه على الشعب الفلسطيني في غزة، بل وسّع رقعة استهدافه لتشمل دولًا أخرى في المنطقة: لبنان، سوريا، اليمن، إيران، والآن قطر. وفي كل مرة يسعى لإبقاء المنطقة في حالة استنزاف دائم، وإشعال جبهة تلو الأخرى لتفتيت وحدة المواقف. ومن هنا، جاء الموقف الجزائري ليكسر هذه الحلقة، ويعلن بوضوح أن المساس بسيادة دولة عربية لن يمر دون رد سياسي جماعي. إن هذه الرسالة تتجاوز قطر في حد ذاتها، لتعيد رسم حدود الصراع مع الاحتلال. فهي تقول للعالم إن إسرائيل لم تعد تواجه شعبًا محاصرًا فقط، بل باتت في مواجهة دول ترفع سقف الردع وترفض منطق الإفلات من العقاب. وموقف الجزائر في هذا السياق يضيف بُعدًا استراتيجيًا: تحويل الاعتداء على قطر إلى قضية أمن جماعي، لا مجرد نزاع ثنائي. بهذا المعنى، يصبح الموقف الجزائري جزءًا من معركة أوسع لردع الاحتلال وكبح جماح غطرسته. فهو لا يمنح الدوحة حرية القرار فقط، بل يوفر لها غطاءً معنويًا ودبلوماسيًا يجعل أي خيار تتخذه قطر مدعومًا بوزن إقليمي معتبر. إنها خطوة تضيف إلى رصيد الردع العربي ورقة قوة جديدة، في وقتٍ يتراجع فيه الآخرون إلى مجرد التنديد اللفظي.
من الثورة إلى اليوم.. السيادة خط أحمر جزائري
اليوم، حين تمنح الجزائر لقطر “شيكًا على بياض” لتقرر ما تراه مناسبًا لصون سيادتها، فهي في الحقيقة تعيد استحضار جذور عقيدتها السياسية المتوارثة منذ فجر الاستقلال. لقد تكرس هذا المبدأ في مسار الجزائر الدبلوماسي عبر عقود طويلة. فهي التي وقفت إلى جانب كل حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، معتبرة أن لكل شعب الحق في أن يحدد مصيره بعيدًا عن الوصاية الخارجية. من جنوب إفريقيا زمن الأبارتهايد إلى فلسطين زمن الاحتلال، كانت الجزائر دائمًا في صف القرار الحر، لا تملي على الشعوب كيف تقاوم، ولا تفرض عليها قوالب جاهزة. الموقف مع قطر اليوم ليس إذن خروجًا عن السياق، بل استمرارًا لمسار طويل من نصرة السيادة. ما يميز الجزائر هو أنها لا تفصل بين السيادة الوطنية والسيادة الجماعية. فبالنسبة لها، الاعتداء على أي دولة عربية أو إسلامية هو في جوهره مساس بكيان الأمة كلها. ولهذا قال تبون بوضوح إن أمننا الجماعي لا يقبل التجزئة أو التقسيم. هذا الإدراك العميق يجعلها تعتبر دعمها لقطر جزءًا من حماية أمنها هي أيضًا، ومن الدفاع عن منظومة سيادية أوسع تحمي المنطقة من التفكك. إن رسالة الجزائر إذن ليست مرتبطة بحدث عابر، بل بجذور ممتدة في تاريخها الثوري والدبلوماسي. إنها رسالة مفادها أن السيادة خط أحمر لا يُساوم عليه، وأن الأمة لن تنهض إلا إذا جعلت من احترام السيادة الوطنية قاعدة لا استثناء لها. بهذا المبدأ، تواصل الجزائر كتابة فصل جديد في سجلها السياسي، لتبرهن أن الثورة التي فجرت الحرية بالأمس لا تزال حية في مواقفها اليوم.
استثناء صلب وسط هشاشة جماعية
بينما اكتفت القمة العربية الإسلامية ببيان تقليدي صيغ بعناية لفظية، دون أن يحمل في طياته إجراءات عملية، ارتفع صوت الجزائر كاستثناء صلب وسط هذا المشهد الهش. لقد بدا الفرق واضحًا بين مواقف جماعية لا تتجاوز حدود التنديد، وبين موقف جزائري يمنح قطر شيكًا على بياض لتقرر ما تراه مناسبًا لصون سيادتها، مع تعهد كامل بالدعم والمساندة. في لحظة بدت فيها الأمة غارقة في التردد، خرجت الجزائر لتعلن أن زمن البيانات وحدها لم يعد يكفي. هذا التمايز يعكس ثباتًا في العقيدة الجزائرية التي ترى أن الدفاع عن السيادة لا يحتاج إلى لغة منمقة بقدر ما يحتاج إلى مواقف عملية. وبينما كررت القمة عبارات التنديد والإدانة، طرحت الجزائر خيارًا مختلفًا: الثقة في القرار القطري ودعمه بلا تحفظ. إنها نقلة نوعية تجعل من الموقف الجزائري نقطة ضوء وسط عتمة البيانات الشكلية. المفارقة هنا تكشف حجم الفجوة بين الخطاب الجماعي والخطاب الجزائري. فبينما توحي الكلمات الجماعية بوحدة ظاهرية، تبرز الجزائر بجرأة مواقفها لتقول إن التضامن لا يكون حقيقيًا إلا إذا تُرجم إلى التزام كامل، لا إلى نصوص محفوظة. وهذا ما جعل رسالة تبون تلقى صدى واسعًا، لأنها خاطبت جوهر التحدي بدل الاكتفاء بسطحه. بهذا المعنى، جسّد الموقف الجزائري استثناءً صلبًا في زمن هشاشة جماعية. استثناء يؤكد أن الأمة لا تحتاج إلى المزيد من البيانات بقدر ما تحتاج إلى مواقف تُبنى على ثقة متبادلة وإرادة سياسية صلبة. لقد رفعت الجزائر السقف عاليًا، لتترك وراءها سؤالا مفتوحا: إلى متى سيظل العرب أسرى بيانات باردة، بينما يثبت موقف واحد أن السيادة تُحمى بالفعل لا بالقول؟