تواصل الجزائر تنفيذ استراتيجيتها الطموحة لتعزيز الأمن المائي من خلال التوسع في مشاريع تحلية مياه البحر، التي أصبحت إحدى الركائز الأساسية لمواجهة التحديات المناخية وضمان تزويد المواطنين بالمياه الصالحة للشرب.
ويعكس هذا التوجّه رؤية استشرافية، تهدف إلى تقليل الاعتماد على الموارد التقليدية، مثل المياه الجوفية والسدود، في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.
مشروع محطة “ملوحة الطرف” في كودية الدراوش.. رافد استراتيجي لأربع ولايات
تمثل محطة تحلية مياه البحر “ملوحة الطرف” في كودية الدراوش واحدًا من المشاريع الضخمة التي تعزز قدرات الجزائر في إنتاج المياه غير التقليدية، حيث ستوفر المحطة إمدادات مائية يومية لصالح أربع ولايات رئيسية، وفق التوزيع التالي عنابة: 160 ألف متر مكعب/ يوميًا الطارف: 80 ألف متر مكعب/ يوميًا، سكيكدة: 20 ألف متر مكعب/ يوميًا، قالمة: 40 ألف متر مكعب/ يوميًا. وتعدّ هذه الخطوة، جزءًا من خطة أشمل تستهدف توسيع مشاريع التحلية لتغطية مناطق أكثر، خاصة تلك التي تعاني من ندرة الموارد المائية التقليدية، مما يضمن استقرار إمدادات المياه الشروب للسكان ويحدّ من تأثيرات التغيرات المناخية.
قفزة نوعية في إنتاج المياه غير التقليدية
ومع استمرار جهود الحكومة الجزائرية في تطوير منظومة تحلية المياه، يُتوقع أن تصل القدرة الإنتاجية لمحطات التحلية في البلاد، قبل نهاية عام 2025، إلى 1.4 مليار متر مكعب سنويًا، أي ما يعادل 3.85 مليون متر مكعب يوميًا، وهو رقم يتجاوز بكثير الإنتاج الحالي للمياه غير التقليدية. وتأتي هذه الأرقام، كنتيجة مباشرة لسياسات الحكومة الداعمة للاستثمار في هذا المجال، حيث تُعتبر الجزائر من بين الدول القليلة في المنطقة التي وضعت التحلية ضمن استراتيجياتها طويلة المدى لضمان الأمن المائي.
الجزائر الأولى في المتوسط والثانية عربياً في إنتاج المياه المحلاة
حيث أوضح وزير الري، طه دربال، أن الجزائر استطاعت، خلال فترة وجيزة، أن تصبح البلد الأول في حوض البحر الأبيض المتوسط من حيث إنتاج المياه المحلاة، والثاني على المستوى العربي بعد المملكة العربية السعودية، بفضل تحقيقها نسبة 42 بالمائة من إجمالي المياه الصالحة للشرب عبر تقنية التحلية. وأكد الوزير، أن هذه الإنجازات جاءت بفضل الإرادة السياسية القوية لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي يولي أهمية قصوى للأمن المائي باعتباره عاملًا استراتيجيًا في التنمية المستدامة وضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. كما أشار إلى أن التحلية أصبحت اليوم حجر الأساس في سياسات الجزائر المائية، لمواجهة التغيرات المناخية، وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية التي أصبحت مهددة بالتراجع.
رؤية استشرافية واستثمارات ضخمة لتعزيز الأمن المائي
كما يرى الخبراء، أن القرارات التي اتخذتها الجزائر في هذا المجال تعدّ خطوة استباقية واستراتيجية، حيث تعتمد البلاد على مزيج ذكي من الموارد التقليدية وغير التقليدية، بما في ذلك تحلية المياه وإعادة تدوير المياه المستعملة، لمواجهة فترات الجفاف المتكررة وضمان استدامة الإمدادات المائية. وفي هذا السياق، بلغ حجم الاستثمارات الجزائرية في مشاريع التحلية حوالي 2 مليار دولار، وهو ما يعكس التزام الدولة بإيجاد حلول مستدامة للمياه، مع التركيز على إدماج أحدث التكنولوجيات العالمية في هذا المجال.
نحو نموذج جزائري في الاستدامة المائية
وبفضل هذه الاستثمارات الطموحة، أصبحت الجزائر اليوم رائدة في تبني الحلول المستدامة في قطاع المياه، مما يعزز مكانتها كدولة نموذجية في المنطقة العربية والإفريقية. ويرى المراقبون، أن هذه الخطوات ستتيح للجزائر تحقيق الاكتفاء الذاتي المائي على المدى الطويل، فضلاً عن قدرتها على تصدير خبراتها إلى الدول التي تواجه تحديات مماثلة.
الجزائر على طريق تحقيق أمنها المائي بقرارات جريئة واستثمارات استراتيجية
إن التحولات الجذرية التي يشهدها قطاع المياه في الجزائر تؤكد أن البلاد تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أمنها المائي، من خلال تعزيز قدراتها في إنتاج المياه غير التقليدية، وتقليل الضغط على الموارد الطبيعية، وضمان استقرار الإمدادات للسكان. ومع تواصل المشاريع المستقبلية، تبدو الجزائر اليوم أكثر استعدادًا لمواجهة تحديات المستقبل، مستفيدة من التكنولوجيا والاستثمار الذكي، لترسيخ موقعها كدولة رائدة في مجال تحلية المياه إقليمياً ودولياً.
إيمان عبروس