وُوري، أمس، جثمان المخرج والمنتج السينمائي الكبير محمد لخضر حمينة الثرى، عصر السبت، بمقبرة سيدي يحيى بالجزائر العاصمة.
وجاءت وفاته مع احتفاء مهرجان “كان” السينمائي بمرور 50 عاماً على “سعفة” العرب الوحيدة لـ “وقائع سنوات الجمر” التي تحصل عليها الراحل حمينة ممثل وكاتب سيناريو أيضاً، ولد في 26 فيفري 1934 في مدينة المسيلة، التي بقي وفياً لها، وصوّر فيها أفلاماً عدّة، رغم تنقّله في أماكن كثيرة، من بداية حياته الدراسية في فرنسا، إلى تونس زمن اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، حيث انضمّ إلى صفوف الثورة هناك. دخل المجال السينمائي عام 1959، عندما أرسلته “جبهة التحرير الوطني” إلى مدرسة السينما في براغ. عاد إلى بلده عام 1962، وعمل مع زملائه في تونس عام 1974 وأغلب أفلامه حينها عن ذاكرة الثورة التحريرية، لكنّه لم يصنعها وفق السردية الرسمية عنها بعد الاستقلال، إذْ ترك لنفسه مساحة المبدع، المسكون بالأسئلة وخيال الصورة. ويعد “ريح الأوراس” (1966) أحد أهم أفلام تلك الفترة، وأقواها تعبيراً عن الإنسان الجزائري، بلغته السينمائية الشفّافة والشاعرية: قصة عائلة جزائرية دمّرتها الحرب. هذا الفيلم، الحائز على جائزة العمل الأول في مهرجان “كان”، شكّل نقلة نوعية في المعالجة السينمائية لحرب التحرير، كما أعلن عن ولادة مخرج ملتزم بقضية إعادة بناء صورة للكيان الوطني، فنياً وجمالياً، عبر مفردات اللغة السينمائية، وصورة مُحمّلة بالذاكرة.
العمل الدرامي المؤثّر والشاعري، الذي قدّمه حمينا في أول أفلامه الروائية، لم يمنعه عام 1968 من تقديم فيلمٍ كوميدي بارز بعنوان “حسن الطيرو”. ما يزال يُعرض في القنوات التلفزيونية إلى اليوم، وينال نسباً مرتفعة من المُشاهدة، أمّا “وقائع سنوات الجمر” (1974)، فلَقِي صدى كبيراً، إضافة إلى نيله أكبر جائزة يحصل عليها فيلم عربي إلى اليوم، وهي السعفة الذهبية لمهرجان “كان”. هذا الفيلم شاهدٌ موثِّق لنضال الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي من أجل الاستقلال والحرية المضرجة بالدماء. ولم يكن مجرد فيلم يناهض الاستعمار، ويتناول إحدى أهم الثورات العالمية، بل عُدّ من أبرز كلاسيكيات السينما العالمية، ومن أضخم الأفلام التاريخية التي نفّذت خارج هوليوود بمفردات سينمائية متينة، ومشهدية مميزة. رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وبكلمات مؤثرة نعى الراحل قائلاً “الفقيد وقبل أن يكون مخرجًا عالميًا مبدعًا ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما العالمية، كان مجاهدًا أبيًا. ساهم في تحرير بلاده بما نقل من صورة ومشاهد عرّفت البشرية ببطولات الثورة التحريرية المظفرة”. كما تقدم وزير الثقافة والفنون، زهير بللو، بتعازيه الخالصة وصادق مواساته إلى أسرة الفقيد. وذكّر الوزير في رسالة التعزية بمسار الفقيد محمد لخضر حمينة الذي يعد “أحد أعمدة السينما الجزائرية والعربية واسمها المضيء في المحافل الدولية”، مشيرا إلى أن الجزائر “تفقد قامة فنية شامخة ومخرجا رائدا كرس حياته للفن الملتزم، وأثرى الذاكرة الوطنية بأعمال خالدة جسدت نضال شعب وهموم أمة وجمال الصورة السينمائية الأصيلة”. وأضاف أن الفقيد نال جائزة السعفة الذهبية لمهرجان “كان” السينمائي عام 1975 عن فيلمه الملحمي “وقائع سنين الجمر” في “تتويج عالمي استثنائي يعكس عبقريته الإبداعية وتمكنه التقني وارتباطه العميق بالقضية الجزائرية”. وبهذه المناسبة الأليمة، أعرب الوزير عن “خالص التعازي وصادق المواساة إلى أسرة الفقيد وأهله وذويه وإلى الأسرة الثقافية والفنية، راجيا من المولى تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم ذويه جميل الصبر والسلوان”.
ب\ص