زيارة رسمية تعيد إطلاق التعاون بعد سنوات من الهدوء

الجزائر – فيتنام.. شراكة تعود أقوى

الجزائر – فيتنام.. شراكة تعود أقوى
  • دفء سياسي يجدّد مسار نصف قرن من العلاقات

  • اقتصاد يبحث عن انطلاقة تواكب قوة الروابط التاريخية

  • تعاون ثقافي وإنساني يعمّق حضور فيتنام في الوجدان الجزائري

تشهد العلاقات الجزائرية–الفيتنامية، هذه الأيام، حركية لافتة تعيد إلى الواجهة مسارًا دبلوماسيًا ممتدًا لأكثر من نصف قرن، جمع بين البلدين منذ زمن الكفاح المشترك ضد الاستعمار، وترسّخ لاحقًا في مؤسسات التعاون السياسي والاقتصادي.

ومع انطلاق الدورة الـ13 للجنة المشتركة بالعاصمة الجزائرية، تبرز هذه العلاقات اليوم في سياق جديد يتجاوز حدود الزيارات البروتوكولية، ليؤكد أن الجزائر والفيتنام تربطهما علاقة عميقة وراسخة تستعد لدخول مرحلة أكثر ديناميكية، مدفوعة بالرغبة المتبادلة في بناء تعاون اقتصادي وتنموي يواكب قوة الروابط التاريخية بين الشعبين. لم تكن العلاقات الجزائرية–الفيتنامية وليدة الدبلوماسية الحديثة أو مجرّد مصالح اقتصادية عابرة، بل تشكّلت في عمق التجربة النضالية لكلٍّ من الجزائر وفيتنام خلال القرن العشرين. فمنذ بدايات الثورة الجزائرية، وجدت الجبهة التحريرية في التجربة الفيتنامية نموذجًا قريبًا في مواجهة الاستعمار، بينما رأى الفيتناميون في كفاح الجزائريين امتدادًا لمعركة كونية ضد الظلم والاستعباد. هذا التقارب في الرؤية منح العلاقة منذ نشأتها بعد الاستقلال طابعًا وجدانيًا قويًا جعلها تستند إلى روح مشتركة، قوامها التضامن والدفاع عن حق الشعوب في التحرر وتقرير المصير. ومع مرور السنوات، تحولت هذه الروابط من دعم معنوي وسياسي إلى تعاون مؤسساتي ثابت. فقد شهدت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تبادل وفود رسمية وطلابية، وفتح قنوات تعاون في مجالات التكوين والتخطيط والطب والزراعة. وكانت الجزائر، بحكم حضورها الدبلوماسي في العالم الثالث، فضاءً سياسيًا مفتوحًا أمام حركات التحرر التي رأت في تجربتها نموذجًا، وهو ما سمح بانخراط فيتنام في إطار أوسع من التعاون جنوب–جنوب، لعبت فيه الجزائر دور الطرف المساند والداعم. كما اختبرت البلدان في تلك المرحلة تحديات بناء الدولة الوطنية بعد رحيل الاستعمار، فتعزز التنسيق بينهما في المنتديات الدولية، لا سيما حركة عدم الانحياز، حيث توافقت رؤاهما حول مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام استقلال الدول. وقد شكّل هذا الأساس السياسي المشترك أحد أهم دعائم استمرار العلاقات رغم تقلبات السياق الدولي وتغير موازين القوى منذ نهاية الحرب الباردة. ومع الانتقال إلى مرحلة الاقتصاد المعولم في التسعينيات وبداية الألفية، لم تفقد العلاقات الجزائرية–الفيتنامية زخمها، لكنها اتخذت مسارًا أكثر هدوءًا، قبل أن تستعيد اليوم بريقها في ظل تحولات عالمية تعيد الاعتبار للتعاون بين دول الجنوب وقدرتها على بناء شراكات استراتيجية خارج الأطر التقليدية. ومن هذا الإرث العميق، تنطلق اللجنة المشتركة الحالية لتعيد صياغة علاقة عمرها أكثر من نصف قرن، على أسس جديدة تتناسب مع حاجات النمو والتنمية في الجزائر وفيتنام.

