تنطلق، هذا الخميس، بالجزائر العاصمة الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، في حدث يوصف بأنه “الأكبر من نوعه في القارة” ويُنتظر أن يشكل “بوابة عبور إلى فرص جديدة” أمام الاقتصاديات الإفريقية.
الافتتاح الرسمي، الذي ينعقد تحت رعاية رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، سيحوّل الجزائر إلى “عاصمة اقتصادية لإفريقيا” لمدّة أسبوع كامل، حيث يلتقي أكثر من 2000 عارض ووفود من 140 دولة وما يقارب 35 ألف زائر مهني في مشهد يتجاوز حدود التجارة ليتحول إلى “رسالة سياسية واقتصادية”، مفادها أن الجزائر تعود بقوة إلى عمقها الإفريقي لتكون شريكًا محوريا في صياغة مستقبل التكامل الاقتصادي للقارة.
انطلاق الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، اليوم بالجزائر العاصمة، يعكس حجم الرهانات الاقتصادية الملقاة على عاتق هذا الموعد. فالحدث الذي يجمع أكثر من “2000 عارض” من مختلف أنحاء العالم، ويستقطب وفودا من “140 دولة”، هو منصة لتجسيد التكامل الإفريقي على أرض الواقع. ويكفي أن الأرقام المعلنة تتحدث عن “35 ألف زائر مهني” لتؤكد أن الجزائر تستضيف فضاءً اقتصاديًا بحجم قارة بأكملها. الأهمية لا تتوقف عند كثافة المشاركة، وتمتد إلى طبيعة الصفقات المرتقبة. فالمنظمون يتوقعون إبرام اتفاقيات تجارية واستثمارية تتجاوز قيمتها “44 مليار دولار”، وهو رقم يعكس ثقة متزايدة في السوق الإفريقية وقدرتها على أن تتحول إلى محرك للنمو العالمي. المعرض، بهذا المعنى، هو ورشة عمل كبرى لإعادة رسم خرائط التجارة والاستثمار داخل القارة. ويُعد هذا الموعد فرصة حقيقية للمؤسسات الجزائرية التي تشارك بقرابة “200 شركة”، حيث تعمل على عرض منتجاتها وخدماتها بأحدث التقنيات. هذه المشاركة الوطنية تمثل خطوة إضافية نحو تعزيز موقع الجزائر كفاعل اقتصادي قاري، خاصة بعد النجاحات التي حققتها في نسخ سابقة حين حصدت جوائز “أفضل جناح” و”أفضل جناح مبتكر”. هنا يتجلى طموح الجزائر في أن تترجم حضورها إلى نتائج ملموسة على الأرض. الزخم الكبير الذي يرافق هذا الحدث يعكس أيضًا اهتمام القارة والعالم بما يمكن أن يقدمه المعرض من فرص نوعية. فالتنوع في المشاركين، من شركات ناشئة إلى مؤسسات عملاقة، ومن هيئات رسمية إلى منظمات اقتصادية، يجعل من هذا الفضاء القاري نقطة التقاء لمختلف الفاعلين. إنه بحق “حدث اقتصادي بحجم قارة”، تتجاوز انعكاساته الجزائر لتشمل مستقبل العلاقات الاقتصادية الإفريقية برمتها.
الجزائر في قلب إفريقيا
وإذا كان حجم المشاركة يعكس الأهمية الاقتصادية للمعرض، فإن البعد السياسي والدبلوماسي لا يقل وزنًا في هذا الحدث. فاحتضان الجزائر لهذا الموعد القاري يُترجم إرادة واضحة في أن تكون “في قلب إفريقيا”، ليس فقط جغرافيًا، بل استراتيجيًا أيضًا. رعاية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للمعرض، وحضوره الرسمي لافتتاحه، يعكسان أن الأمر يتعلق برؤية دولة تسعى إلى تثبيت موقعها كفاعل محوري في مشروع التكامل الإفريقي. الجزائر وبالإضافة إلى التحضيرات التقنية والتنظيمية، عملت على تأطير هذا الموعد ضمن سياسة خارجية تراهن على العمق الإفريقي. فمشاركة وفود رفيعة المستوى، من وزراء ورجال أعمال ومسؤولين من مختلف الدول، تمنح الافتتاح طابعا سياسيا بامتياز. لتشكل لحظة للتشاور وبناء الثقة، بقدر ما هي مناسبة للتبادل التجاري، ما يجعل الحدث امتدادًا لمسار طويل من المواقف الثابتة للجزائر في الدفاع عن وحدة القارة واستقلال قرارها. كما أن التوقيت يضفي على هذا المعرض أهمية إضافية. ففي ظل التحديات العالمية من أزمات غذائية وطاقوية، تحتاج إفريقيا أكثر من أي وقت مضى إلى آليات تعزز تعاونها الداخلي وتقلل من تبعيتها للأسواق الخارجية. وهنا، تلعب الجزائر دور “الجسر الرابط” الذي يسهّل حركة المبادلات ويقترح حلولًا عملية لمشكلات القارة. ولا يخفى أن اختيار الجزائر لتنظيم هذه الطبعة الرابعة هو في حد ذاته اعتراف بمكانتها على الصعيد القاري. فبعد مصر وجنوب إفريقيا، تأتي الجزائر لتكمل مثلث الثقل الإفريقي في احتضان هذا الحدث، ما يؤكد أنها أصبحت عنوانًا رئيسيًا في الديناميكية الاقتصادية والدبلوماسية للقارة. وبذلك يتحول المعرض إلى أكثر من مجرد تظاهرة اقتصادية: إنه لحظة سياسية بامتياز، تُعيد وضع الجزائر في قلب المشهد الإفريقي.
منصة للفرص الجديدة
إلى جانب رمزيته السياسية والاقتصادية، يمثل المعرض منصة عملية لـ”الفرص الجديدة” التي تبحث عنها القارة الإفريقية. فبرنامج التظاهرة لا يقتصر على العرض داخل الأجنحة، بل يشمل ندوات ومحاضرات ولقاءات ثنائية، ما يمنح المشاركين فضاءً لمناقشة مستقبل التجارة والاستثمار في القارة. إن تخصيص جناح “الساورة” للندوات الكبرى، إلى جانب فضاءات أخرى للنقاشات، يعكس إدراك المنظمين أن التبادل الفكري لا يقل أهمية عن التبادل التجاري. الحضور البارز لمؤسسات قارية ودولية يؤكد بدوره الطابع الاستراتيجي للحدث. فالبنك الإفريقي للاستيراد والتصدير “أفركسيمبنك” اختار مساحة مركزية لعرض خدماته، ليكون همزة وصل بين العارضين من مختلف الدول. أما جناح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية “زليكاف”، فقد أصبح نقطة جذب رئيسية، نظرًا لما يمثله من مشروع طموح لإزالة الحواجز التجارية بين الدول الإفريقية. وجود هذين الفاعلين معًا في قلب المعرض يترجم طموحًا جماعيًا لتحويل إفريقيا إلى سوق موحدة ومندمجة. وتُعتبر اللقاءات الثنائية بين رجال الأعمال والمؤسسات من أبرز محاور هذا المعرض. فبعيدًا عن الخطابات الرسمية، توفر هذه اللقاءات فرصة لبناء شراكات حقيقية وعقد صفقات مباشرة. مثل هذه الديناميكية العملية تمنح للحدث قيمة مضافة، إذ يتحول من مجرد واجهة للعرض إلى ورشة لتأسيس علاقات اقتصادية مستدامة. وهنا تكمن أهميته الكبرى: كونه يفتح آفاقًا أمام شركات ناشئة ومؤسسات صغيرة لتجد مكانًا في شبكة التبادل القاري. الرسالة الأساسية التي يبعثها هذا الجانب من المعرض هي أن الجزائر لا تستضيف فقط حدثًا تجاريًا، بل تساهم في بناء فضاء للتفكير والعمل الجماعي. إنها منصة تتيح للقارة أن تضع أولوياتها بنفسها، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية. وبهذا، تتحول “الفرص الجديدة” من مجرد شعار مرفوع إلى واقع يتجسد في الأجنحة واللقاءات والاتفاقيات.
صورة الجزائر أمام العالم
مع انطلاق فعاليات المعرض اليوم، لا يقتصر الرهان على حجم الصفقات أو عدد المشاركين، بل يتعداه إلى “صورة الجزائر” التي تسعى الدولة لإبرازها أمام العالم. فالتحضيرات تحولت إلى واقع ملموس، حيث يظهر قصر المعارض في حلة جديدة تعكس قدرة الجزائر على تنظيم أحداث دولية بمعايير عالية. هذه الصورة تُرسل رسالة قوية إلى الداخل والخارج مفادها أن الجزائر قادرة على أن تكون وجهة موثوقة لاحتضان المواعيد الكبرى. إن الاهتمام الإعلامي الذي حظي به الحدث منذ أسابيع يعزز هذه الصورة أكثر. فالتغطيات المحلية والدولية لا تركز فقط على تفاصيل المعرض، بل على ما يمثله من عودة قوية للجزائر إلى الساحة الإفريقية والدولية. وهنا، يصبح نجاح التنظيم في حد ذاته “إنجازًا سياسيًا واقتصاديًا”، لأنه يضع الجزائر في خانة الدول القادرة على استثمار موقعها الجغرافي وقدراتها البشرية لاستقطاب الأنظار. ومن زاوية أخرى، فإن حضور وفود رفيعة من مختلف القارات يجعل من الجزائر مركزًا مؤقتًا للحوار الدولي. فالبلد الذي كان يُنظر إليه لعقود على أنه قوة سياسية إقليمية، يقدم اليوم نفسه أيضًا كقوة اقتصادية صاعدة. وهذه النقلة النوعية تضيف بعدًا استراتيجيًا لصورة الجزائر: بلد يسعى للانتقال من خطاب المبادئ إلى واقع الأرقام والصفقات. إن افتتاح الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر يشكل أكثر من مجرد موعد اقتصادي، فهو إعلان عن مرحلة جديدة في مسار الحضور الجزائري داخل القارة. من “الروتوشات الأخيرة” إلى الأجنحة المضيئة اليوم، ومن الاجتماعات الرئاسية إلى اللقاءات الثنائية بين رجال الأعمال، يتجلى أن الجزائر تراهن على تفاصيل دقيقة لتصنع فارقًا كبيرًا. والرهان الحقيقي لا يقتصر على أسبوع من العروض والندوات، بل على ما سيبقى بعده من صفقات وشراكات وانطباعات تعزز صورة الجزائر كـ”واجهة إفريقية صاعدة” و”بوابة عبور” نحو مستقبل أكثر تكاملًا للقارة.
م. ع