 

دبلوماسية ثابتة تستمد قوتها من تاريخ مشترك ورؤية متقاربة

على امتداد عقود، حافظت العلاقات الجزائرية–الفيتنامية على طابع خاص يميزها عن كثير من العلاقات الثنائية الأخرى، إذ لم تتأثر بتقلبات السياسة الدولية ولا بتبدّل موازين القوى، بل بقيت قائمة على احترام متبادل ورؤية متقاربة لقضايا العالم. فمنذ استقلال الجزائر وانتصار فيتنام في حربها الطويلة، وجد البلدان نفسيهما داخل الفضاء نفسه من المبادئ: الدفاع عن السيادة، رفض التدخلات الأجنبية، دعم حركات التحرر، وتبنّي مقاربة متوازنة في علاقاتهما مع القوى الكبرى. هذا الانسجام السياسي منح للدبلوماسية الثنائية استقرارًا طويل المدى، وجعلها تمتد بثبات عبر حقب سياسية متغيرة في الجانبين. وتظهر قوة هذه الدبلوماسية، في مواقف البلدين داخل الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز، حيث تكرر الجزائر وفيتنام خطابًا متشابهًا حول القضايا العادلة، وفي مقدمتها حق الشعوب في تقرير مصيرها. كما أن التجارب التاريخية للبلدين في مواجهة الاستعمار والحروب تركت أثرًا عميقًا في ثقافتهما السياسية، وهو ما جعل الطرفين يتعاملان مع العديد من الملفات من زاوية دفاعية عن التعددية الدولية وعن أسس النظام العالمي العادل، بعيدًا عن الاصطفاف أو التبعية لأي محور خارجي. ورغم أن الجانب السياسي لم يكن يحتاج إلى دفعات إضافية خلال السنوات الماضية بحكم رسوخه التاريخي، فإن المرحلة الحالية تشهد عودة قوية لهذا البعد، ولكن في سياق مختلف. ففي ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، وتزايد التوترات الجيوسياسية، تتجه كثير من الدول إلى إعادة بناء تحالفاتها على أساس الثقة والأمان السياسي. وهنا تبرز العلاقة الجزائرية–الفيتنامية كإحدى العلاقات القليلة التي أثبتت مصداقيتها واستمراريتها، ما يجعلها قاعدة صلبة يمكن البناء عليها في المرحلة المقبلة. ومع استعادة الدبلوماسية الجزائرية لزخمها الإفريقي والآسيوي خلال السنوات الأخيرة، تبرز فيتنام كأحد الشركاء الطبيعيين في بناء فضاء تعاون جنوب–جنوب يقوم على الاستفادة المتبادلة، لا على التنافس. ومن هذا المنطلق، تكتسب الدورة الحالية للجنة المشتركة أهمية خاصة، لأنها تعيد ربط الجانب السياسي بما هو اقتصادي وتنموي، وتمنح للعلاقة طابعًا شاملًا يجعل التعاون بين البلدين يتجاوز حدود التاريخ إلى آفاق مستقبلية أوسع.

 

الاقتصاد.. الحلقة التي تأخرت طويلًا وتستعد اليوم للانتقال إلى مستوى أعلى

رغم قوة الروابط السياسية بين الجزائر وفيتنام، بقي الجانب الاقتصادي لعقود طويلة الحلقة الأضعف في مسار العلاقات الثنائية، إذ لم يرقَ حجم المبادلات إلى مستوى الإمكانيات المتوفرة لدى البلدين. فالأرقام الأخيرة، التي تُقدّر بنحو 400 مليون دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة الجارية، تعكس درجة من التفاعل التجاري لكنها تبقى بعيدة عن الطموح الحقيقي لشريكين يمتلكان قدرات معتبرة في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة والبحث العلمي. هذا الفارق بين الإمكانات والنتائج يعود أساسًا إلى غياب رؤية اقتصادية مشتركة خلال الفترات الماضية، إضافة إلى التركيز على الملفات السياسية أكثر من المشاريع الاستثمارية الملموسة. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا تدريجيًا أعاد الاقتصاد إلى الواجهة، خاصة بعد نجاح شراكة سوناطراك–بيتروفيتنام التي تعدّ واحدة من التجارب القليلة الناجحة لفيتنام خارج آسيا. فقد أثبت هذا التعاون قدرة الطرفين على العمل في مشاريع حساسة واستراتيجية، ما شجع الجانبين على استكشاف مسارات جديدة تشمل توسيع التعاون في الاستكشاف والإنتاج وحتى التكرير والصناعات البتروكيميائية. هذا النجاح أعاد الثقة في إمكانية بناء نموذج اقتصادي مشترك، خصوصًا أن فيتنام تُعد من أسرع الاقتصادات نموًا في آسيا، بينما تتجه الجزائر نحو تنويع اقتصادها وتقليص الاعتماد على المحروقات. وتبرز قطاعات أخرى مرشحة لاحتضان تعاون متقدم، أبرزها الزراعة والصناعات الغذائية، حيث تمتلك فيتنام خبرة عالمية في تطوير سلاسل الإنتاج والتحويل، بينما تبحث الجزائر عن شراكات نوعية لرفع إنتاجها وتحسين قدراتها التصديرية. كما يُعدّ قطاع الطاقات المتجددة من المجالات الواعدة، إذ يمتلك البلدان طموحات كبيرة للتحول الطاقوي، وهو ما يجعل نقل الخبرات والاستثمارات المشتركة خيارًا منطقيًا يفتح الباب نحو مشاريع إنتاج وتجهيز وابتكار في هذا المجال الحيوي. ويأتي اهتمام الجانبين بقطاعات مثل الصناعة الصيدلانية والرقمنة والخدمات السياحية والنقل ليؤكد أن الرؤية الجديدة للعلاقات الاقتصادية باتت أكثر شمولًا وتنوعًا. ومع الزيارة الحالية للوفد الفيتنامي رفيع المستوى، وما ستسفر عنه من توقيع اتفاقات جديدة، يبدو أن الاقتصاد يتحول أخيرًا إلى محرك حقيقي للعلاقة بين البلدين، في خطوة قد تنقل التعاون الجزائري–الفيتنامي من مستوى التبادل التجاري التقليدي إلى شراكة إنتاجية واستثمارية قادرة على خلق قيمة مضافة للطرفين.

 

التعاون الثقافي والإنساني.. جسر ناعم يربط الشعبين خارج الحسابات الرسمية

بعيدًا عن الطابع الرسمي للعلاقات بين الحكومتين، يشكّل التعاون الثقافي والإنساني أحد أكثر عناصر القوة حضورًا في العلاقة الجزائرية–الفيتنامية، فهو فضاء ظل يحتفظ بزخمه حتى عندما مرّ التعاون الاقتصادي بمرحلة فتور. وتعود جذور هذا القرب الثقافي إلى مرحلة التحرر الوطني، حين كانت الأدبيات الثورية والصور الرمزية لقادة الكفاح في الجزائر وفيتنام تُتداول داخل الأوساط الطلابية والمثقفة، لتكوّن ذاكرة مشتركة جعلت الشعبين ينظران إلى بعضهما بقدر كبير من الودّ والتقدير. هذه الأرضية الإنسانية خلقت، عبر الزمن، تواصلًا غير رسمي يتنامى بالتدريج، ويمنح للعلاقة بُعدًا يتجاوز الحسابات السياسية والاتفاقات. ومن أبرز مظاهر هذا التعاون الشعبي انتشار فنون الدفاع الفيتنامية في الجزائر، وعلى رأسها “فوفينام” التي يمارسها أكثر من 30 ألف شاب جزائري. هذا الرقم يعكس مدى تأثير الثقافة الرياضية الفيتنامية داخل المجتمع الجزائري، ويحوّل النشاط الرياضي إلى وسيلة لتعميق التواصل بين الجيلين الجديدين في البلدين. فآلاف الممارسين والمدربين يسافرون بانتظام إلى فيتنام للمشاركة في دورات وتربصات ومسابقات، ما يخلق حركة إنسانية دائمة خارج الأطر الدبلوماسية، ويُسهم في تعزيز معرفة الجزائريين بتاريخ وثقافة بلدٍ بعيد جغرافيًا، قريب وجدانيًا. ويُسجّل التعاون الثقافي حضورًا أيضًا في التبادل الأكاديمي، حيث يحتضن البلدان طلابًا وباحثين في مجالات الزراعة والطب واللغات. كما تشهد المناسبات الثقافية، سواء في الجزائر أو في فيتنام، مشاركة متزايدة لمبدعين من كلا البلدين، وهو ما يعمق الحضور الرمزي للعلاقة خارج لغة الاقتصاد والسياسة. وتكتسب هذه الجسور قيمة إضافية عندما تُترجم في مشاريع ملموسة، مثل تدشين نصب تذكاري للرئيس هو تشي منه في العاصمة الجزائرية، وهو حدث يرسخ في الذاكرة المشتركة رموزًا شكلت الهوية النضالية للبلدين. وبينما يتجه التعاون الرسمي إلى توسيع مجالاته الاقتصادية، يبدو أن التعاون الإنساني والثقافي سيكون أحد أعمدة المرحلة المقبلة، خصوصًا مع اهتمام الجانبين بتوسيع التبادل في مجالات التعليم والبحث والرياضة. فالقوة الناعمة التي بنت جسورًا بين الشعبين لسنوات طويلة، دون ضجيج، تتحول اليوم إلى ركيزة يمكن البناء عليها لإطلاق مشاريع مشتركة تستند إلى المعرفة والتفاعل الإنساني. ومع هذا الزخم المتجدد، تبدو العلاقة الجزائرية–الفيتنامية مستعدة للانتقال من تاريخ مشترك إلى مستقبل تشكّله الأجيال الجديدة بروابط أكثر حيوية وعمقًا.

 

زيارة الوزير الأول الفيتنامي.. منعطف جديد في علاقة تبحث عن أفق أوسع

تأتي الزيارة المرتقبة للوزير الأول الفيتنامي إلى الجزائر كأبرز محطة دبلوماسية منذ ما يقارب عقدًا من الزمن، ليس فقط لأنها الأولى منذ سنة 2015، بل لأنها تحمل طابعًا عمليًا واضحًا يضع العلاقات الثنائية أمام مرحلة أكثر وضوحًا وواقعية. فالوفد الوزاري المرافق، إضافة إلى ما يقارب عشرين رئيس مؤسسة، يعكس رغبة هانوي في تحويل العلاقات من إطار سياسي مستقر إلى تعاون اقتصادي فعلي، يقوم على مشاريع محددة وجدول أعمال مدروس، وليس مجرد نوايا عامة أو تصريحات دبلوماسية. وتُظهر المؤشرات الأولية، أن الزيارة تتجاوز الجانب البروتوكولي نحو مقاربة ميدانية تستهدف تعزيز الحضور الفيتنامي في السوق الجزائرية، خاصة في القطاعات التي يمتلك فيها البلدان خبرات متقاربة وقابلة للتكامل، مثل الزراعة والطاقات المتجددة والصناعات الغذائية والرقمنة. كما أن تجديد الاتفاقات في قطاع المحروقات، خصوصًا بين سوناطراك وبيتروفيتنام، يفتح الباب أمام توسيع الاستثمارات المشتركة في مجالات الاستكشاف والتكرير والتصنيع، وهو ما يمنح الشراكة وزناً جديدًا داخل واحدة من أكثر الصناعات الاستراتيجية في العالم. وتحمل الزيارة أيضًا، بُعدًا رمزيًا لافتًا، يتجلى في تدشين نصب تذكاري للرئيس الفيتنامي الراحل هو تشي منه في العاصمة الجزائرية، وهو حدث يترجم الاحترام المتبادل بين البلدين ويعيد استحضار مرحلة من التاريخ جمعت بين رموز التحرر في الجزائر وفيتنام. هذا البعد الرمزي لا ينفصل عن العمق السياسي للعلاقة، بل يعززها، ويمنحها بعدًا إنسانيًا وثقافيًا يؤكّد أن التعاون بين البلدين لم يكن يومًا مجرد نتيجة مصالح ظرفية، بل امتداد لروابط تاريخية موثقة وعميقة. ومع اجتماع اللجنة المشتركة بالتوازي مع زيارة المسؤول الفيتنامي، تبدو الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ملامح الشراكة الاقتصادية المستقبلية. فالبلدان يواجهان اليوم تحديات تنموية متشابهة، ويبحثان عن نماذج تعاون أكثر ابتكارًا وقدرة على تحقيق نتائج ملموسة. وفي ظل هذه المعطيات، تصبح الزيارة لحظة مفصلية يمكن أن تنقل العلاقات الجزائرية–الفيتنامية من تقليدية قائمة على الإرث التاريخي، إلى شراكة استراتيجية حديثة تستند إلى الاستثمار، الإنتاج المشترك، وتبادل الخبرات بطريقة تفتح آفاقًا جديدة للبلدين في فضاء تعاون جنوب–جنوب.

Peut être une image de une personne ou plusPeut être une image de textePeut être une image de textePeut être une image de une personne ou plus, salle de presse et textePeut être une image de une personne ou plus et textePeut être une image de une personne ou plus, personnes qui étudient, table, foule et salle de pressePeut être une image de une personne ou plus, personnes qui étudient et textePeut être une image de une personne ou plus et texte qui dit ’UTa MN M1. Nguven luong an Deputy Minister M.NguyenTuongVan መ onstruction’Peut être une image de une personne ou plusPeut être une image de une personne ou plus, salle de presse et textePeut être une image de une personne ou plus, personnes qui étudient et foulePeut être une image de une personne ou plusPeut être une image de une personne ou plusPeut être une image de une personne ou plus et textePeut être une image de une personne ou plus et textePeut être une image de une personne ou plus, estrade et textePeut être une image de une personne ou plus, costume, salle de presse et textePeut être une image de une personne ou plusPeut être une image de étudier, costume et salle de pressePeut être une image de une personne ou plus, le Bureau ovale, salle de presse et textePeut être une image de une personne ou plus, salle de presse et texte qui dit ’PANA’Peut être une image de une personne ou plus, costume et salle de presse